قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

فاطمة. . شعاع من الإسلام
*إيمان عبد الأمير
عاش المؤمنون حياة فاطمة عليها السلام في عقولهم، وفي سلوكياتهم، وفي عواطفهم، وفي طموحاتهم دون أن يتثاقلوا منها يوما، بل لم يمل منها أحد، وإنما تجد الأرواح تتلهف إليها حبّاً، والقلوب تهوي إليها شوقاً، دون أن ينصرفوا عنها إلى غيرها، لأنهم وجدوا فيها وعندها كل خير؛ كما الشمس تشرق كل يوم، والناس لا ينظرون إليها إلا حنانا وعطفا ورغبة، لأنها مصدر كل خير ومعدن كل عظمة.
هذا ما جعل الزهراء عليها السلام عنواناً كبيراً لتأليف مئات الكتب من قبل كبار علماء الأمة وأدبائها. ولم يتوقف قلم التأليف عنها، بل وهو بذكرها ينعم، وبمآثرها ومواقفها يفتخر.
وقد يقف البعض حائرا أمام شخصية الزهراء عليها السلام متسائلا ً: كيف دخلت فاطمة التاريخ من أوسع أبوابه، فسجل اسمها على جبين الدهر، وحفظ حبها في قلوب المؤمنين. ووقف الزمان لها إجلالا بكل لحظاته وعلى امتداد أيامه، وهي لم تعش في هذه الدنيا أكثر من ثمان عشرة سنة وأشهرا؟ فما أقصره من زمن، وما أعظمه من بركة. فيا ترى بماذا صارت فاطمة، فاطمة... ؟!
إنها ما نالت هذه العظمة إلا من عظمة الإسلام، وقد تجلّى الإسلام في كلماتها وشخصيتها وسلوكياتها، حتى أن من يقرأ حياتها يتصور أنه قرأ الإسلام في تعاليمه وأفكاره. ولم تبخل فاطمة بلحظة من حياتها لتكون في خدمة الإسلام. فمنذ أن فتحت عينيها على الحياة وإذا بها في شعب أبي طالب تعاني مع الرعيل الأول من المسلمين برفقة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وأم المؤمنين خديجة سلام الله عليها من حصار مشركي قريش، الذي أذاقهم الجوع والعطش، وأبعدهم عن الناس. عند ذاك لم تنتظر فاطمة أن تكبر حتى تلتحق بصفوف المناصرين للرسول والرسالة، والمجاهدين في سبيل الله، وإنما على صغر سنها بادرت بأعمال كبيرة، مما دعا رسول الله أن يناديها بأم أبيها.
ولم ينته دور فاطمة عليها السلام في مكة المكرمة، وإنما امتد مع هجرتها إلى المدينة المنورة، حتى آخر لحظة من حياتها الشريفة، حيث لم تتوان في الدفاع عن إمام زمانها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد نصرته بكل وجودها حتى استشهدت وهي تحمل معها إلى الآخرة آثار الظلم الذي أصابها؛ من الضلع المكسور، والوجه الملطوم، والمتن المسود من الضرب.
وبالرغم من القساوة التي واجهتها الزهراء عليها السلام، وشدة الظلم الذي تحملته. غير إن هذا لم يعد عليها وعلى أبنائها ومواليها، إلا بالروح الوثابة ضد الظالمين، والإصرار على مواصلة المسيرة الرسالية في الدفاع عن الحق المبين. وبذلك صارت فاطمة مدرسة عبر التاريخ، يتعلم منها الناس الشجاعة والشهامة والإباء والتحدي. وبقيت فاطمة قمراً منيراً لا يأفل، يستضيء بها كل من يرفض الظلام، ويستهدي بها كل من يرفض الضلال.