قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

دفاعاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
*طاهر القزويني
بعض المسلمين يسيؤون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكثر من الذين لاينتمون إلى دين الإسلام، وذلك أن أغلب الكتب التي تعد مصادر التشريع للمذاهب الإسلامية تحتوي على أحاديث وروايات غير سليمة وهي تسيء إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ولو أردنا الحديث عن إساءات المسلمين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في كتبهم وإحصاء ذلك يستوجب تأليف كتاب ضخم في هذا الموضوع، إلا اننا سنناقش الموضوع من جهة أخرى بعيدة عن مسألة الإحصاء.
نريد أن نبحث الأسباب الحقيقية التي تمنع علماء المسلمين وهم الذين يجدون الأعاجيب في تلك الروايات التي تظهر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بشكل غير لائق، لكنهم لايحاولون تغييرها أو حتى رفض نشرها وطبعها؟
في الوقت ذاته يعتقد عدد لابأس به من علماء المسلمين بقداسة ما أتاهم من الحديث والرواية إلى الدرجة التي لايستطيعون معها تغيير أي شيء فيها حتى وإن خالف ذلك العقل والدين، وهم فضلاً عن ذلك لايؤمنون بهذا الحديث الشريف: (ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن خالف كتاب الله فلم أقله وإنما أنا موافق كتاب الله وبه هداني الله)، وبعضهم نسب هذا الحديث إلى الزنادقة والخوارج ويقول (إننا لو أردنا العمل بهذا الحديث فأول ما نقوم به هو الاعراض عنه ذلك أنه يخالف القرآن الكريم وقد جاء لديهم: (نحن نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك، فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفاً لكتاب الله، لأنا لم نجد في كتاب الله: أن لايقبل شيء من حديث رسول الله، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسي به والأمر بطاعته، وكذا ينهى عن المخالفة عن أمره، جملة على كل حال)، وقال أبوبكر البيهقي مثل هذا، وقالوا بشكل مطلق السنة قاضية على الكتاب، وليس الكتاب بقاض على السنة. (المحبر:70-71).
ولاشك أن السنة فيها توضيح وتفسير الكتاب وهي التي تقول ما هو ناسخ ومنسوخ وتصنف آيات الأحكام وغيرها وتفصلها عن الأمثال والقصص والحكم وغيرها.
ولا أحد ينكر دور السنة في حفظ مفاهيم القرآن الكريم وقيمه، لكن هذا لايعني أن السنة هي التي تقضي في القرآن، بل بالعكس القرآن هو الذي يقضي بشأن السنة، ذلك أن التماسك الموجود في القرآن لايوجد مثيلاً له في كلام البشر، ولذا عجز الوضاعون والملحدون أن يتلاعبوا بالقرآن الكريم لكنهم تمكنوا من ذلك بالنسبة إلى أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعلى الرغم من الحكمة النابضة في أحاديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلا إنه مع ذلك تبقى من حيث التصنيف هي أحاديث بشرية، وذلك لتحقق غايتها وهي أن تكون قريبة عن أذهان عامة الناس، هذه اللغة التي يجيدها أيضاً الوضاعون والمتلاعبون بالأحاديث الشريفة.
وحتى إذا أردنا تجاهل مسألة التحريف المتعمد للأحاديث النبوية، فإننا يجب أن نقول من الصعب جداً أن يحفظ الناس أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) بتلك الدقة بحيث يمكن الركون إليها على أساس خلوها من أية شائبة، ذلك أن أهل السنة والجماعة حرموا خلال مدة حكم الخلفاء ومن بعدهم حكومة بني أمية، من تداول الأحاديث الشريفة وتدوينها في الكتب بحجة ما قيل من الخوف من اختلاطها بالقرآن الكريم، سوى مدرسة أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) التي حافظت تماماً على إرث النبوة كاملةً من دون أي نقص ذلك أنهم لم يلتزموا بالقرارات الحكومية التي منعت كتابة الأحاديث الشريفة لعشرات الأعوام.
وبعد إغفال الأحاديث الشريفة طوال تلك السنين، فإنه عندما تبدأ الكتابة عن ذلك، لابد وأنه ليشوب هذا العمل الكبير؛ عقبات مهمة وعلى رأسها النقص والزيادة غير المتعمدة في الأحاديث.
حينئذ يكون تداول الأحاديث عن طريق واحد هو السماع، ولابد وأن تحدث اشكالات موضوعية بالنسبة إلى هذه الأحاديث، ونحن نعرف كيف أن اللغة العربية واسعة ودقيقة في آن واحد، فالكلمة الواحدة إذا تغيرت فيها حركة واحدة قد تغير معناها.
لكن الجزء الذي يتصل بموضوعنا هنا هو التغيير الذي يحدث على مستوى الحديث بشكل متعمد، وهو الذي يحاول واضعه أن يغير حقيقة تاريخية معينة، أو يفسر أية تفسيراً غير موضوعياً، أو يبرر واقعاً سيئاً يتحكم في الأمة، أو سلب مزايا وخصال منحها النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) لأشخاص فينزعونها عنهم ويلصقونها بآخرين.
ولابد من القول إن قرار حظر كتابة الأحاديث الشريفة ساعد إلى حد ما على نشر الأحاديث المزيفة التي وضعها الوضاعون، ذلك أنهم استفادوا من هذه الفرصة لبث تلك الأحاديث المزورة.
ولو افترضنا أن المسلمين أقروا كتابة السنة الشريفة كما كتبوا القرآن الكريم، ماذا كان سيحصل؟
نعم.. لما كان أحد يستطيع أن يُقحم في السنة النبوية الشريفة أي حديث مزيف.
وبعد هذا كله نصل إلى القول أن مدرسة أهل بيت النبوة هي التي حافظت على إرث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي لم تسمح بضياع هذا الإرث العظيم ولهذا نجد أن هذه المدرسة واسعة وكبيرة في أحاديثها ورواياتها وتعاليمها.
نعود ونقول يجب أن ننزع العصبيات من نفوسنا وعقولنا وندخل في هذا الموضوع الحساس بكل جدية من أجل تشذيب الكتب والمصادر الرئيسة التي تحتوي على كل ما يسيء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكما نعترض على الدول والجماعات في الشرق والغرب التي تتطاول وتسيئ الى مقدساتنا، يجب أن نعترض ونشجب من يحاول وهو يحمل هوية الاسلام، أن يشوّه صورة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).