لماذا الإمام الحسين (عليه السلام) مصباح هدىً ؟
|
*كريم محمد
من المعروف أن في جسم الإنسان نظاماً يدافع عنه ويحميه ويحول دون تسرب الجراثيم إليه أو السيطرة عليه، وإذا ما تزعزع هذا النظام في يوم من الأيام فإن الإنسان سيصاب بما يُدعى اليوم بمرض فقدان المناعة المكتسب (الإيدز) وهو المرض الذي يمنح مختلف الجراثيم القدرة على القضاء بسهولة على حياة الإنسان.
إن الله تبارك وتعالى حينما خلق ابن آدم، خلق له العين التي يبصر بها واليد التي يبطش بها والرجل التي يسعى بها، وخلق له اجهزة هي غاية في الدقة والاتقان، وخلق مع ذلك كله سياجاً رصيناً يتمثل في نظام المناعة الذاتية. وكذلك أوجد سبحانه وتعالى نظام الدفاع في داخل الإنسان، حيث زوّده بشبكة بالغة التعقيد من الأعصاب، فترى لكل خلية عصبية طرفين، طرفاً في المخ وآخر مثبتاً في أطراف الجسد، فحتى لو أن نملة على حقارة حجمها وصغر وزنها وقفت على إصبع من أصابع رجل الإنسان، فإنه سرعان ما ينكشف أمرها عندما تُرسل الاشارات الى المخ بسرعة خيالية، ثم ترسل الايعازات لكي تتحرك اليد -مثلاً- لتطرد هذا الجسم الغريب.
وقد أوجد الباري عزّ وجل العين الباصرة ليكون بمقدور صاحبها دفع الخطر عن نفسه ومحيطه، أما من لم يتمتع بالأذن السامعة أو قابلية الشم أو اللمس أو التذوق فإنه سيكون عرضة للهزيمة أو الانهيار أو الضرر على أقل تقدير، لأن نظامه الدفاعي قد حلّ فيه الخلل والنقص.
وفضلاً عن كل ذلك، هناك طاقة إنسانية كبرى يختزنها الإنسان ليستفيد منها في أشد الأوقات حراجة، وهي الإحساس المسبق بالخطر؛ هذا الاحساس الذي يوفر له القدرة على التصدي والتجاوز، هذا فضلاً عن قدرة العقل والتفكير لوضع الخطط واختيار الوسائل للدفاع.
وهذا الواقع نجده ايضاً في المجتمع، حيث يملك - بما آتاه الله- القدرة للدفاع عن نفسه عبر المميزات المادية والروحية والفكرية. ولعل أول عوامل انهيار المجتمع أو الدولة هو الافتقار الى هذه المميزات. فإذا كانت هناك دولة من جميلة وحسنة وراقية، لكنها تفتقر إلى جيش يدافع عنها أمام الاخطار الخارجية، أو انها تفتقر إلى الجهاز الامني الذي من طبيعته المسارعة في كشف الاخطار الداخلية، فإن مثل هذه الدولة تصاب بالعطب والانهيار غالباً.
ومن هنا فإن الصحة والأمان نعمتان لا يمكن الاستعاضة عنهما بأية مميزات أخرى، سواء على الصعيد الخاص أو العام.
إن الأمة التي تستطيع الدفاع عن نفسها، حيث تمتلك الشرف والإباء والحماسة وقدرة مقاومة الأخطار، تبقى شامخة وعصيّة على الاعداء. أما الأمة التي تفتقر إلى نظام دفاعي، أو لا تجد في قاموسها مكاناً لمعاني الشرف والحماسة والرغبة في التصدي، فإنها أمة سرعان ما تنهار وتذوب في مطامح الأمم الاخرى. وفي هذا الصدد، يقول ابن خلدون: (إن الدول إنما تقوم على أساس العصبية)، ومراده من العصبية الغيرة والحمية والشرف والاستعداد الدائم لمقاومة الأعداء والأخطار حتى الموت.
فالأمة التي تملك هذه القيمة، ويعرف أبناؤها أنّ هناك ما هو أغلى من الحياة والعيش لبضعة سنوات يبقى فيها المرء صاغراً، فانها تبقى ولا تنهار. هذه القيمة الإنسانية الراقية عبّر عنها أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) بقوله مخاطباً أصحابه: (فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين)، أي أن مصداقية حياة الإنسان لا تتحقق إلاّ بكونه منتصراً، وأن الموت يهيمن على الإنسان بكل ثقله مادام مقهوراً منهزماً وإن حلا له تصور كونه حياً.
هذا المفهوم جسده الإمام الحسين (عليه السلام) في صحراء كربلاء عندما واجهه جيش الضلالة والبغي، فتحولت تلك المواجهة والملحمة الخالدة الى منار ومصباح مضيء للأجيال وللتاريخ برمته، فهو لم يهرب من الموت ولم يستسلم له أو يسعى له طوعاً، إنما علّم الاجيال وعلمنا أن نكون في موتنا قاهرين، وأن لا نكون في حياتنا مقهورين أذلاء كما يريد ذلك أعداؤنا، وصدق أحد علمائنا الأجلاء عندما قال: لولا نهضة الامام الحسين (عليه السلام) وتضحياته، لتحوّل الدين الاسلامي اليوم الى ما يشبه المسيحية أو اليهودية، مجرد طقوس ومبانٍ أثرية ميتة لا روح فيها ولا حياة، يستذكرها الناس في أوقات المناسبات فقط، بينما الاسلام اليوم وفي ظل مفاهيم كربلاء وتضحيات الامام الحسين (عليه السلام)، نجده اليوم منيعاً محصناً والأهم من ذلك حيوياً ومعطاءً، وهذا ليس من بنات أفكارنا إنما من إقرار العلماء والمفكرين من غير اتباع أهل البيت (عليهم السلام).
|
|