أمراض.. تربوية
|
مسلم حميد الركابي
ورثت العملية التربوية في عراقنا الجديد العديد من الظواهر والسلوكيات والامراض ,والتي لازالت تنخر في الجسد التربوي العراقي ان صح التعبير ,فمن المناهج الى الانظمة التربوية البالية الى البيروقراطية والروتينية اليومية واستفحال ظواهر الغش والسلوكيات غير المنضبطة عند الطلبة وحالات الرشوة ومظاهر الفساد الاداري وظاهرة التدريس الخصوصي كل هذه الامراض قد ورثتها العملية التربوية من سياسات النظام البائد ,وتلك حقيقة لا جدال فيها. اما ان تبقى هذه الامراض دون علاج او مكافحة تستأصلها او تحد منها فتلك هي الطامة الكبرى بل الادهى من كل ذلك ان تستفحل هذه الظواهر والسلوكيات والامراض لتصل الى مستوى ثقافة وسلوك يومي ينتهجه المجتمع سواء أكان ذلك بوعي أم بدون وعي .اننا لا ندعي اننا نمتلك قابلية التنظير التربوي فهناك الكثير من الاساتذة الافاضل والذين لهم اليد الطولى في مجال النظريات التربوية وآفاق تطبيقها وتطويرها.
نحن نعرف ان التركة ثقيلة جداً لكننا نفهم ان التشريع الصارم والمتابعة الميدانية المستمرة بعيداً عن لغة الروتين المقيتة فضلاً عن المعالجة العلمية والموضوعية وغير الانفعالية هي تمثل الحلول الناجحة لمعالجة هذه الظواهر والسلوكيات والامراض والتي تجتاح الجسد التربوي العراقي. لازلنا نفتقر اليوم الى الدور الريادي والقيادي لمؤسسة تربوية مهمة تسمى للاسف جزافاً(الاشراف التربوي)والتي ابتعدت بفعل آلياتها القديمة جداًوالتي حولتها الى مجرد مؤسسة تغلب عليها النمطية في العمل حيث لايقتصر عملها الا على توزيع الكادر التدريسي على المدارس ومتابعة الشواغر وغير ذلك من الامور الادارية البحتة الاخرى .اما مسألة تطوير وتثوير العملية التربوية فللأسف لازال الاشراف التربوي بعيداً جداً عن كل ذلك فهو الآخر يخضع للروتين والانتقائية والمزاجية وقلة الخبرة في العمل فضلاً عن الاصطدام بالانظمة التربوية القديمة قدم(حصرم باشا) وكل ذلك ونحن نطالب بتطوير العملية التربوية في الوقت الذي تشكو العملية التربوية من اهم مرتكز من مرتكزات عملها وهو الجانب التشريعي والذي يخضع للعديد من الممارسات والاجتهادات والتي تجعله مغيب عن صميم العملية التربوية.
نحن نعرف اننا لو اردنا التعرض لجميع الظواهر والسلوكيات والامراض لاحتجنا الى مجال اوسع وامكانيات اكبر لكننا نود ان نتوقف عند ظاهرة نعدها الاخطر بل هي من الامراض الفتاكة التي تقضي على جوهر العملية التربوية بالصميم ! وهذه الظاهرة هي (ظاهرة التدريس الخصوصي) لقد اسهب المعنيون في الشأن التربوي من المختصين وغير المختصين في تناول هذه الظاهرة متعرضين الى اسباب نشوئها وانتشارها وطرق معالجاتها والحد من هذه الظاهرة والتي يبدو للاسف ان وزارة التربية تقف اليوم عاجزة عن معالجة هذا المرض الفتاك ,صحيح ان هناك تعليمات وتوجيهات تحد بل تمنع ممارسة التدريس الخصوصي ,حيث ان الاساتذة الافاضل من المشرفين التربويين يؤكدون خلال زياراتهم للمدارس بضرورة تجنب ممارسة هذه الظاهرة بل الاكثر من ذلك ان السادة المشرفين يلوحون دوماً بالعقوبات الشديدة والتي على مايبدو اصبحت مجرد تعليمات وتوجيهات لاتغني ولاتسمن من جوع !كيف يتم ذلك ؟علينا ان لانندهش حينما نعرف ان الاساتذة الافاضل من المشرفين التربويين والذين للاسف يعدون انفسهم من اساطين وعمالقة المادة علمياً وتدريسياً هم من يقومون بالتدريس الخصوصي !!!
