المقال الافتتاحي
الشعر والعقيدة
|
محمد طاهر محمد
إرتبط الشعر على مدى أدواره السحيقة بالعقيدة، فالشعر من حيث هو تعبير إنساني يعدّ وسيلة نبيلة للارتقاء بالأهداف السامية ومن يسبر غور التاريخ يجد هذه الحقيقة تتجلى بأوضح صورها في كثير من العهود والأزمان التي صار الشاعر فيها ينطق بـ(روح القدس) أو يتفوه بـ(كلمة حق عند سلطان جائر).
إن تاريخ الشعر يحدثنا أن الشعر نشأ في أحضان العقيدة الدينية وبقي لأزمان طويلة شديد الارتباط بها، و المطالع لتاريخ الشعر يجد أن هذه العلاقة الوثيقة بين الشعر والعقيدة استمرت وتوطدت عراها حتى في العصور الحديثة رغم ظهور التيارات الأدبية الإلحادية واليسارية وغيرها من التيارات المستوردة، فليس هناك شاعر معروف لم يصدر أعماله الشعرية عن عقيدة. إن العقيدة أو الإيدولوجية كما نسميها اليوم هي التي تمد الشاعر بتجارب وأفكار يستطيع من خلالها أن يتفاعل مع المجتمع وأن يبلور أفكاره في إطار الحياة، وليس معنى هذا أن مهمة الشاعر أن يعبر عن أفكاره ومعانٍ عقلية فقط دون اللجوء الى اللغة الفنية والأساليب الشعرية ولو كان كذلك لما كانت هناك ميزة تميزه عن النثر.
إن قرّاء الشعر يدركون تماماً أنه ليس مهمة القصيدة أن تحمل إليهم مضموناً فكرياً أو فكرة بعينها فقط وإنما تمزج هذا المعنى أو الفكرة بعوامل الإثارة والانفعال والتي بدورها تكون عاملاً محفزاً للشاعر على التعبير وتقديم المعنى بأبهى صورة.
ونستطيع أن نقول إنه كلما كانت قوة الفكرة التي يطرقها الشاعر تعتمد على إيديولوجية أو عقيدة راسخة كلما كان الشاعر قادراً على التعبير من الموقف إزاء هذه الفكرة أو العدول عن هذا الموقف, التأكيد والتعمق فيه وهذه بغية الشاعر فهو حينما يقدم قصيدته لا يستهدف مجرد خلق حالة من الطرب أو الإدهاش ببراعاته اللغوية وأساليبه الفنية وإنما هدفه هو مشاركته القراء تجربته الكاملة وأن يقفوا الموقف الذي عبر فيه عن هذه التجربة فيكون الموقف وفقاً لمعنى هذه التجربة لذلك عدّت رسالة الأدب رسالة سامية إذا تسامى بها الشاعر الى قمم الفضيلة والبطولة والتضحية والخير بتناوله سير الأولياء وتضحيات الشهداء وفضائل العلماء وغيرها، كما أنه من العقوق بهذه الرسالة وجحدها إذا ما استخدمها الشاعر في معان منحطة وأن يسف بها الى مستوى منحدر كالمجون والخلاعة ومدح الظالمين.
|
|