قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

(التأتأة) .. مشكلة نفسية قابلة للحل
إعداد / إيمان عبد الامير
حتى سنوات خلت، شاعت فكرة أنّ التأتأة عند الطفل هي عيب لفضي ينبغي تركه، فيزول من تلقاء نفسه. لكن أثبتت الدراسات أنها اضطراب نفسي، يدوم عند رُبع الأطفال المصابين به، فيظلون يعانونه طوال حياتهم. وعليه، ينصح المتخصصون في التربية بمتابعة الطفل منذ سن الرابعة من العمر لإعانته على التخلص من التأتأة.
التلعثم اللفظي الذي نتحدّث عنه هنا، ينصب على ترديد الحرف الأوّل، أو المقطع الأوّل (وأحياناً الأحرف أو المقاطع التالية أيضاً)، من كل كلمة مرّات عديدة قبل التمكن من نطقها كاملة. مثلا: بدلاً من قول ذَهبَ دفعة واحدة، يكون نطقها (ذذذذهب) أو (ذذذههههب) أو مدرسة تنطق (مدمدمدمدرسة)، وما إلى ذلك. ولهذا القصور الكلامي تسميات كثيرة في اللغة بحسب البلدان واللهجات. فمنا من يقول (ثغثغة)، وآخرون (تعتعة)، وقوم آخرون يقولون (لجلجة)، وآخرون (لعثمة)، طبعاً فضلاً عن (تأتأة).
الذكور 3 مرّات أكثر من الإناث
وأياً كان عدد المفردات فان واحداً في المئة من الأشخاص، عالمياً، كما تشير إلى ذلك إحصائيات دقيقة يصابون بهذا العارض. وهذا يعني أنّ نحو 60 مليون شخص في العالم ممن يتلعثمون في الحديث على النحو الموصوف أعلاه، من بينهم، بحسب التقديرات 15 مليون فتاة وامرأة، و45 مليون صبي ورجل، إذ يصيب هذا الإضطراب الذكور ثلاث مرّات أكثر من الإناث.
ويبدو أنّ هذا الإهتمام بالتأتأة يعكس توجهاً جديداً. فماضياً، كانت الفكرة السائدة تنصب على القول إنّ التأتأة، التي تتضح معالمها عند الطفل منذ سن عامين وبدء الكلام، هي عبارة عن قصور كلامي، وإن من الحري عدم التدخل، بل ترك الطفل يتجاوز الحالة من تلقاء نفسه. وفي الواقع، تضمحل التأتأة فعلاً من تلقاء نفسها في ثلاث حالات من أربع، وأحياناً تزول تماماً. لكن في حالة واحدة من أربع تدوم فتفضي إلى معاناة الطفل طوال حياته، حتى في المراهقة وسن البلوغ.
أمّا الآن، فينحو معظم المتخصصين في التربية منحى مختلفاً معتمدين منظوراً قائماً على العناصر الآتية:
1- التأتأة ليست قصوراً لفظياً أو كلامياً، إنما اضطراب في القدرة على التخاطب والتواصل، تصيب الأولاد الذكور ثلاث مرّات أكثر من البنات الإناث.
2- للتأتأة أسباب نفسية، وليست فسيولوجية أو عضوية. إذ ثمة عوامل إجتماعية وعائلية قد تسهم في توليد ذلك الإضطراب في القدرة على التواصل لدى طفل ما. ومن تلك الأسباب: القلق، والتوتر في الجو العائلي، وتأخر النطق، والغيرة الناجمة عن ولادة طفل جديد (يستقطب إهتمام الوالدين)، وتغيير مكان السكن (ما يثير الحيرة عند بعض الأطفال)، أو تغيير دار الحضانة، وما إلى ذلك من عوامل غير مشجعة على الإستقرار النفسي. وقطعاً، ليس ثمة أي عيب في اللسان أو الشفتين أو الأسنان، أو الفكين، أو الحبال الصوتية، أو أي عضو آخر، يؤدِّي إلى التأتأة. فهي لا تنجم سوى عن اضطراب نفسي.
