بصائر مرجعية... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةُِاللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
الإصلاح بالتي هي أحسن صمام أمان المجتمع
|
*أنور عز الدين
هنالك معادلة وسنّة ثبتها الله تعالى في هذه الحياة، ألا وهي سنّة العمل والجزاء، فأي عمل قبيح وخاطئ لاشك أنه يُجازى بمثله، يُنتج ويورث عاقبة السوء، فمن يشرب ماءً ملوثاً أو أكل طعاماً فاسداً يمرض، ومن يرمي بنفسه من شاهق أو ألقى بنفسه أمام السيارات المسرعة، فانه لا محالة ستتهشم عضامه ويتحطم بدنه وربما تؤدي به الاصابات الى الموت، هذا على الصعيد المادي الملموس، كذلك على الصعيد المعنوي غير الملموس، فان من يشرب الخمر أو يرتكب جريمة الزنا أو يتعاطى الرشوة، فان هذه الذنوب وأمثالها ستنتقم من صاحبها سواء أكان عاجلاً أم آجلاً، ومن حيث لايشعر، ولعل ما نسمعه من الآثار السلبية المروعة للانحرافات الاخلاقية على كيان الأسرة، يكون دليلاً على ذلك.
وأحياناً تكون الذنوب والانحرافات على صعيد المجتمع وليس فقط في إطار الفرد، فنجد الذنوب والأخطار تتراكم وتتكاثر فيتمادى المجتمع في الغي، حتى تتحول تلكم الذنوب الى غيوم داكنة تحيط بهذا المجتمع، ولكن ليس بالضرورة أن تمطر هذه الغيوم عليه سوءاً، إنما تشمله مرة أخرى رحمة الله سبحانه وتعالى، حيث يحظى بفرصة أخرى علّه يعود الى رشده، إن الله يمهل لكنه لا يهمل، ولذا نجد الكثير من مجتمعات السوء تعيش تحت سماء زرقاء وتنعم على أرض خضراء، دون أن ينزل عليها العذاب أو النقمة التي نتصورها وبالشكل الذي يقلب سافلها عاليها، ويزول الظلم والاضطهاد والطغيان وكل المنكرات، والسبب في ذلك هو إن ثمة مهلة معينة منه تعالى ربما يأتي اليوم الذي يكتشف أن عليه العودة الى الله سبحانه وتعالى وأنه الأول والآخر، وليس شيء سواه.
جاء في الروايات إن النبي إبراهيم (عليه السلام) طلب ذات مرة من العليّ الأعلى أن يُريه ملكوته، ففتح الله سبحانه وتعالى له نافذة نحو الغيب، فأخذ ينظر ويطالع، فاصطدم بمناظر المنكر التي يقوم بها العباد، كأن رأى رجل وإمرأة على منكر، وآخر يرتكب جريمة السرقة، وآخر يهمّ بارتكاب جريمة القتل، فثارت ثائرته وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يوقف هذه المعاصي والمنكرات أو أن يقبض أرواح هؤلاء العصاة فوراً! فقال له الله سبحانه وتعالى: أصبر... فأنا خالقهم وأنا أمنحهم الفرصة علّهم يتوبون ويعودون الى جادة الصواب.
وهناك رواية تُنقل عن نبينا الأكرم (صلى الله عليه وآله)، أنه حينما حان ميعاد رحيله من الدنيا أنزل الله عليه ملك الموت، وقال له: ياملك الموت لا تدخل بيت النبي إلا بعد الاستئذان، فالمعروف إن كل البيوت يدخلها ملك الموت دون استئذان من أحد، فجاء ملك الموت الى دار النبي الأكرم وطرق الباب فذهبت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) وقالت: من الطارق؟ قال: أنا رجل فقير أريد زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)! فقالت: أن النبي في شغل عنك، فعاد مرة ثانية وثالثة حتى قال الرسول الأكرم: من الطارق؟ قالت (عليها السلام): رجل اعرابي، فقال لها (صلى الله عليه وآله): إنه ملك الموت، فإنه لم يستأذن على أحد من قبل، ولا يستأذن على أحد من بعدي، ثم قال النبي لملك الموت: أنصرف حتى يأتيني أخي جبرئيل (عليه السلام)، هناك نزل جبرئيل، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لي طلبٌ من الله تعالى قبل أن أرحل من هذه الدنيا، فقال جبرئيل: وماهو؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الشفاعة لأمتي، فصعد جبرئيل ونزل وقال: يا رسول الله العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى" فقال النبي (صلى الله عليه وآله): الآن قد طاب لي الموت، وقد حصلت على الشيء الذي أريده.
