هل تعيد الضحية جلادها الى السلطة؟
|
نزار حيدر
ينزو الجلاد على السلطة، عادة، في ظرف احدى الحالات الثلاث التالية: اولا: عندما يكون الناس في غفلة، لايهتمون بحياتهم ولا يفكرون بمستقبلهم، ولا يعيرون اي اهتمام لمصير بلدهم، فتراهم يأكلون وينامون ويتكاثرون... ثانيا: عندما يتحول المجتمع باكمله الى جلاد، يظلم بعضه بعضا، ويأكل بعضه حق بعض، ويتجاوز بعضه على حقوق بعضه الآخر، عندها لن يكون هناك فرق بين الحاكم والمحكوم، ولذلك ترى الناس لا يبالون بهوية من ينزو على السلطة، لان كل من يقدر عليها هو جلاد انتجه المجتمع، لم ينزل من السماء او ينبت في الارض او يخرج من اعماق البحر، وربما الى هذا المعنى اشار الحديث الشريف عن رسول الله (ص) {كيفما تكونوا يولى عليكم}. ثالثا: عندما يتنازع (الضحايا) فيما بينهم فيستغل الجلاد الظرف المؤاتي لينزو على السلطة من جديد، من دون ان يواجهه احد من ضحاياه لانهم جميعا في شغل شاغل عنه، فالتنازع ضعف كما هو واضح ومعروف. ولقد اشار القران الكريم الى هذه الحقيقة بقوله عز وجل في الاية المباركة {واطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين}. انها تشير الى ان النزاع يفشل، بضم الياء وكسر الشين، المشروع ويهدر الارادة، وكنتيجة لذلك يعود الجلاد حاكما على الناس من ضحاياه تحديدا. لا اريد هنا ان اتحدث عن الحالتين الاولى والثانية، فبعد ان استيقظ العراقيون وحضروا بقضهم وقضيضهم في الساحة، يتفاعلون مع الشان العام بشكل يومي، تكون الحالة الاولى قد انتفت. كما ان الحالة الثانية يمكن ان ندرجها في خانة الانقراض، اذا تذكرنا بان الشعب العراقي اليوم كله، تقريبا، ضحية لسياسات النظام البائد، ولجرائم مجموعات العنف والارهاب، التي ظلت تعاكس العملية السياسية الجديدة الجارية في العراق.
ما يبدو بالافق، هو ان خلافات الضحايا هي التي قد تمكن الجلاد وايتامه من العودة الى السلطة، وان كانت العودة هذه المرة تختلف، بالسياقات والادوات، عن المرات السابقة، ففي هذه المرة، سيستفيد الجلاد من ادوات الديمقراطية وصندوق الاقتراع، وسذاجة بعض ضحايا النظام البائد، الى جانب الخلافات التي تكاد تمزق صفوف الضحايا، للعودة الى السطة من جديد، لا قدر الله تعالى. وان من مظاهر سذاجة الضحايا هو انهم يصدقون كل ما يقوله ايتام الجلاد ويشيعونه ضد الحالة العراقية الجديدة، لدرجة ان بعض الضحايا تحولوا الى ادوات تسوّق اكاذيب الجلاد، التي ينشرها ويوزعها بالبريد الالكتروني مثلا، الايميلات، فبتنا نروج لها من حيث لا نشعر من دون ان يسال احد عن مصدرها ومدى صحة المعلومات التي فيها. كما ان من مظاهر السذاجة هي ان بعض الضحايا نسوا الجلاد لينشغلوا في بعضهم، وكأن الجلاد لم يحكم العراق اكثر من ثلاثة عقود سوداء دمر فيها كل اسباب ومقومات الحياة، ليس للانسان العراقي فحسب بل حتى للحيوان والنبات والبيئة وكل شيء. كما ان من مظاهر سذاجة بعض الضحايا هو انهم راحوا يقدمون ايتام الجلاد على رفاق دربهم من الضحايا تحت مسميات المصالحة الوطنية والشراكة الوطنية وغير ذلك من المسميات التي يطرب لها الجلادون لانها وسيلتهم الجديدة للعودة الى السلطة.
