قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أبناؤنا..كيف نشجِّعهم على الصّراحة؟
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * إعداد / إيمان عبد الأمير
حدث أن أحد الآباء سأل أولاده مرّة: هل تتحدّثون معي بصراحة في الأمور الخاصّة والأخطاء التي ترتكبونها؟
قالوا: كلا.
قال: لماذا؟ ما الذي يمنعكم؟
تجرّأ أحدهم وقال: سببان: الأوّل: (الحياء)، وثانياً: (الخوف)!
سأل الأب: الحياء ممّن؟
قال الإبن الجريء: منك؟
قال الأب: لماذا تستحون منّي، ألستُ أنا أبوكم الذي فتح لكم آذان قلبه قبل مسامعه؟
قال: لأنّنا نحترمك!
قال الأب: والخوف...؟
قال: لأنّنا نهابك.
قال الأب: أ تخافون أن أعاقبكم مثلاً؟!
قال آخر، وقد وجد الفرصة مناسبة للصّراحة: ليس الخوف من العقاب فقط، غضبك علينا أو شعورك أنّنا جلبنا لك عاراً ربّما يمنعنا من أن نصارحك بأخطائنا، ونحن لا نريد إغضابك!
هذا المقطع الذي نقله أحد الآباء ربّما يلخِّص حالات كثيرة مماثلة، وكأنّ الأب يسأل: كيف لي أن أحقِّق معهم قدراً أكبر من الصّراحة؟
بدايةّ... لابدّ من الإقرار بحقيقتين:
الأُولى: أنّ الشابّ أو الفتاة مهما بلغا من الصّراحة مع أبويهما، تبقى هناك مساحة غير مكشوفة (سرِّية) لا يكشف النقاب عنها، وهذه قضيّة ليست خاصّة بالشبّان أو الفتيات وحدهم، فنحن كأولياء أمور لدينا مثل هذه المناطق أو المساحات التي نحتفظ بها لأنفسنا.
الثانية: أفضل سبل الصراحة والشفّافية والمكاشفة أن نكون صريحين مع أبناؤنا، فصراحتنا تستقطب صراحتهم، ولذلك - وكما سبق أن أشرنا- فإنّ اعترافنا بأخطائنا سيدفعهم إلى الاعتراف بأخطائهم والصراحة اعتياد وعادة. كما أنّ الحديث الذي يأخذ طابع الأمثلة والأرقام والوقائع، مشجِّع على الصراحة أكثر من حديث العموميّات أو المفاهيم والأخلاقيّات المجرّدة.
ولذا، حتّى نزيح ستار الحياء قليلاً، لابدّ من أن نصل معهم إلى درجة أنّهم يحدِّثوننا وكأنّهم يتحدّثون مع أصدقاءهم، حيث يكون البعض أكثر حميمةً مع الأصدقاء من الآباء، لكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال تخطّي حدود الآداب والذوق العام، كما لا يعني - من الناحية المنطقية على الأقل – أن يتنافس الأب مع أفراد غرباء على الأسرة كأن يكونوا أصدقاء في المدرسة أو في النادي الرياضي أو... للوصول الى أعماق قلب ابنه!
أما عن (حاجز الخوف)، فلابدّ أن نتعامل مع الأخطاء برفق؛ لأنّ تجربة الشابّ الخاطئ مع أبيه الذي نهره بقسوة، وأنّبه بعُنف، وتجربة الفتاة الخاطئة مع أمّها التي لم ترحم ضعفها، بل وبّختها أشدّ التوبيخ والتقريع، ربّما لا يشجّع الشابّ أو الفتاة مستقبلاً على فتح باب الصّراحة مع هكذا والدين مخافة أن تكون المعاملة أسوأ.
بينما الأب الذي يحتضن ابنه كلّه بكلّ عيوبه ونقائصه وخصاله وخصائصه، ويتذكّر شبابه وضعفه وأخطاءه، وكيف كان الأسلوب الرقيق يساعده على تجاوز ضعفه وتفادي أخطاءه، وكيف كان الأسلوب الرقيق يساعده على تجاوز ضعفه وتصحيح أخطائه، والأمّ التي تستحضرُ تجربتها وهي فتاة، وكيف كان الصّدر الحنون يخفّف من وقع آلامها، والكلمةُ الطّيِّبة تخفّف من وطأة أخطائها وجهلها.
وقد لا أحصل على صراحة أولادي مبكِّراً لمهابتهما واحترامها والديهما، ولكنّني يجب أن لا أضغط للحصول عليها، فلن تأتي الصراحة مع الضغط الشديد، فهي كنبع الماء تتحرّك تحت السطح في انتظار أن تجد تربة رخوة لتعبِّر عن نفسها بعفويّة.
أسئلة التحقيق والمحقِّقين لن تجدي نفعاً، ونزع الاعترافات لن يوصل إلى نتيجة، إزرع المزيد من الثّقة، والمزيد من الحبّ والشّفقة، والمزيد من الصّراحة من جانبك والمزيد من العطف واللّطف وستبلغ غايتك، حتّى لو لم تبلغها، فإنّك تكون قد عملت ما ينبغي عمله، والنتائج ليست دائماً موافقة لحجم الطموحات.
ـــــــــــــــــــ
*من موقع (البلاغ)