دواء للروح وعلاج للجريمة
|
علي آل غراش
عالم اليوم يعاني من أمراض كثيرة ومتنوعة صحية واجتماعية وأخلاقية وسياسية وبيئية تنتشر في جميع الدول، وهي نتاج ما يقترفه بعض الناس من اعتداء وظلم وفساد،وفي السنوات الأخيرة شهدت المنطقة العربية ظواهر غريبة على المجتمع من حروب وتفجيرات وفتن وجرائم واعتداءات خطيرة. ورغم ما حققه العلم الحديث من تطور علمي وتقني غير مسبوق في تاريخ البشرية، إلا انه يقف عاجزا عن حل ومعالجة المشاكل والأمراض التي تزداد بشكل يومي في كل مكان، وبالخصوص الأخلاقية والروحية والاجتماعية. والحمد لله رب العالمين الذي خصنا بشهر رمضان المبارك شهر الرحمة والمغفرة والتوبة، وفي ذلك رحمة لنا وطهارة لأرواحنا وصحة لأجسادنا وإصلاح لأفكارنا ولمجتمعنا وللبشرية، فالهدف من الصوم هو الحماية والحصانة للصائم ضد الأمراض المستعصية الروحية والصحية والاجتماعية فالتقوى هي الحصن كما جاء في الروايات: «التقوى حصن المؤمن».
إن شهر رمضان الكريم مختلف عن بقية الشهور والأيام، حيث قال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه واله:«أيها الناس انه قد اقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فان الشقي من حرم من غفران الله في هذا الشهر العظيم». ولو أدرك ووعى المسلمون قيمة هذا الشهر الفضيل من أهمية وفضل وبركة عليهم بشكل حقيقي، لتمنوا أن يدوم ويدوم، ليتزودوا من خيراته وبركاته، إذ إنه يؤدي إلى التقوى والفلاح والصلاح كما قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) .
شهر رمضان الكريم دواء للروح والجسد وتطهيرهما من الذنوب والمعاصي والأخطاء التي تتراكم طوال العام، وعلاج للمشاكل والأزمات والاعتداءات والجرائم ضد البشرية، من خلال الصوم الحقيقي القائم على إدراك الأهداف والغاية والحكمة من فرض الصوم، وعبر التقرب من مدرسة النبي محمد (ص) وآل بيته عليهم السلام، والابتعاد عما يبعد الإنسان عن محبة الخالق؛ شهر رمضان فرصة للحصول على التقوى والصفاء والفلاح والفوز بالجنان. فالصيام وسام شرف من الله - جعل وعلا - على جباه وقلوب المؤمنين من هذه الأمة قبل صدورهم؛ المؤمنون الذين وصفهم العلي الأعلى في كتابه الحكيم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) {آل عمران}، وفي ذلك عزة وشرف وتمييز للمؤمنين من هذه الأمة، الذين يحملون صفات الإيمان الحقيقي.
الإيمان الحقيقي الذي يتحقق من خلال التزكية والتطهير للنفس والروح والجسد (التقوى) الحماية، والذي يدعو صاحبه للمعروف والابتعاد عن المنكر، وتحسس أحوال الناس وتقديم العون والمساعدة لكل المحتاجين، وشرف الصيام الذي كتب على المؤمنين من أبناء الأمة الإسلامية لم يفرض من قبل إلا على شريحة محددة ومعينة إذ يقول اعز من قائل في كتابه الحكيم: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وهناك قول بان الشريحة والفئة المقصودة من قبلكم هم الأنبياء والرسل والأولياء. الصيام هدفه الأساسي الرئيس هو الوصول لمرحلة التقوى حسب ما قال تعالى (..لعلكم تتقون) أي الوقاية والحماية والحصن المانع من السقوط في مستنقع الرذائل والاعتداء والظلم، وتهذيب وتنقية النفس والجسد من كل بقع وشوائب الرذيلة والفساد والخطيئة والمعصية المادية والروحية، وخير وسيلة للفلاح والنجاح من امتحانات هذه الدنيا المليئة بالصعوبات والتحديات، والتزود بكل ما يساهم في تقريب المؤمن من خالقه وما يحبه من عبادة: صلاة، وصيام، وقراءة القران الكريم، وأدعية، وصلة الرحم، ومساعدة الفقراء، والمحتاجين، والتواصل مع أبناء المجتمع، والتفاعل مع أحوال المجتمع والأمة والإنسانية، وكل ما يرضي رب العالمين. أيها الإنسان اغتنم لحظات هذا الشهر بالتزود من التقوى الدواء الأفضل للروح والجسد لطوال العام، وليوم لا ينفع مال ولا بنون، ولمعالجة الكثير من المشاكل والجرائم والاعتداءات الوحشية والحروب والفتن. وتزودوا من التقوى (فإن خير الزاد التقوى)، صوموا تصحوا.
|
|