ان تاخر تشكيل الحكومة الجديدة اثار الكثير من الخلافات بين ضحايا النظام البائد، لدرجة ان الجلاد تحول اليوم الى تلك البنت الجميلة التي يسعى الجميع لخطب ودها، ربما باي ثمن، وهذا ما يعرض كل التجربة العراقية الجديدة الى خطر كبير يهددها بالسقوط والزوال. ومن اجل الإسهام في وضع بعض النقاط على بعض الحروف، وددت ان اشير الى الملاحظات الهامة التالية، والتي استوحيتها من واقع الحال بعيدا عن التنظير والانشاء: اولا: ان معضلة تشكيل الحكومة الجديدة هي معضلة داخلية بالدرجة الاساس، مصدرها الاول هو الخلافات التي تعصف اليوم في صفوف ضحايا الجلاد، فلو اتفق هؤلاء على الحد الادنى على الاقل لما وصلت بنا الحال الى ما وصلت اليه اليوم، فأن حجم التدخلات الخارجية السافرة (الاقليمية والدولية) في هذا الامر يتوقف على حجم قبول او رفض الاطراف العراقية لمثل هذا التدخل.. لدرجة ان القمة العربية الاخيرة، وهي التي تتشكل من زعماء ديكتاتوريين يحكمون شعوبهم بالحديد والنار، لا يشركون احدا في سلطتهم، ولا يستشيرون مواطنا في خططهم، يسحقون حقوق الانسان، ويهينون كرامته، يدعون العراقيين الى تشكيل حكومة شراكة وطنية..تصوروا المهزلة؟.. اوليس كانوا، ولا يزالون، محل التقاء الديكتاتوريات منذ تاسيس جامعتهم العتيدة ولحد الان؟ فكيف ننتظر منهم ان يجدوا لنا حلا يؤسس لحكومة شراكة وطنية او بناء نظام ديمقراطي؟. ان من ظل يدعم النظام الديكتاتوري في العراق على مدى نيف وثلاثين عاما، بكل وسائل البقاء والاستمرار والصمود، من خلال دعم حروبه العبثية وتبرير سياساته الهمجية ضد العراقيين، وان من ظل يدعم الارهابيين بالفتوى الطائفية والاعلام المضلل والمال الحرام، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، بهدف تدمير العملية السياسية الجديدة، كيف ننتظر منه موقفا وديا لصالح الديمقراطية؟ وكيف ننتظر منه موقفا محايدا يقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء السياسيين؟. ثانيا: ان الديمقراطية، في جوهرها، التزام بالدستور، بغض النظر عما فيه من نواقص او بعض نقاط الخلاف، فالتعديل الدستوري له مجاله، اما الديمقراطية فلا يمكن ان نتصورها خارج اطار الدستور. تاسيسا على هذا الفهم الذي لا يختلف عليه اثنان، فان اي اتفاق بين الفرقاء ياتي خارج النصوص الدستورية، او على الاقل خارج روح الدستور، سينظر اليه على انه باطلا جملة وتفصيلا.. كما ان ظاهرة الاوراق الخاصة التي يحتفظ بها ويحملها كل تحالف نيابي، واحيانا كل كتلة نيابية داخل التحالف الواحد، للتفاوض عليها مع المرشح لرئاسة الوزراء، ايا كان، يعد ايضا خرقا للدستور بشكل فاضح، و ابتزاز سياسي لجهود دستورية، يجب ان لا يمررها اي مرشح لرئاسة الوزراء، ولو قبل بها احد فانه سيسهم في التاسيس لحكومة ضعيفة تولد ميتة، ان لم اقل انها ميتة حتى قبل ان تلد، وهي بعد في رحم الظروف السياسية.
