قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الفساد.. والأمن الاجتماعي
د. سمير صارم
صدر قبل أيام أحدث تقارير منظمة الشفافية الدولية الذي يقيس الفساد في العالم حسب مؤشر يتضمن عشرة نقاط، وكلما كانت الدولة أكثر نزاهة وأقل فساداً زادت نقاطها عليه.. وكلما تفشى الفساد فيها أكثر كلما اقتربت من الصفر.. وكالعادة فقد احتلت دول عربية عديدة ترتيباً متأخراً على هذا المؤشر بالرغم من كل ما تتحدث عنه من إجراءات وما تقوم به من حملات لمكافحة الفساد، بل إن بعض الدول العربية تتراجع في مكافحة الفساد.. أو بالأحرى يتعمق فيها الفساد حسب هذا المؤشر، فمثلاً تراجع ترتيب مصر عالمياً في مجال محاربة الفساد للعام الثالث على التوالي لتحتل المركز 115 من أصل 180 دولة وضعت على المقياس.
أيضاً سوريا تراجعت تسع مراتب على مؤشر الفساد لتحتل المرتبة 147 عالمياً. أما عربياً فقد احتلت مصر المرتبة الرابعة عشرة. واحتلت سورية المرتبة السابعة عشرة، وجاء بعد سورية في الترتيب السودان والعراق والصومال.. وفيما يخص الدول التي جاءت بعد مصر فهي موريتانيا، وليبيا، واليمن وسوريا وما جاء بعدها..لكن بالمقابل ثمة دول عربية حصلت على مراتب متقدمة مثل قطر التي احتلت المرتبة 32 دولياً والأولى عربياً في مكافحة الفساد.. والإمارات الثانية عربياً وال34 دولياً... ولبنان العاشرة عربياً وال99 دولياً...
طبعاً بعض الناطقين باسم الحكومات العربية شككوا بمصداقية هذا التقرير كما كل التقارير التي لا تمتدح إجراءات وأعمال تلك الحكومات، بالمقابل ترى تعليقات عديدة صحة ما توصلت إليه منظمة الشفافية العالمية في تقريرها، وأعربوا عن عدم ثقتهم بالإجراءات الحكومية التي يتابعون تصريحات طنانة حولها، مؤكدين أنها تطال غالباً الفاسدين الصغار، ويكون هدفها أحياناً الفرقعات الإعلامية بدليل استمرار الفساد واستشرائه وتوسع قاعدته!... بمعنى أن قرارات وإجراءات مكافحة بعض حالات الفساد ومعاقبة الفاسدين ورغم ضرورتها لا تعكس نهجاً دائماً لمحاربة الفساد، كذلك لا يبدو أنها تعكس آلية للمحاربة تطال الجميع وفي كل المواقع والمناصب، الأمر الذي يجعل المواطن ينظر إليها بحذر وذكاء، وكأن لسان.. حاله يقول:(وماذا عن الفاسدين ا لكبار؟!)!!
ومن ثم فإن ما يتم من إجراءات لا يلبي الحاجة، وهو غير مقنع إلى حد كبير، لأن ظاهرة الفساد لم تعد مجرد ظاهرة محدودة ومحصورة بأفراد وأشخاص!! لقد صارت، وكما يعرف الجميع ظاهرة عامودية وأفقية تطال المستويات الوظيفية الحكومية جمعاء. كما أن القطاع الخاص ليس بعيداً عنها، وما ينطبق على بلد عربي ينطبق على غيره، لاسيما البلدان التي يعشعش فيها الفساد، ولم تستطع أن تحرز مراتب متقدمة على مؤشراته.
إن الفساد مرتبط بضعف المؤسسات وغموض القوانين، وأحياناً تشددها،كما أن استفحاله مرتبط أيضاً بغياب الشفافية، وانعدام المساءلة، لذلك فإن ملاحقة الفاسدين لا يعد أمراً كافياً لمكافحة الفساد، بل لابد من معالجات جذرية لكل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل خاص.إن للفساد تكلفة ترهق الاقتصاديات حتى المتقدمة منها، فماذا يفعل إذن مع الاقتصاديات الناشئة!.. إنه يدمرها !! كما يدمر القيم الاجتماعية، ويجعل من السلوك القويم عيباً اجتماعياً!!. وانتشار الفساد يعني انحلال القيم وغياب الحقوق، والقضاء على القضاء، وعند ذلك على المجتمعات السلام!!بعد ذلك يمكن أن نتساءل :ترى هل للانفتاح الاقتصادي دور في انتشار الفساد واستمراره!!
البعض يربط بين الانفتاح الاقتصادي التي تنتهجه بعض الدول واتساع رقعة الفساد ومساحته الذي ينتشر بسبب ما يرافق هذا الانتهاج من زيادة الثروات والتوسعات الكبيرة في نطاق وانتقال الأموال، كذلك الحرص على زيادة القدرة التنافسية للمنتجات ووصولها السريع للمستهلك!.
بعد هذا نختم بتأكيد: القضاء على الفساد ضمانة للاستقرار الاجتماعي.. ودائماً تنظيف الدرج يبدأ من فوق إلى تحت، وليس العكس!.