هذه مفارقة مضحكة حقاً اصبحت معروفة للجميع ولاتحتاج الى عناء كبير لمعرفتها .لكن الادهى من كل ذلك فقد تحولت ظاهرة التدريس الخصوصي الى ثقافة عند الكثير من العوائل العراقية المقتدرة والتي اصبحت تحت ضغط تأمين مستقبل افضل لأبنائها وهذا حق مشروع ! فبعدما شعرت هذه العوائل ان مدارسنا ومدرسينا غير قادرين على الايفاء بالتزامهم المهني والوظيفي والشرعي والاخلاقي اتجاه الطلبة مما يجعلها تبحث عن بديل فكانت ظاهرة التدريس الخصوصي والتي اصبحت تشكل الهاجس الاكبر لدى اغلب عوائلنا العراقية والتي لديها ابناء في المراحل المنتهية سواء أكانت متوسطة أم اعدادية هذا حال العوائل المقتدرة اما بقية العوائل المحدودة الدخل والتي تشكل السواد الاعظم من مجموع العوائل العراقية فقد سلمت امرها الى الله الواحد الاحد.
لانعرف كيف ستواجه وزارة التربية هذه الظاهرة التي استشرت الى جميع مفاصل العملية التربوية ؟فبعد ان تحولت هذه الظاهرة الى سلوك يلازم العدد الاكبر من قادة العملية التربوية من مدرسين ومشرفين والذين للاسف لم يكتفوا بذلك بل خرجوا علينا ببدعة جديدة اسمها (الملازم المدرسية) وماادراك ماالملازم المدرسية؟ فالذي يدخل أي مكتبة في أي مكان في عراقنا الجديد اليوم يجد العشرات من الملازم المدرسية ولمختلف المواد ابتداءً من التربية الاسلامية ووصولاً الى كل المواد الانسانية والعلمية والتي يتضمنها منهج السادس الاعدادي او الثالث متوسط واحيانا لبقية المراحل الدراسية ,ولمختلف الاسماء الرنانة والالقاب الطنانة لمدرسين ومشرفين يقدمون هذه الملازم الى اصحاب المكتبات في عملية لانجد لها صفة سوى امتصاصها لدخل العوائل العراقية المغلوبة على امرها ,وبالمناسبة نحن نود ان تتسائل اذا كان الاستاذ (الفاضل) يدرس في المدرسة ويحاضر في دورة تقوية ثم يعطي دروس خصوصية في بيته ماالذي سيضيفه في هذه الملازم ومن ثم يطبعها ويبيعها على الطلبة ؟؟؟. انه امر يثير الاشمئزاز حقاً اذا ماعرفنا ان مهنة التدريس هي مهنة انسانية بحتة ,وانها ليست وظيفة لان المدرس متى ماشعر بكونه مجرد موظف في مؤسسة حكومية فانه سيفقد قدرته الانسانية على العطاء وبذلك يفقد قيمته ,ومن هنا جاءت قدسية مهنة التدريس ,فهل يعي اساتذتنا الافاضل هذه القدسية ؟سؤال يحتاج الى المزيد من التأمل والتفكير اليس كذلك؟ فقد سعى اصحاب هذه الملازم الى حالة الكسب المادي السريع بشتى الطرق فنراهم يتنافسون في طريقة طباعة تلك الملازم والتي تحمل اسماءهم التي اصبحت للاسف اكثر من اسماء المطربين ,فبعدما يعدد صفات الافضل والاكفأ والاعلم وغير ذلك من الالقاب والصفات التي يصفون انفسهم بها يذكر اسمه وعنوانه ورقم هاتفه (وسبحان الله عما يصفون). كل ذلك يجري للاسف ووزارة التربية تقف عاجزة عن معالجة مرض باتت اعراضه معروفة للجميع في الوقت الذي بقي العلاج عصياً على الجميع وبضمنهم وزارة التربية والتي لازالت تعمل بقوانين(حصرم باشا).
|
|