ان حال هذه الاوراق واحد من اثنين: فاما ان تكون اوراق دستورية ومطاليب حقيقية تنسجم ونصوص الدستور او روحه، ففي هذه الحالة لا ينبغي لاحد التفاوض عليها، لان المرشح لرئاسة الحكومة سيكون لزاما عليه ان يدرجها في برنامجه الحكومي قبل نيل ثقة مجلس النواب. وفي هذه الحالة ليس هناك من داع لمناقشتها في الغرف المظلمة، وانما ينبغي على الفرقاء ان يناقشونها تحت قبة البرلمان، وامام مرآى ومسمع العراقيين جميعهم. واما ان تكون هذه الاوراق غير دستورية وغير منطقية، ولذلك تناقشها الكتل في الغرف المظلمة وتحت الطاولة، بعيدا عن علم الشارع، فكيف يقبل بها المرشح لرئاسة الحكومة، والتي سوف لن يدرجها في برنامجه الحكومي، بكل تاكيد، لمخالفتها الدستور وروحه؟. ان مثل هذه الاوراق ستكرس الديكتاتورية، وتصنع ديكتاتورا جديدا، خاصة ونحن نعلم جيدا بان المرشح الذي يقبل التنازل لمثل هذه الاوراق من اجل ان ييتم تمريره تحت قبة البرلمان، سينقلب عليها ان عاجلا ام آجلا، اذا كانت غير دستورية، وستكون حجته في ذلك قوية امام الشعب العراقي، وعندها سيكون هو من ضحك على ذقن الكتل السياسية وليست هي التي ضحكت على ذقنه، وهذا ما يكرس ظاهر انعدام الثقة بين الفرقاء السياسيين، الظاهرة التي تعتبر اليوم من اكثر الاسباب التي تحول دون عقد الاتفاقات والصفقات السياسية المعقولة فيما بينهم لتمرير صفقة تشكيل الحكومة الجديدة.
ان مساعي البعض تهميش هذه الجهة السياسية او تلك الكتلة البرلمانية، هي الاخرى غير دستورية بالمرة، لان الدستور ساوى بين العراقيين في الحقوق والواجبات، ما يعني ان من حق كل العراقي، جماعة كان ام فردا، كتلة برلمانية ام حزبا خارج قبة البرلمان، ان يمارس العمل السياسي في اطار مؤسسات الدولة العراقية بعيدا عن محاولات الاقصاء والتهميش والالغاء والتصفية والتسقيط والتهديد. ان مثل هذه المحاولات هي التي تخيف بعض الفرقاء السياسيين فتراهم يتشبثون بالسلطة خوف الانتقام او التصفية والالغاء والتهميش اذا ما قرروا البقاء خارج السلطة التنفيذية. ان على الجميع ان يبذلوا قصارى جهدهم من اجل العمل على تحقيق بناء مفهوم الدولة وليس النظام، ومن الواضح للجميع مدى اتساع الفرق بين المفهومين، فالمفهوم الاول يستوعب كل الشعب العراقي اما المفهوم الثاني فلا يستوعب الا بعض من هم في السلطة... ولذلك يجب ان يكون هذا المفهوم هو الحاكم في ثقافتنا ووعينا السياسي لنتخلص من عقدة التهميش التي تؤرقنا ليل نهار، والتي ورثناها من الماضي الاسود بسبب سياسات النظام الشمولي البائد الذي صنع نظاما بوليسيا حديديا كان فيه الطاغية الذليل هو العراق، على حد وصف ادبياته آنئذ. ثانيا: بناء مفهوم (الشراكة الوطنية) في هذا الاطار، ما يعني ان كل العراقيين هم شركاء في هذا الوطن وفي رسم سياساته الاستراتيجية، كل من موقعه، لا فرق في ذلك اكانوا في السلطة ام خارجها؟ في الحكومة ام خارجها؟ في البرلمان ام خارجه؟ في جوقة الاحزاب الحاكمة ام حزب خارج السلطة..
|
|