صراط فاطمة (عليها السلام)
|
*إيمان عبد الأمير
الصراط قبل أن يكون طريقاً في الآخرة هو طريق للدنيا، ولم أجد تعريفاً صادقاً للمعنى الظاهر والباطن مثلما أجده في مدرسة أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم)، فهم قدموا لنا التفسير الصحيح لمعنى الصراط المستقيم الذي ننطق به يومياً في كل صلاة مرتين.
ومن المؤسف أن يقول المسلم شيئاً كل يوم عشرات المرات ويكرره في كل صلاة مرتين دون أن يعرف معناه، فالصراط هو المنهج الذي نتبعه والمسلك الذي نسير عليه في الدنيا، فإذا كان عندك المنهج والمسلك في الدنيا صحيحين فإنك تضمن عبور صراط الآخرة وإن لم يكن كذلك فالعكس بالعكس.
ولابد أن يكون لديك الدليل المقنع الشرعي والديني والقرآني حول هذا الذي تتبعه، فلايكفي أن تقول بأنني مقتنع بهذا الطريق وكفى بل لابد أن تكون لديك المسوغات الشرعية من القرآن والسنة على الصراط الذي انتخبته في الدنيا.
أما نحن أتباع العترة الطاهرة من آل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) فلدينا أدلتنا من القرآن والسنة حول الصراط الذي نتبعه، وهناك بالطبع آيات وأحاديث كثيرة في هذا المضمار لكننا سوف نسلط الضوء أكثر حول صراط فاطمة (صلوات الله عليها) لأن موضوعنا يدور حول هذه النقطة، فقد ذكر جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمتي، من اهتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم). هذا الحديث جاء في كتاب شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني الحنفي في الجزء الأول من الصفحة ص58و59.
وفي هذا الكتاب رواية ثانية نقلها أيضاً جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اهتدوا بالشمس، فإذا غابت الشمس فاهتدوا بالقمر، فإذا غاب القمر فاهتدوا بالزهرة، فإذا غابت الزهرة فاهتدوا بالفرقدين. فقيل: يارسول الله ما الشمس؟ وما القمر؟ وما لزهرة وما الفرقدان؟ قال: الشمس أنا، والقمر علي، والزهرة فاطمة، والفرقدان الحسن والحسين (صلوات الله عليهم) أجمعين. (نفس المصدر السابق).
ونحن نصلي يومياً وندعو الله عزوجل في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم ونقول "اهدنا الصراط المستقيم" فهل من المعقول أن الله سبحانه لم يبين صراطه المستقيم للمسلمين؟!
حاشى لله العزيز أن يغفل عن هذا الأمر العظيم وقد أوضحه في الكثير من الآيات وفصله بشكل أوسع رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) الذي أوضح في عشرات الأحاديث أن الصراط المستقيم هو صراطه وأهل بيته عليهم صلوات الله، وعندما نقول صراط فاطمة سلام الله عليها فيعني أن الاقتداء بهديها هو عين العقل ذلك أنها قدمت الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم من الإلتزام بقيم الدين والأخلاق.
وإن كانت السيدة فاطمة الزهراء، سيدة نساء العالمين، فانها حجة على الرجال وعلى النساء في وقت واحد، وربما البعض أن مقامها هذا هو للمسلمين المتأخرين بينما تدل الروايات وقصص التاريخ أن كبار الصحابة الذين شهد لهم رسول الله بالمقام العالي، هؤلاء كانوا يتبعون أقوالها وأفعالها ويعاملونها بقدسية خاصة، بل وكانوا يتعلمون منها الكثير من تعاليم الدين الحنيف، فكانت عليها السلام تعلمهم الأدعية التي يذكرونها في الأوقات الخاصة، ويكفيها فخراً أن مليارات المسلمين يسبّحون بتسبيحتها المعروفة (بتسبيح الزهراء).
وعندما نقول أن فاطمة عليها السلام هي القدوة وهي الأسوة وأنها حجة على البشر وصراطها هو الصراط المستقيم، فلا نعطيها شيئاً جديداً ولانمنحها وساماً كبيراً، فالسيدة البتول كانت القدوة ومارست هذا الدور في جميع تفاصيل حياتها.
وحتى إذا شكك المشككون وقال القائلون: بان الله عزوجل لم يخترهم لمثل هذا الدور، فإنه عزوجل سيختارهم لهذا المقام وهذا الدور بفضل ما جسدوه من معاني عالية لم يتمكن أحد من المسلمين الوصول إليها، ولو أخذنا موقف واحدة من مواقفها خلال فترة حياتها المبارك الذي لم يتجاوز العقدين من الزمان، سنأخذ ثلاثة أيام فقط من حياتها وهي تلك الأيام الثلاثة التي أبقت السيدة فاطمة زوجها وأبناءها جياعاً وأعطت مالديها في سبيل المسكين والأسير واليتيم، هذا الموقف العظيم، حيّر التاريخ والأجيال على مر التاريخ، حيث بات رمزاً ساطعاً لم يفلح أحد حتى اليوم من أن يصل الى ذلك المستوى السامي، الذي امتدحه رب العزة في قرآنه الكريم، وأنزل بحقهم سورة كاملة، باسم (الانسان)، وأيضاً لها اسم آخر هو (الدهر).
وهكذا أصبحت السيدة فاطمة المثل الأعلى للمسلمين كافة ولم يكن هذا المشهد هو الوحيد الذي تفتخر به فاطمة أمام العالمين وإنما يحق لها أيضاً أن تفتخر بيوم المباهلة حيث فضلها الله عزوجل على نساء المسلمين كافة، ولها أيام ومواقف كثيرة منها يوم سد الأبواب حيث أغلقلت جميع أبواب الصحابة التي كانت مفتوحة على المسجد ما عدى باب فاطمة عليها السلام، وكذلك نزول آية التطهير بحقهم حيث طهرهم الله سبحانه من كل رجس.
نحن لانتبع فاطمة عليها السلام بدافع العاطفة أو لكونها ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بسبب كونها زوجة الوصي علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه)، بل نتبعها لأن الله عزوجل ونبيه بعد ذلك أمرا بذلك.
فعندما نقرأ في حديث الرسول الأعظم وهو يقول: (إن الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه)، فمعنى ذلك أنهم الأئمة الهداة إلى الله وأنهم يملكون العلم الذي يؤهلهم لهذا المقام، ففي تتمة الحديث (... وهم أبواب العلم في أمتي، فمن اهتدى بهم هُدي إلى صراط مستقيم).
|
|