قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ظاهرة الجريمة.. دروس من الماضي وحلول للمستقبل
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
ليس المجرم هو بالضرورة كل من يلقي القبض عليه من قبل السلطات الأمنية لدولة ما، فكم من السجناء سجنوا ظلماً وعدواناً مثلما كان يفعل الطاغية البائد صدام والذي كان يعتقل ويقتل الناس لأسباب واهية، فالذي يسجن ربما يكون مظلوماً ولم يفعل ما يستحق من السجن والعقاب.
أما المجرم الحقيقي فهو الذي أتى ذكره في القرآن الكريم وشرح وصف حاله رب العزة، وهو الذي وصل إلى درجة من الاستكبار لكي يعلن الحرب على الله عزوجل ويبيح لنفسه القيام بكل الجرائم التي ترفضها الانسانية، فالانسان الذي لايؤمن بالله هو الأخطر لأنه على استعداد للقيام بكل جناية وهو لايتورع عن فعل أي شيء لتحقيق أهدافه.
وقد ثبت علمياً بأن المجتمعات الايمانية هي أقل إجراماً من ناحية الكم والكيف من تلك المجتمعات التي تفتقد الإيمان، فالانسان بحاجة إلى ما يردعه من الانفلات أمام قانون الكون، لأن الذي ينفلت من قانون الله بامكانه أن يصبح طاغوتاً ويتحول الى (صدام).
صحيح أن كل شخص يمكن أن يتحول إلى صدام مثلما نرى ونلاحظ من حالات أزلامه المجرمين الذين تحولوا إلى ذباحين جدد بعد الاطاحة به، فكل واحد من هؤلاء يعد صداماً صغيراً، لكن بالطبع فإن الله عزوجل لن يسمح له بأن يتحول الى طاغية بحجم الطاغية البادئ، لأن هناك ظروفاً موضوعية هي التي جعلت العراق يعيش تحت وطأة ذلك الطاغية، ومكنته من أن يمعن في القمع والتنكيل والدموية، كما ان الحكمة الالهية لها دورها الأساس في القضية. وقد وردت عدد من الآيات وهي تكشف عن التدخل الالهي لمواجهة هؤلاء المجرمين، فالقرآن الكريم يقول: "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" (الأنعام /147).
وعادة ما تتدخل الإرادة الربانية لنصرة الضعفاء والمساكين الذين لاحول ولا قوة لهم في مواجهة الطغيان وقد قرأنا عن ذلك في القرآن الكريم في قصة بني اسرائيل مع فرعون، وكذا نقرأ الآية الشريفة "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" (الأنفال /8) فالذي يقرأ هذه الآية ويطيل التفكير فيها سيلاحظ وكأن الله سبحانه وتعالى يعاقب هؤلاء العصاة المجرمين، ويحيل أعمالهم هباءً منثوراً.
وبهذه الحقيقة يجب أن يطمئن دعاة الحق بأن الله ساندهم وداعمهم لتحقيق الخير والعدالة ولايخضعوا للاستفزازات الطائفية الممارسات الاجرامية التي يقوم بها أعداء الله بقتل المدنيين من نساء واطفال بهدف إعادة المجرمين والبعثيين إلى السلطة مرة ثانية، لأن الله عزوجل هو الذي يحق الحق وهو الذي يبطل الباطل، لكن بشرط أن نثبت على قيمنا ونصمد بوجوه هؤلاء المجرمين القتلة الذين لا يعرفون سوى لغة العنف والحرب، ولنا عبرة وتجربة من سيرة الرسول الأكرم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وكيف أنهما خاضا حروباً دفاعية ضد دعاة الحرب للحفاظ على كيان الاسلام ومبادئه وقيمه، فقد قاتل النبي الأكرم على التنزيل فيما قاتل أمير المؤمنين على التأويل. وهناك وعد إلهي بأن ينال أهل الباطل الخزي في الدنيا قبل الآخرة وقد ذكر رب العزة في قرآنه "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ" (يونس /17) فالله سبحانه وتعالى وعدنا بالنصر عليهم لكن بشرط أن لانصبح مثلهم مجرمين، ولا نستبدل قيمنا ومبادئنا بممارسات تشبه الى حدٍ ما الممارسات التي يقوم بها المجرمون البعيدون عن الله تعالى، بمعنى أن نأخذ جانب الحق والعدل دائماً وندافع عن المظلومين وهذا هو طريق الله الذي سنّه لعباده الصالحين.
لكن هل تبقى الدوامة مستمرة بين المجرم والضحية؟
انه السؤال المطروح دائماً ويدور في خلد الكثيرين، وفي القرآن الكريم يبين الله تعالى سنته في الارض ويعرض الدروس والعبر من أقوام و اشخاص حكموا فطغوا وبغوا وكان مآلهم الى الدمار في الحياة الدنيا والعقاب في الآخرة. والهدف من ذلك بان لا يغتر الانسان بما لديه من القدرات والامكانات التي يتخذها وسيلة للطغيان، اذ ربما تتحول تلكم الامكانات الى سبب لانهياره ودماره، فكل الذين استخدموا المال أو السلاح أو غيره للطغيان والظلم ، كان نهايتهم على تلكم الوسائل، فمنهم من مات بالغدر والغيلة بسبب الطمع بالمال، ومنهم من قتل بالسلاح الذي كان يتمنطق به، وهذه تجربة نظام صدام أمامنا ليست ببعيدة، فالاسلحة المتطورة التي انتجها وانفق كل موارد وخيرات العراق من أجلها، كانت السبب وراء نهايته وسقوطه.
لكن لا يعتبر المجرمون بهذه العبر؟
من المستبعد جداً ان تكون لامثال صدام وأشباهه طريق عودة الى الرشد والصلاح، فهم يعدون القوة والعنف والسلاح سبب وجودهم على قيد الحياة أكثر من الماء والهواء، وتخليهم عن السلاح بمعنى انهم يفتقدون لقيمتهم المادية والمعنوية ويتحولون الى لا شيء! إذن نراهم يقاتلون ويقتلون بلا رحمة او حساب للضغط على الطرف المقابل للرضوخ لمطالبهم والاعتراف بوجودهم.
وحتى نجيب على السؤال الأول عن استمرار دوامة العنف التي ابتلي بها العراق والعراقيون، فان ظاهرة الجريمة يجب ان تواجه بالردع والاجراءات الاحترازية حتى لا يظهر من تسول له نفسه التمادي في غيّه مستفيداً من التغييرات الحاصلة في الصعيدين السياسي والاجتماعي، ويستعيد نهجه القديم في ممارسة اجرامه وظلمه بحق الناس. ولا نسوغ لمن لا يلتزم بالمبادئ والقيم، او ندعوه للمشاركة في بناء العراق الجديد، مهما كانت الضرورة والظروف، إذ يجب ان يعرف ان التغيير العام يستوجب التغيير الخاص، فعليه ان يبدأ من نفسه أيضاً، لا ان يعد التغيير السياسي أمراً شكلياً وسطحياً وهو يعيش بعيداً عن اللوم والمحاسبة. وبذلك نكون قد وضعنا حداً لظاهرة الجريمة والتجاوز على حقوق الآخرين، حيث يعرف كل فرد في المجتمع حقوقه و واجباته.