قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

امرأة اليوم. . بين نموذج (فاطمة) النابض وبين الصور المستوردة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *كريم الموسوي
يطرح علينا هذا السؤال دوماً: هل من سبيل للاقتداء بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في الوقت الحاضر؟ فهنالك من يقول: صحيح إن الصديقة الزهراء عليها السلام شخصية عظيمة ولها مكانتها المميزة في الاسلام، وقد مضى على وفاتها عليها السلام اكثر من اربعة عشر قرناً من الزمن، ومنذ الحين وحتى اليوم حصلت تغييرات هائلة في عالم الاجتماع مواكبة لتغييرات مماثلة في عالم السياسة والاقتصاد، فكان لزاماً على المرأة ان تغير الكثير من العادات والسلوكيات التي لم تعهدها المرأة في صدر الاسلام ولدى تشكيل أول مجتمع اسلامي صغير في المدينة على يد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
فاطمة ليست تاريخاً مضى
لعل التمهيد للإجابة عما يرتبط بمستقبل الإنسان يتطلب منا معرفة أمور شتى، منها أن التاريخ هو واقع مضى لكنه اليوم يروى. وأن الحاضر الذي نعيشه إنما هو تاريخ يرى. إذ ليس من شيء في هذا العالم ينقضي أثره، بل هي الصورة التي تتبدل. فما مضى من التاريخ ما زال يتفاعل مع الحاضر، وليس هو الا جذور لهذا الحاضر والمستقبل. ومثل هذه الحقيقة مثل شجرة امتدت أغصانها وفروعها في الفضاء، فهي وان تبدو للعيان كيانا قائماً بذاته، لكنها في الحقيقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً وحياتياً بما لها من جذور امتدت وتغلغلت في أعماق الأرض. كذلك هو الإنسان بكيانه المشاهد للعيان، فأي فرد يعيش الآن إنما يحمل معه حقائق تاريخية وصلت إليه عبر أجداده، وتلك التي تبدو عليه بشكل أو بآخر من خلال أفكاره وتحركاته وتصرفاته أحياناً.
وحين يقف الإنسان أمام مرقد أحد من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يعرفه لافتقاد شجرته، أو يقف في أحد أضرحة ذرية الأئمة عليهم السلام ليسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويبسط حوائجه في حضرة الباري عز وجل متوسلاً بالرسول وبذريته، إنما يعني ذلك احتراماً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، في ذريته وعترته وإطاعـة لأمره.
ونحن إذ نقتدي ونسترشد فإنما نسترشد بالإمام علي عليه السلام فانه وبعد وفاة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام كان يبكي كثيراً، وحين يسأله عمار عن هذا الجزع، يقول عليه السلام لعمار: كان مشيها مشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك كانت حركاتها وصورتها. فهو عليه السلام كان يرى فيها شخص الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعد يصبر بفقدها.
إذن؛ التاريخ يتمثل بالحاضر، وليس الحاضر إلاّ وليد الماضي وابن للتاريخ، بل الحاضر ليس إلا صورة له، وإنما الفرق أن ذلك حديث يروى وهذا واقع يرى. وانطلاقاً من هذه الزاوية فإننا حين نمحّص أنفسنا لنعرف مدى ولائنا لسيدتنا الزهراء عليها السلام، نقف على حقيقة أن موالاتنا لابد وان تكون بالشكل وبالطريقة التي نجعل من ذلك التاريخ وتلك السيرة العطرة الوضاءة الزكية واقعاً تنبض به الحياة الحاضرة، وليس مجرد احاديث تاريخية أو قصص مثيرة عن البطولات التاريخية والملاحم. وإلا فان التاريخ يحتفظ باسماء لامعة عديدة بعضها يحمل طابع القدسية الإلهية مثل مريم بنت عمران وآسيا بنت مزاحم وغيرهنّ، والبعض الآخر تحمل طابع الاهمية الاكتسابية من خلال التعلّم والنبوغ.
