البحرين: ليستْ ثورة جياع
|
ناظم عودة
لم يكن الفقر هو الدافع الأول والأخير لثورات الشعوب، ولو كان الأمر كذلك لاستحقّت الثورة أنْ تُوصَف بأنها: ثورة المعدة الخاوية. وعلى الرغم من أهمية هذا العامل في تفجّر الثورات الكبرى على مرّ التاريخ، إلا أنّ الثورة، أعمق من أنْ تنحصر في مطالب " المعدة". فهي تتفجّر أصلاً من رغبةٍ شعبيّةٍ في نيل الحرية، وعلى هذا فهي مطلب عقليّ يَنْشدُ تحرير مِلْكِيَّة الإرادة من حصرها بيد السلطة المطلقة المستبدّة. هي، بعبارة بسيطة، الشعب يريد أنْ يحكم لا " الفرد" أو " العائلة الحاكمة" ليضبط مدخلات ثروته ومخرجاتها، وليصوغ قراراته بشكل جماعيّ. قالت امرأة تبيع الخضار في أحد الأسواق الشعبية بمصر: ( إحْنه عاوزين الحرية من أبل الرغيف). نعم، قد يكون " الرغيف" سبباً، لكنه لم يكن السبب الأول والأخير، وكلمات بائعة الخضار المصرية لم تكنْ زلّة لسان، وإنما تعبير عن مطلب جماعيّ راسخ.
ولم تكن ثورة البحرين ثورة مَعِدَة مطلقاً، بل ثورة ضدّ دولة التهميش الطائفيّ البغيض. وقد كتب نيكولاس د. كريستوف، في صحيفة نيويورك تايمز منتقداً السياسة الأمريكيّة ما نصّه: ( إنّ المشكلة مع دولة البحرين الصديقة ليست في قتل المحتجّين فقط، وإنما في كونها دولة تمييز عنصريّ). مقال منشور في نيويورك تايمز، بتاريخ 17/3/2011. وأضاف قائلاً: ( من المؤسف مشاهدة دولة مارقة على القانون مثل ليبيا تقتل المتظاهرين المطالبين بالديمقراطيّة. لكنّ الأشدّ إيلاماً هو مشاهدة دولة حليفة لأمريكا، البحرين، تحذو حذو القذافي وتستعمل الدبابات الأمريكيّة، والبنادق والغاز المسيل للدموع، بالإضافة إلى المرتزقة الأجانب لسحق الحركة المناصرة للديمقراطيّة).
إنّ أهميّة الثورة في البحرين، تنبع من كونها محاطة بسور حصين وقاس من الأنظمة الملكيّة الشموليّة. فلو قُيِّضَ لها النجاح لانْتَشَرَ شرارها إلى حقول البنزين في عموم الخليج. ولذلك، فإنّ السعوديّة، التي ساهمتْ بضرب انتفاضة 1991 في العراق وساهمتْ بتغذية العنف الطائفيّ بعد سقوط صدام ، كانتْ على الدوام تتوجّس خيفةً من أيّ أفقٍ يُشْرَع للحريّة والديمقراطيّة. لقد أرادتْ السعوديّة وجوقة الأنظمة الدكتاتوريّة، أنْ تجعل من دوّامة العنف في العراق أمثولةً سيئةَ الصيت أمام شعوبها المتعطّشة لممارسة حقوقها السياسيّة في التشريعات وإدارة الثروات.
إنّ الفرد الخليجيّ، الذي نظر إليه أشقاؤه العرب بعين الحسد بسبب بحبوحته الماديّة، خرج شاهراً سيف الثورة في البحرين وسلطنة عمان، ولولا قمع السلطة القاسي في بقية بلدان الخليج لثار الناس كلهم. فطبيعة النظام الملكيّ، أعطت الملوك والأمراء حقّ حيازة السلطة وقراراتها والتصرّف بالثروات بشكل مطلق، وبتكتّم شديد، في الوقت الذي نظرتْ هذه الأنظمة نظرة استصغار متعالية إلى كلّ مطالب وتطلعات شعوبها. وأودّ أنْ أختم بما رواه مراسل نيويورك تايمز الذي مسكته قوات الأمن البحرينيّ وكادتْ أن تقتله لولا أنه أظهر لهم جواز سفره، فما كان من قائد تلك القوة المنزوعة الرحمة تجاه البحرينيين إلا أنْ اعتذر له بـ " دفء" قائلاً: (لا تقلق، نحن نحبّ الأمريكيين).
|
|