الايمان مصدر الأمل والتفاؤل
|
*زكي الناصر
يعد اليأس من جنود الشيطان واحابيله ولكن المؤمنين يطردون اليأس بالأمل، ويدفعون ما يقذفه الشيطان في قلوبهم بنظرة الى رحمة الله الواسعة.
لقد كنا ذرات تائهة ثم اودعنا في اصلاب آبائنا ، وكنا في بعض المراحل مضغا ثم اصبحنا اطفالا صغارا، وكنا ضعفاء فقوانا الله وحفظنا من المكاره ، فلماذا لا نذكر رحمة الله ؟ ومتى غيّر تعالى عادة الاحسان حتى نبحث عن غيره؟ انه يأتينا في كل لحظة ويدعونا الى نفسه ، وهو الذي خلق دارا لضيافته هيأ فيها كل اسباب الرفاهية والسعادة ، فلنفكر في هذه السعادة .
ثم ان الله عز وجل لم يكتف بذلك بل بعث الدعاة اليه تلو الدعاة ، والرسائل بعد الرسائل ، فهل علمنا ان القرآن هو بطاقة دعوة لنا الى الجنة ، يقول الله تعالى لكل واحد منا: عبدي اني احبك ، وقد خلقتك للبقاء لا للفناء ، ولأرحمك لا لأعذبك ، ولأدخلك جنتي ، وفيها سأعطيك ملكا كبيرا، ونعمة واسعة ، وحياة خالدة فماذا تريد اكثر من ذلك ؟!
أحسنوا الظن باللـه.
فلا يخدعنا الشيطان ويسلب منا الأمل ، وفي هذا المجال يروى عن أنس انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (لايموتن أحـدكم حتى يحسن ظنه بالله عز وجل فان حسن الظن بالله عز وجـل ثمن الجنة) ، كما روي عن الامام الكاظم عليه السلام انه قال: (والله ما اعطي مؤمن قط خير الدنيا والاخرة الا بحسن ظنه بالله عز وجل ، ورجائه منه ، وحسن خلقه ، والكف عن اغتياب المؤمنين ، وأيم الله لايعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار الا ان يسوء الظن بالله ، وتقصيره من رجائه لله ، وسوء خلقه ، ومن اغتيابه للمؤمنين ، والله لايحسن ظن عبد مؤمن بالله الا كان الله عند ظنه به ، لان الله عز وجل كريم يستحي ان يخلف ظن عبده ورجائه . فأحسنوا الظن بالله وارغبوا اليه وقد قال الله عز وجل : "الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء). وحتى لو ارتكب احدنا كل الفواحش ، وترك كل الحدود فان عليه مع ذلك ان لا ييأس من رحمة الله لان يأسه سيكون اشد من ذنوبه .
فلنزدد أملا بالله ، وخشوعا له ، وتضرعا اليه ، ولنكثر من تلاوة القرآن الكريم الذي يخاطبنا قائلا: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَآئِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فإِذَا هُم مُبْصِرُونَ" ( الاعراف / 201 ) ، فالشيطان يدور حول قلب الانسان ، ويحاول ان يجد منفذا ، ولكن المؤمنين يتذكرون، وتتصل قلوبهم بالله سبحانه وتعالى ، فيطردون الشيطان ، ويحددون مواقع الضعف في نفوسهم .
هذا في حين ان غير المتقين على العكس مـن ذلك تماما ، فهم يستمرون في الغي : "وإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ" ( الاعراف / 202 ) ، فالشيطان يمني الانسان دائما ، فيقول له - على سبيل المثال - انك لم تتزوج بعد وعندما تتزوج ستصبح انسانا كاملا ، او انك لم تذهب الى الحج بعد وعندما تحج ستتحول الى انسان ممتاز ... وهكذا يظل الانسان يبحث دوما عن فرصة جديدة للهداية في حين ان فرص الهداية موجودة في ارجاء الحياة .
بصائر تسقط الحجب
والقرآن الكريم هو بصيرة بل بصائر تفتح اعيننا ، فتسقط الحجب عن عقولنا ، وتنفتح منافذ قلوبنا على الحقيقة كما يقول عز وجل : "قُلْ إِنَّمَآ اَتَّبِعُ مَايُوحَى إِلَيَّ مِن رَبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" ( الاعراف / 203-204 ) ؛ أي تدبروا في آياته ، وتحسسوا ما فيه من تجليات هذا الكلام الالهي الذي لو وضع على الجبال لتصدعت على عظمتها لانها لا تستطيع تحمل تجلي الله .
يروى ان رجلا جاء الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال له : يا رسول الله هل ربنا بعيد فنناديه ام قريب فنناجيه ؟ وهنا ياتي الوحي الى قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مجيبا اياه :"وَإِذَا سَاَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاِنِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة /186 ) . فالله جلت قدرته قريب منا بل هـو اقرب الينا من حبل الوريد كما يقول الامـام علي: عليه السلام) : (وان الراحل اليك قريب المسافة).
إذن، لنحاول ان نتصل بالله في جميع الاوقات " بالغدو والاصال " وان لا نكون من الغافلين ، فالغفلة سبب لسقوط الانسان ، فهو كمن يمشي على حافة جبــل شاهق ، ومجرد غفلة بسيطة تكفي لأن يهوي من هذا الشاهق .
الدعاء مخ العبادة
ثم يقول عز وجل : "إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَيَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ" (الاعراف /206 ) ، وربما تعني هذه الاية انهم لا يستكبرون عن دعائه ، لان الدعاء هو مخ العبادة ، وهو رمز التضرع ، وعلينا ان نطلب من الله ، فهو غني رحيم ، ولتكن ادعيتنا واسعة فليس من المستبعد ان يستجيب لنا الله مهما كانت طلباتنا ، فنبي الله سليمان ( عليه السلام ) دعا ربه : "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي" (ص / 35 ) ، وقال زكريا (عليه السلام) : "رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ" (الانبياء / 89 ) فوهب الله له ولدا رغم انه كان طاعنا في السن ، وكانت زوجته عاقرا .
ان هذه اشياء غير محالة على الله جل وعلا ، فعلينا عندما نطلب منه ان لا نطلب قليلا ، بل علينا ان نطلب منه طلبات عظيمة من شأنها ان تسهم في نمونا الروحي وتكاملنا، وقبل كل ذلك يجب ان نطهر انفسنا من رواسب الذنوب التي ما تزال متراكمة على قلوبنا ، فاذا بنا لا نستفيد الاستفادة المثلى من صلاتنا ، هذه الصلاة التي يقول عنها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): (قرة عيني الصلاة). كما وعلينا ان نكثف من الممارسات العبادية المستحبة لكي نكون مؤهلين للدخول الى الجنة ، والفوز بدرجاتها العليا ، من مثل الالتزام بأداء صلاة الليل ، وتلاوة القرآن الكريم ، صحيح ان الجنة هي رحمة الله الواسعة ، ولكن هناك حسابات معينة فيها .
|
|