الصدّيقة قدوة الرجال والنساء
عندما يطلب من المرأة أن تكون قدوة للنساء، إنما يكون باعتبار الجنس وبملاحظة التقارب في السلوكية والتشابه في الخلقة. فيقال: على النساء أن يقتدين بالسيدة زينب عليها السلام بوصفها نموذجاً وقدوة لكافة النساء، ولأنها امرأة والنساء نساء، فعليهن أن يقتدين بها ويجعلنها أسوة لهن. لكن القول في الصدّيقة الكبرى لعله يأخذ صورة أخرى. فهي ليست قدوة للنساء فحسب، بل وقدوة للرجال أيضاً، بل هي قدوة للرجال ومن ثم النساء. ذلك لان الله تعالى خلق نوراً واحداً ثم قسمه ثلاثة أقسام؛ قسم منه هو نور نبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الثاني هو نور الإمام علي عليه السلام والأئمة من ولده، وأما الثالث من الأقسام فهو نور فاطمة الزهراء عليها السلام الذي خلق الله منه السموات والأرض. وهذا يعني فيما يعني أنها سلام الله عليها كانت في رتبة قريبة من رتبة أبيها سيد البشرية جمعاء رجالاً ونساء. كيف لا وهي بضعة منه، وليس بعدئذ لقائل أن يزعم إنها امرأة فحسب فيختص كونها قدوة للنساء دون الرجال، لانها شطر وقسم من نفس النور الإلهي. فلابد للرجل وللمرأة على السواء أن يتخذن منها بخلقها الكريم وسيرتها العطرة الزكية قدوة ومناراً يهتدي به، ويرسم الإنسان به شخصيته ويحدد معالمها.
من هنا يجدر بالإنسان أن يسأل نفسه عن مدى معرفته بثقافة الصديقة الكبرى سلام الله عليها، وعن حدود اطلاعه على معارفها وكلماتها. فقد يتعلل البعض بالافتقار لصحيفتها التي كانت بإملاء جبرائيل عليه السلام، وبإملاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكتابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وإنها ليست موجودة فعلا بين ظهرانينا بل هي موجودة عند الإمام الحجة سلام الله عليه. الكتاب الذي ضم - كما في أحاديثنا - حتى اصغر الأمور في الشرائع. لكن هذا تعلل مرفوض وعذر مردود، فكلماتها المضيئة مازالت وستبقى تفيض بالحياة وترسم لشيعتها بل وللناس أجمعين مسار الإنسانية القويم من خلال خطبتها التي تلألأت بين خطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي والإمام الحسين وسيد الساجدين عليهم افضل الصلاة والسلام. فالصديقة الكبرى المفجوعة بفقد أبيها، تقف والحال هذه أمام رجال خذلوها وغصبوا حقها ولم ينصروها، وترتجل في مسجد أبيها خطبة عصماء، والتي هي خلاصة للفكر الإسلامي والمعارف الإلهية بما انطوت عليه كلماتها من سلاسة في الأسلوب وعمق في المحتوى، قد يعجز المتخصصون عن كشف مضامينها والوقوف على خصائصها، لما احتوته من بيان فلسفة الخلق وحكمة خلق الإنسان وحكمة الشرائع الإلهية وبيان الواقع الاجتماعي قبل البعثة وأبانهـا وبعدها.
يقول سماحة المرجع المدرسي (حفظه الله) بانه عقد مع عدد من علماء الدين وعلى مدى ليالي عديدة جلسات سادتها مناقشة واسعة مفتوحة مع العشرات من علماء الدين ولم يستخرجوا من الدلالات والمفاهيم الا القليل اليسير الذي لم يتجاوز عُشر تلك الخطبة العصماء التي روتها سيدتنا زينب عليها السلام وعمرها الشريف آنذاك لم يكن يتجاوز السادسة، وقد أشاد سماحته بالمنجز العظيم لسماحة الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي بتأليفه كتاب (فقه الزهراء) حيث استنبط فيه الفروع الفقهية الغزيرة التي تضمنتها كلمات السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، فليس بعد هذا وذاك من الإنصاف ولا المروءة بمكان ان يركن من يدعي ولايته للصديقة الكبرى سلام الله عليها إلى إضاعة هذه السويعات الثمينة من حياته وحياة أبنائه بالجلوس أمام التلفاز لمشاهدة افلام وقصص وهمية من مجتمعات صينية أو يابانية او امريكية، بينما الجدير بنا أن نضع هذه الخطبة وتفاصيلها وشروحها وايضاً كلامها سلام الله عليها أمام اطفالنا في البيوت لتكون سراجاً لهم لحاضرهم ومستقبلهم.