تحت الضوء
هل يقوى مسلسل تلفزيوني على نقل الحقائق
|
*محمد علي جواد تقي
لا أشك ان عدداً لابأس به من المشاهدين في العراق وفي سائر البلاد الاسلامية سيبقى مصافحاً آلة (ريمونت كنترل) وبقوة حتى يجد القناة التي تبث المسلسل التلفزيوني المصري (الحسن والحسين ومعاوية) دون سائر القنوات التي تعد بالمئات. والسبب واضح وبسيط، (الانسان حريص على ما منع)... فقد أثار انتاج هذا المسلسل ثم الاصرار على بثه عبر القمر (نايلسات) المصري موجة من الاعتراضات والاحتجاجات بدأت من مشايخ الأزهر وامتد الى علماء الدين في سائر البلاد الاسلامية، ولمن يتابع الضجة الاعلامية حول هذه القضية يجد التركيز على مسألة الحظر المتفق عليه من جميع الطوائف على عدم تجسيد شخصية الانبياء والاولياء الصالحين. لاسباب معروفة. ومن أكثر الآراء إثارة للجدل ما قاله احد المشايخ في مصر بان "كيف يجوز لممثل يجسد شخصية نبي او امام معصوم ، وبعد فترة نراه يحتسي الخمر ..."؟! طبعاً لا علينا بهذا الرأي فهي وجهة نظر، ومن واجب كل عالم دين ومثقف ان يدلي بدوله في هذه القضية التي خرجت عن حدود الاستديوهات والاجواء الفنية لتدخل خضم العقيدة والاخلاق والايمان والحقائق التاريخية. لكن حرص الاطراف او الاشخاص خلف هذا المشروع على ان يكون الامامان الحسن والحسين عليهما السلام وايضاً معاوية – عليه اللعنة- بكامل معالمهم الظاهرية امام المشاهد العربي، يدعو الى التساؤل عن الهدف والغاية النهائية وراء العودة الى احداث تاريخية في فترة هي الاكثر حساسية وتعقيداً في تاريخ الاسلام، فهل هي مجرد سرد تاريخي ؟ أم إظهار بطولات فردية؟ أم غير ذلك؟ ان هذه وغيرها ربما تتضمنها معظم المسلسلات التاريخية، لكن السيناريو الذي امامنا يختلف بالمرة عن مثيلاتها تماماً، فالامامان الحسن والحسين ورثا من أبيهما أمير المؤمنين مدرسة رسالية ومبادئ دين متكامل، بينما ورث معاوية الذي عاصرهما مدرسة جاهلية طالما أفصحت عن حنينها الى الجاهلية والى ما قبل الاسلام، وهذا ما يجمع عليه معظم المؤرخين الذي كتبوا عن الاخير كما كتبوا وبحثوا في سيرة الامامين عليهما السلام. فاذا تعذر على اهل الثقافة والتاريخ في البلاد العربية والاسلامية ايجاد منقبة او نقطة بيضاء في صفحة (يزيد بن معاوية) بسبب اصطدامه بالامام الحسين وهزيمته المعنوية والتاريخية المدوية في واقعة الطف. يتوهم هؤلاء ان بالامكان ايجاد نقاط بيضاء في سيرة معاوية. فهو لم يكن مسؤولاً بشكل مباشر عن مقتل الامام الحسن المجتبى، فبقي في ذاكرة البعض بانه عاش ومات وهو خليفة شرعي للأمة. وإذن ما الداعي لاطلاق اللعن عليه كما نعلن قتلة الامام الحسين عليه السلام؟! بل لابد من القول بشكل موحد: (الحسن رضي الله عنه. الحسين رضي الله عنه. معاوية رضي الله عنه)! فاذا كانت المناقب والخصال والمكارم تتمثل وتتجسد في الامامان الحسن والحسين عليهما السلام، فلابد ان تكون شخصية معاوية ايجابية ايضاً وإن كلف ذلك بعض المال والجهد و التزييف.
والحقيقة نقولها؛ ان أي عمل فني سواء كان على صعيد السينما او التلفزيون وحتى المسرح، يلتزم الحقائق التاريخية ويبين الاحداث كما جاء في معظم المصادر التاريخية دون تزييف او تحريف، لنتكون هنالك مشكلة بالمرة حول من الذي يجسد دور الامام الحسن او الحسين او حتى الامام علي وغيره من المعصومين عليهم السلام، لأنا ضمنا الهدف النهائي وهو تعريف الناس والعالم بصورة مصغرة من مجريات الاحداث التي جرت في صدر الاسلام، بحيث يجد المشاهد معظم ازماته ومشاكله نابعة من تلك الفترة – الفتنة العمياء. وقد قالها الشاعر بولس سلامة في قصيدته الملحمية الغديرية:
لا تقولوا شيعةً هواة عليّ
إن في كلّ منصف شيعيا
وأخال هذا المسلسل التلفزيوني وهو يروي سيرة الامامين الحسن والحسين بكل صدق وامانة كمايفعل ذلك مع شخصية معاوية، لنشهد التحول الكبير في القناعات والمتبنيات في العالم العربي والاسلامي، وإماطة اللثام عن كثير من الحقائق المغيبة والظلامات التي ظنها عامة المسلمين عدلاً والباطل الذي ظنوه حقاً.
|
|