قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الشعائر الفاطمية ومسؤوليتنا الثقافية
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *محمد يوسف العرادي*
إن كل جماعة بشرية تجمعها حزمة من المشتركات، حيث لا يخلو مجتمع من المجتمعات من شعائر دينية كانت أو عرقية أو فكرية خاصة به يمارسها ويعظمها لأنها ترمز لشيء مقدس في فكره. والشعائر جمع شعيره والشعيرة هي العلامة الحسيّة التي تقود الإنسان نحو صاحب الشعيرة، وللموجودات الحسية تأثير كبير على حياة الإنسان، بمعنى أن الإنسان ينجذب لكل ما هو محسوس، ولهذا السبب كان الأنبياء الإلهيون بشرا ولم يكونوا ملائكة "ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً".
قال تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"، وهذا يعني أن في الإسلام شعائراً دينية مقدسة ومن واجبنا تعظيمها لأنها ترتبط بميزان التقوى، فلا يكون الإنسان تقياً إلا بإبراز هذه الشعائر. ومن الشعائر الدينية الشعائر الفاطمية المرتبطة بسيدة نساء العالمين عليها السلام، ومن الذين كانوا يحرصون على إحياء هذه الشعيرة الايمانية والولائية الفقيد الراحل آية الله السيد محمد رضا الشيرازي، فارتباطه بجدته الزهراء عليها السلام لا يوصف، حتى ذكرى وفاته كانت مرتبطة بذكراها وكأنه أبى أن يرحل عن هذه الدنيا من غير أن يجدد ارتباطه بها عليها السلام، وها نحن على أعتاب الأيام الفاطمية، وذكرى وفاته (قدس سره) في السادس والعشرين من جمادى الأولى، هذا الشهر المرتبط بجدته المظلومة والتي لم يغب ذكرها عن لسانه في محاضراته وكتبه القيمة ولذلك كانت له رؤى ومواقف دفاعية عن الشعائر الفاطمية، وذلك لارتباطها بالله، (وما كان لله ينمو)، فهو يرى أن الشعائر ثلاثة أنواع: وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة (الشعائر الدينية بشكل عام والشعائر الإيمانية بشكل خاص والشعائر الفاطمية بشكل أخص) تنضوي تحت جامع مشترك وهو عنوان شعائر الله لأن أي شعيرة لها نوع إضافة إلى الله سبحانه.
وللشعائر أدوار كبيرة أهمها دور الحماية والهداية، فبالشعائر نستطيع أن نحفظ الفرد والأمة ونصونهما من خطر الذوبان والانصهار في الثقافات الأخرى، لذلك نرى الحكومات غير الشرعية قد شحذت مديتها من أجل محاربة الشعائر الدينية وازالتها من الوجود، ذلك انهم يرون في هذه الشعائر السلاح الاكثر قوةً من مديتهم وكل وسائل جذبهم وتغريرهم.
يرى المقدس الشيرازي وهو بصدد بيان الفرق بين الشعائر الإيمانية والشعائر الفاطمية بأن الإيمان مركب من سلب وإيجاب أي نفي وإثبات، ومن الشعائر الإيمانية ما يحتوي على بعد الإثبات فقط، ومنها ما يحتوي على البعدين معاً، والشعائر الفاطمية من الشعائر الإيمانية التي تعنى بالبعدين (التبري والتولي) بكل قوة وبشكل واضح وصريح ومباشر. ولذا عدّ المقدس الشيرازي القضية الفاطمية بأنها تمثل إدانة مباشرة لكل الحكومات المنحرفة ابتداءً من حكومة الأوائل وانتهاء بحكومة العثمانيين، ومن ثم فإن إحياء القضية الفاطمية هو إحياء للإيمان كله.
وإذاً ما دامت الشعائر الفاطمية بهذه الضخامة الإيمانية والعظمة الدينية فما هو واجبنا ومسؤوليتنا تجاه هذه الشعائر العظيمة؟.
إن قضية الزهراء لا يحدها وقت محدود، فهي تعيش في وجدان كل مسلم حر وأبي، ولكن في كل عام وخاصة في شهر جمادى الأولى والآخرة يكون الارتباط أقوى فهو يرى أن هذين الشهرين يتعلقان بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، وتتمثل مسؤوليتنا ضمن ما تتمثل في إحياء قضيتها، وهذا الإحياء له مفردات كثيرة بينها السيد الشيرازي من خلال عنوانين عامين يجمعان هذه المفردات: فالعنوان الأول هو الإحياء الشعائري مثل لبس السواد في الأيام الفاطمية وتسيير مواكب العزاء والحضور في المجالس التي تقام بالمناسبة، وبالفعل فهناك الكثير من مناطق العالم التي تحيي الشعائر الفاطمية وأصبحت تلك الشعائر من الثوابت ولها الاستمرارية في كل عام.
أما العنوان الثاني فهو الإحياء الثقافي والذي عدّه المقدس الشيرازي من الأمور المهمة في الإحياء، والإحياء الثقافي هو الاسهام في الكتابة والتأليف ونحو ذلك حول الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام عسى أن تكون هذه المساهمة وسيلة من وسائل الشفاعة لنا يوم القيامة إن شاء الله تعالى.
فهل توقفنا يوماً مع أنفسنا لنسألها ماذا قدمنا للزهراء (ع) على الأقل من هذه الزاوية الثقافية؟ هل أبرزنا علمنا في هذا الجانب، وهل عرّفنَا العالم أجمع على مظلومية الزهراء (ع)؟ لقد بين المقدس الشيرازي من خلال محاضراته القيمة الحقيقة المؤلمة في ما يتعلق بالكتابة عن الزهراء (ع)، إن ما كُتب حول الصديقة الزهراء قليل جداً بحيث تضاف لمظلومية الزهراء (ع) في هذا الجانب، فقد أحصى أحد المؤلفين في كتاب له كل ما أُلف عن الصديقة الزهراء (ع) خلال ألف وأربعمائة عام فلم يزد المقدار الذي عُثر عليه عن ألفين واثنين وعشرين كتاباً في حين نحن نقرأ أن شاعراً توفي قبل أقل من قرن أُلف عنه حوالي خمسة آلاف كتاب، يجب أن نعيد الحسابات ونتأمل فيما قدمنا للزهراء عليها السلام في ذكراها بل في كل الأيام وعلينا الاقتداء بذلك العالم الجليل الذي استحق لقب المقدس الشيرازي ونقتدي به فيما قدمه للذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
*عن مجلة (النبأ)