3- يجب الإهتمام بالقضاء على التأتأة منذ الطفولة، من الأفضل في سن أربع سنوات. فكلما بُوشر بتقويم ذلك الإضطراب في سن مبكرة، كانت النتائج أفضل. وكلّما كانت مدة التأتأة أقصر، سهل التخلص منها.
سبل العلاج
بطبيعة الحال ثمّة وسائل لمكافحة التأتأة عند الطفل، تتمثل أهمها في إستشارة معالجي النطق، الذين يُجرون للأطفال جلسات خاصة، تعتمد تقنيات طبية مدروسة، تعينهم على تقويم النطق، وتكفي ثلاث جلسات لتقويم الإضطراب. لكن الأهم من الجلسات المخصصة للطفل، تعدُّ الجلسات المخصصة للوالدين حاسمة. فهي تدربهما على كيفية مواصلة العلاج، وتعينهما على تغيير مفاهيمهما الخاطئة، إن وجدت، وتعطيهما مفاتيح التصرف على نحو مستدام. وأثبتت التجربة أن تلك الإستشارات فاعلة للغاية، ونسبة نجاحها مرتفعة. إذ غالباً ما تقضي على العلة في نهاية المطاف. ومثلما ذكرنا: من الأفضل المباشرة بها في سن مبكرة للطفل، من أجل نتائج أفضل.
وعدا إستشارة المتخصصين في النطق، وجلسات التقويم والتهيئة النفسية، وتدريب الوالدين، ثمّة نصائح عامة أيضاً ، يمكن الأخذ بها:
1- لا تتظاهري بعدم الإهتمام. فالطفل يدرك تماماً أنّه يتأتئ ويقاسي من ذلك. لذا، في حال التعتيم الزائد على اللزوم، والإمتناع التام عن إثارة الموضوع، قد يظن الطفل أنّ الأمر في غاية الخطورة، فتتفاقم معاناته.
2- أنصتي إلى طفلك، وأعطيه الوقت اللازم، وركِّزي على ما يريد قوله بدلاً من الطريقة المتلعثمة التي يقوله بها. فبخلاف ذلك، يصبح التحدث شيئاً مُنفراً بالنسبة إليه، إذ يعدُّه آلية معقدة يتوجب عليه إجادة إستخدامها، بدلاً من أن يكون مجرّد وسيلة بسيطة وطبيعية للتواصل والتخاطب. ولا ينبغي أن ينتابه شعور بأنّه يُعامل وفق ما ينطق به، لا وفق ما يفكر فيه أو يريد التعبير عنه.
3- كيِّفي مفرداتك وصياغة جملك على عمره الغضّ، وإستخدمي كلمات وجملاً بسيطة، بغية تسهيل التخاطب.
4- لا تتحدثي بسرعة زائدة على اللزوم. فربّما تكون تأتأته متأتية من رغبته في محاكاتك والتحدث بالوتيرة السريعة نفسها التي تتحدثين فيها، ما يزيد من إحباطه. حاولي التريث في الكلام، من دون تباطؤ زائد على اللزوم، ما قد يجعله يظن أنك تجارينه وتجاملينه من باب الشفقة وحسب.
5- لا تطرحي عليه أسئلة متعددة متوالية (أين كنت؟ بماذا لعبت؟ هل أنت جائع؟ هل تريد أن تستحم؟... إلخ). فمن شأن الأسئلة المصاغة على شكل (زخات) إرباكه، ما يحيل الإجابات عسيرة. اطرحي الأسئلة بالأحرى واحداً فواحداً، بعد أن يرد على كل منها على حدة.
وأخيراً، ينبغي التذكير بأنّ التأتأة ليست عيباً بدنياً، إنّما تنجم عن اضطراب نفسي، وأنّ القضاء عليها يكمن في فهم مسبباتها، والتعامل معها. كما نذكّر بأنّ البدء في العلاج في سن مبكرة يفضي دوماً إلى نتائج أفضل.