هل يستقر العراق يوما؟
|
سالم مشكور
سألني زميلي الصحافي اللبناني: متى يستقر الوضع في العراقي؟ أجبته على الفور: عندما يستقر الوضع اللبناني يمكنك توقع استقرار الوضع في العراق. في الجلسة ذاتها في بيروت الغرقة هذه الايام في رطوبة خانقة وأزمة كهرباء لم تحل منذ عشرين عاما، سألني أحد الحضور: ما قصة الكهرباء عندكم ولماذا لا تحّلها الحكومة؟ أجبته: لنفس السبب الذي يجعلنا نجلس على ضوء الشمعة في بيروت رغم انفاق ثلاثين مليار دولار على الكهرباء حتى الان. جوابي كان وافيا ومفهوما للسائلين اللبنانيين اللذين لم يعلقا سوى بالقول " معك حق". لكن جوابي هذا لا يرضي الكثير من أصدقائي وزملائي في العراق ممن يزعجهم اي تشبيه لوضعنا بالوضع اللبناني أو غيره، متمسكين بفرادة مفترضة للعراق، متغنين بـ" أصالة العراق وحضارته وقدم تاريخه".
توصيف واحد أضعه لموقف هؤلاء حين النقاش معهم هو انهم يبتعدون عن الواقعية في مواقفهم. فالسياسة واقع والتعامل معه لا يمكن ان يتم بالشعر والشعار، بل بالحقائق الموجودة على الارض. من يتابع النقاش الدائر بين المجموعات منذ الاطاحة بالنظام السابق والى إشعار آخر، يقف على ملامح عدة لشيء إسمه "الواقع العراقي". من هذه الملامح أن العراق – كما لبنان – مكون من طوائف مذهبية وإثنية ودينية، وان سياسات إقصائية على مر عقود خلّفت هوّة عميقة بين المكونات، بين خوف من عودة الماضي او على الاقل شكل من أشكاله، وبين مصدوم بتراجع دوره وخوف من استئثار مقصيّ الامس.
النتيجة هي غياب حالة الثقة بين المكونات وحلول الشكوك والهواجس محلها مما وفّر أرضية خصبة لاحد الملامح الاخرى للواقع العراقي وهو التدخل الخارجي وتأثيره الكبير على الوضع العراقي، تماما كما هو الوضع اللبناني، بحيث تتجه الانظار دوما الى الخارج (الاقليمي والدولي ) لمعرفة مواقفه وما اذا كانت ستؤدي الى حلحلة الوضع الداخلي أم تأزمه. هذا الامر يتحول تدريجيا الى ارتباط عضوي بين بعض المجموعات الداخلية (السياسية والمذهبية والاثنية) بأطراف خارجية سعيا الى حماية ودعم من تلك الاطراف التي تحوّل بدورها المجموعات الداخلية الى ممثل غير رسمي لتلك الاطراف ومنفذة لأجندتها التي قد توحي بانها تتطابق مع مصالحها هي ايضا. هذا ما يدعو البعض الى النظر الى الصراع على انه صراع مشاريع داخلية بجذور ومصالح اقليمية ومخاوف تغذّيها وتنفخ فيها الاطراف المستفيدة من وراء الحدود بل يمكن القول ان صراح المصالح الاقليمية والدولية المتضاربة يجري على ساحات رخوة كاللبنانية والعراقية التي تدفع ثمن صراع الاخرين.
تشير مظاهر عدة من مسلسل التجاذب الداخلي العراقي الى ان "صراع المشاريع" هو سياسي وليس طائفيا رغم محاولات البعض اسباغ اللون الطائفي عليه عند الحاجة. واللافت ان "الوطنية " باتت عنوانا لكل المشاريع المتصارعة.هذا يعني شيئا واحدا هو ان كل طرف يفهم الوطن بما يختلف تماما عن مفهومه لدى الطرف الاخر وهذا ما هو حاصل بالفعل ليس منذ التغيير في 2003 بل منذ تموز 1968. فعلى مدى عشرات السنين احتكرت فئة سياسية، الوطنية وفق مفهومها، ووضعت باقي الناس مما يعارضون الحزب والرئيس او على الاقل لا يعلنون الولاء لهما، في خانة العمالة. هذا المفهوم للوطنية نراه يتكرر على لسان بعض الكتل التي تسعى الى أهداف ومطاليب كشف عنها مؤخرا والتي رسخت المخاوف السابقة من ان اصحابها يريدون الانقلاب على العملية السياسية. هذا هو الواقع اليوم فهل من مصلحة هذا البلد التغاظي عن هذا الواقع والاستمرار في إطلاق شعارات لا طائل منها؟. لا يعني هذا ان لا ضوء في الافق، بل ان المطلوب الاعتراف بوجود هذا الواقع ليتسنى تحديد الافكار والادوات العلاجية الصحيحة بدل البقاء سابحين في شعارات تبقي على هذا الواقع كما بقي الواقع اللبناني مضطربا منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
|
|