* الإصلاح إلى جانب البناء
وحتى لا تتحول ذنوب العباد وخطاياهم الى سُحب داكنة فتنزل مطر السوء وينتهي الناس كما حصل في أقوام سابقة في التاريخ، مثل قوم فرعون وثمود وعاد ونوح و... يأمر الله تعالى عباده الصالحين بحمل راية الإصلاح، فاذا كان مجتمع ما حريص على مصيره ومستقبله ومستقبل أجياله، يجب عليه أن يسير في خطين متوازيين:
الخط الأول: يسير فيه العاملون في السياسة والاقتصاد وجميع العاملين في القطاعين الخدمي والانتاجي.
الخط الثاني: المصلحون وحملة راية الإصلاح، ومهمة هؤلاء هي المراقبة وإصلاح ما يطرأ من اختلالات وما يحدث من ثغرات، وفي الوقت الحاضر يُسمى هؤلاء بـ(المعارضة)، وهو تعبير غير محبب، لأنه ربما يعطي معنى التشضّي والانقسام، وليس التكامل والتضامن الذي يرجوه منّا الاسلام، حيث تكون نتيجة الإصلاح هي صلاح الجميع ونجاتهم، وليس فقط نجاة ومصلحة (المعارضة).
لكن هل إن طريق الإصلاح سهل وسالك للسائرين؟
الجواب هو النفي، لأن هنالك استحقاقات ومعوقات في طريق الإصلاح لابد من مواجهتها، نظراً لأن عملية البناء واتخاذ القرارات والاجراءات وتنفيذ القوانين تتخللها مشاحنات وتقاطعات في مصالح لأشخاص وفئات متعددة، لذا فان القرآن الكريم يهدينا الى أمرين يتوجب على المصلح اتباعه: الأمر الأول أن تكون علاقته وصلته بالله سبحانه وتعالى أقوى وأكبر من أي طرف آخر، يقول تعالى "وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"، (هود/ 114). أما الأمر الثاني: فإن المصلح يحتاج الى الصبر والاستقامة، وفي سورة هود أيضاً في الآية (122) يأمر الله تعالى نبيه: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
تذكر لنا الروايات نماذج من حالات الانفعال وعدم الصبر حصلت لأنبياء الله مع أقوامهم، فيروى أن النبي نوح النبي صبر ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم دعا على قومه فأهلكهم الله سبحانه وتعالى، فكان بالقرب من النبي نوح حفيد الشيطان الأكبر، ولم يكن يفصله عنه إلا بطن واحدة، فقال له: ألم يشفق قلبك على هؤلاء الناس الذين عمّهم الطوفان وغرقوا في الماء؟!
ولهذا (الشيطان الحفيد) قصة طويلة، فقد تاب وآمن فيما بعد بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فقال في حديث معروف في كتاب (غرر اللآلي): فما زلت أعاتبه – النبي نوح- حتى بكى وأبكاني، وقال نوح: لماذا أعجلت؟! أي حتى النبي نوح الذي صبر قرابة الألف سنة على قومه وعندما حلّ العذاب بقومه تأسف على أنه دعا على قومه ولم ينتظر أو يمهلهم علّهم يعودون الى رشدهم، هذا بمعنى أن لاينسحب من يحمل راية الاصلاح من الساحة بمجرد سماع كلمة من هذا أو من ذاك، لأن الله لا يخيب سعي وأجر العاملين في سبيله وهو القائل سبحانه وتعالى: "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ".
*مجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إن مسألة الإصلاح وإزالة الفساد بكل ظواهره وتجلياته، ليست عملية فردية تتعلق بشخص واحد، إنما هي عملية جماعية تخصّ عامة المجتمع، والمعروف إن المنكر والباطل قد يرتكبه انسان واحد بغض النظر عن موقعه ومكانته في المجتمع، لكنه افرازات هذا العمل الخاطئ ستطال جميع افراد المجتمع، ولن يقتصر على صاحبه وحسب، وفي التاريخ هنالك عِبر كثيرة يشير اليها القرآن الكريم، فناقة صالح عقرها شخص واحد، لكن عذاب الله سبحانه وتعالى شمل الجميع لأنهم رضوا وسكتوا بما فعله ذلك الباغي ولم يقفوا بوجهه، جاء في سورة هود آية (115)، "َلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ"، والرسالة واضحة جداً، فان المجتمع الذي يحمل راية الإصلاح ويقف بوجه المخطئ والمعتدي، يسلم من العذاب الإلهي، وأيضاً من تبعات وافرازات الظلم والعدوان، واذا نظرنا الى واقعنا، سنجد الأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تحصى، فنتيجة لتراجع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نشهد وقوع المحن والمصائب على الشعب العراقي، وفي الآية اللاحقة من سورة هود يؤكد الله تعالى في كتابه المجيد هذه المعادلة "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ".
إن الظلم والمنكر يبدأ من أصغر حلقة في المجتمع وهي الأسرة، فنجد الرجل يظلم زوجته والزوجة تظلم أولادها والأولاد يظلم بعضهم بعضاً، ثم تتسع دائرة الظلم والعدوان لتشمل جميع شرائح المجتمع، حتى باتت ظواهر الظلم مألوفة بين أفراد المجتمع، فلا أحد يتكلم عن الظلم الذي يلحق بالمرأة أو الطفل، بل إن المظلوم نفسه كأن يكون الطفل أو المرأة وغيرهما، لا يجدا ضرورة أو جدوائية من الشكوى الى أحد أو التبرّم أو التظلّم، كأن القضية طبيعية بل جزء من الحياة الاجتماعية في العرق!!
ترد أحياناً استفتاءات من بعض المناطق تثير الاستغراب لما تحمل من مظالم ومفاسد، تقضّ مضجع من يقرأها ويطّلع عليها، حيث الدماء المسفوحة على الارض والمظالم الاجتماعية والتجاوز على الحقوق، وربّ قائل: بأن الظلم والاعتداء لا يُرد إلا بالقوة، وهذا منطق مغلوط، لأن في هذه الحالة سيتحول المجتمع الى مجتمع ذئاب، فالذي يفترس الناس يواجهه الآخرون بالافتراس أيضاً، وهذا يتعارض من الكرامة الانسانية والمنطق السليم، لأن رد الظلم بالظلم لن يحل مشكلة، إنما يضيف مشكلة جديدة، وهي وقوع ظلم جديد، والأخطر من هذا تطبيع عمل الظلم والعدوان في المجتمع، ويسلم بذلك الظالم الأول لأنه يجد أمثالاً له كثيرين! ولذا فان القرآن الكريم نهانا عن هذا الخلق اللانساني منذ بداية الخليقة حيث قال هابيل لأخيه قابيل :"لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".
إن أئمتنا يعلموننا كيف نحافظ على حقوق الآخرين ونكون دقيقين في هذا المجال حتى لا يعمّنا الفساد والانحراف والمنكر بشكل لا يجعلنا نجد خشبة للخلاص من العذاب والكوارث.
كان الإمام الصادق (ع) جالس مع أحد اصحابه يسمى (أبو بصير) وعنده كتاب (الجامعة)، وهو يضم كل الأحكام الشرعية ومن جملتها (أرش الخدش)، وهي من الأحكام التي يتداولها الفقهاء في دروسهم وبحوثهم، وتعني ديّة الذي يضرب على يد الثاني، فقال الإمام الصادق (ع): يا أبا محمد... أتأذن لي؟! فقال له: تفضل يا مولاي، فوضع الإمام يده على يد أبو بصير وضربه ضربة خفيفة، فقال الإمام (ع): حتى هذا موجود في ذلك الكتاب، كم يجب عليّ أن أدفع لك! فقال ابي بصير: حتى هذا؟!! علماً إن الإمام لم يضرب على يد أبي بصير إلا بعد أن استأذن منه.
