كربلاء الحسين و حُسن الجوار
|
*طالب ناجي الأحمد
إن السكن على الأرض التي تضم الجثمان الطاهر لسيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، لهي حقاً نعمة كبيرة لا ندركها إلا عندما نبتعد قليلاً عن هذه الأرض الى مناطق أخرى، ولكلما ابتعدنا أحسسنا بالفارق الكبير، حيث ان من نلتقيه في أي مكان آخر، عندما يعرف أننا قادمون من مدينة كربلاء ونسكن بجوار مرقد الإمام الحسين عليه السلام يتجسد الاكبار والاجلال في عينيه، فيحسب أننا ممن نستلهم من شخصيته كل تلك المواقف والدروس والعبر، وبكلمة واحدة؛ يعتقد أننا حسينيون...!
ونرجو أن نكون كذلك طبعاً، لكن حسبنا المسافة بين الرجاء والعمل وبين النظرية والتطبيق، واذا قال قائل بان رياح الحداثة قد هبت على العالم الاسلامي ولم تستثن كربلاء المقدسة، نقول بكل ثقة، ان هذه الموجات البسيطة لا ترتقي الى جبل الحسين، لا اليوم ولا غداً والى يوم يبعثون... لأن كربلاء الحسين ليست شخصاً حتى يتلون أو يتغير بتغير الموديلات او الماركات او التحولات في عالم الاقتصاد والسياسة وغير ذلك، إنما هي منظومة متكاملة من القيم والمبادئ تشكل القدوة والنبراس لكل انسان مظلوم وطامح نحو التحرر والتقدم.
لكن ماذا عنّا نحن الساكنين بجوار هذا الامام الشهيد والملهم...؟
نتحدث كثيراً عن المواجهة الفكرية والثقافية وحرب الافكار وغيرها من مفردات الصراع المحتدم على الوجود في العصر الحاضر، لكن ما علينا إلا ان نتسلح بالوعي والثقافة ولا يكون أمامنا أي سؤال إلا ويردفه جواب مفحم، ولا نعيش دائماً هاجس ما يسمى بـ (الغزو الثقافي)، وهي المفردة التي اعتقد انها جاءت ضمن تلك الرياح الصفراء القادمة من الخارج، للايحاء باننا يجب أن نعيش دائماً حالة الدفاع عن انفسنا كما لو اننا مخطؤون في شيء ما أو نحمل افكار ومعتقدات عجيبة وغريبة، وهذا لا يتناسب بالمرة مع مجاورة شخصية مثل الامام الحسين عليه السلام، ولا يتوافق أبداً مع مبادئ حقّة كالتي ضحّى من أجلها هذا الامام الشهيد والمظلوم.
إذن؛ تبقى أرض كربلاء الحسين شامخة أمام التاريخ والاجيال والزمن، فيما نبقى نحن من يجب أن نشدّ الأُزر ونكون على أهبة الاستعداد دائماً حتى نضمن بقائنا في مسيرة الحسين عليه السلام ولا نبتعد عنه بسلوكنا وأعمالنا ومواقفنا مهما كان الثمن وتبدلت الظروف، حتى لا نخسر هذه النعمة العظيمة على حين غفلة أو حين غرّة.
بعد هذا لنقرأ بعض ما جاء عن الأئمة الاطهار في شأن كربلاء، إذ قالوا احاديث كثيرة بفضلها ومن جاورها، نذكر منها (في كامل الزيارات) عن الإمام الصادق (ع) قال: (إن ارض الكعبة قالت من مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وأمنه؟ فأوحى الله إليها كفي وقري، ما فضل فضلتِ به فيما اعطيت ارض كربلاء، إلا بمنزلة الأبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتكِ. ولولا من تضمنته ارض كربلاء ما خلقتكِ، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت ...الخ)، وقال (ع): خلق الله تبارك وتعالى ارض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك حتى جعلها الله افضل ارض في الجنة، وأن الله تبارك وتعالى فضل الارضين والمياه بعضهما على بعض، فمنها ما تفاخرت، ومنها ما بغت، فما من ماء ولا ارض إلا عوقبت لترك التواضع لله حتى سلط الله على الكعبة المشركين، وارسل إلى زمزم ماء مالحاً حتى افسد طعمه، وأن كربلاء وماء الفرات أول ارض وأول ماء قدسها الله تبارك وتعالى وبارك عليها، فقال لها: تكلمي بما فضلك الله، فقالت: لمّا تفاخرت الارضون والمياه بعضها على بعض قالت أنا ارض الله المقدسة المباركة الشفاء في تربتي ومائي، ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر علي من دوني بل شكراً لله، فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين (ع) ).
|
|