ولنا عِبرة في علمائنا الكرام الذين قدموا أروع الصور في صيانة حقوق الناس وكرامتهم، منهم الشيخ أحمد المقدس الأردبيلي (رضوان الله عليه)، أحد كبار مراجع الدين في النجف الأشرف، في إحدى الأيام، وفيما كان ذاهباً على دابته حيث لم تكن آنذاك وسائل النقل الحديثة، إلتقاه شخص في طريقه وقال له: إن كنت ذاهباً الى كربلاء، فهذه رسالة ارجو أن توصلها الى شخص هناك، وأعطاه العنوان، فقال: إن شاء الله... ثم أخذ المقدس الأردبيلي الرسالة و وضعها في جيبه، وضرب على الدابة ليرجعها من حيث أتى، فسأله ذلك الشخص: أغيرت رأيك في الذهاب الى كربلاء؟ فقال له الشيخ: كلا، لكني أكتريت الحمار لأذهب عليه الى كربلاء المقدسة ولم تكن معي هذه الرسالة، و لا أدري أيرضى صاحب الحمار أن أحمل هذه الرسالة معي على حماره أم لا؟
هكذا يكون الحفاظ على حقوق الناس، وهكذا يحفظ الناس أنفسهم من البلايا والرزايا من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس التمادي الاسترسال في هضم الحقوق والتطاول والتجاوز، بحجة عدم القدرة على (السباحة عكس التيار) كما يحلو للبعض التعبير بهذه الكلمات.
*حدود الإصلاح
إن الإصلاح أمر مهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم في المجتمع، لكن مع ذلك تبقى الحدود والأطر السليمة التي تحمل هذا الإصلاح الى حيث التطبيق، ذات أولوية وأهمية كبيرة، لأن إطلاق التصريحات والانتقادات هنا وهناك دون النظر الى الظروف الموضوعية والأجواء المحيطة بالمشكلة المراد معالجتها، يعطي نتائج عكسية، فضلاً عن تعرض المصلح للاصطدام بصخرة الفشل بشكل مفاجئ، نعم، نحن دعاة الإصلاح والتغيير الى الأحسن، لكن لنقرأ الآية المباركة التي تدعونا الى الاصلاح بالتي هي أحسن: "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل/ 125).
إن هذه الوصايا القرآنية النيّرة التي تشتمل على قوة المنطق، هي التي تجعل من المسؤول الفاسد أو الظاهرة الخاطئة في المجتمع، هدفاً سهلاً للتغيير والاصلاح، فذلك الذي يجلس على الكرسي ويتسنّم مسؤولية ومنصب ما، يجب أن يواجه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولو كانت ثمة طريقة أخرى لأشار اليها القرآن الكريم ولأوصانا بها أئمتنا الكرام، لنأخذ مثلاً سريعاً من عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام)، وهذه الأيام تتعلق بها وبمصابها في أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، وقفت أمام الطاغية عبيد الله بن زياد في الكوفة وهي مسبية وفي حالة يعجز اليراع من وصفها، فبادرها الطاغية بالقول: (كيف رأيت صنع الله بطاغيتك الحسين...)!! أمام هذا المنطق المنافق والمسموم والاستفزازي ماذا يجب أن يكون الجواب؟ وليفترض كل واحدٍ منّا نفسه في ذلك الموقف، كيف سيخرج من هذا الاستفزاز الوقح؟ قالت زينب فوراً: (ما رأيت إلا جميلا...)، فهي وأهل بيتها لم ولن ترَ من الله تعالى سوى الجميل والاحسان والكرامة.
وهنا نتساءل: هل الحكمة والموعظة الحسنة تنسجم مع إذاعة المشكلة أو المفسدة على وسائل الاعلام والتشهير بصاحبها؟! هذا العمل ليس فقط سيجرئ صاحب الخطأ ويجعله في موقف دفاع ومحاججة، بل يؤدي أيضاً الى الشماتة من قبل الآخرين الذين يراقبون وسائل الاعلام، لأن لا يجهل أحد لاسيما الرجل المصلح والمرشد، أن الفضائية وشبكة الانترنت ليست مكبرة صوت تنقل صوت المتكلم الى مسافة معينة، بحيث ينقطع الصوت عمن هو أبعد مسافة، إنما وسائل الاعلام اليوم عبارة عن ساحة مفتوحة على جميع سكان الكرة الارضية، وأي ظهور أو كلام في هذه الزاوية من الأرض سيكون لها صدى في الزاوية الأخرى من الكرة الأرضية، فان كان الكلام صالحاً يحمل الحكمة والموعظة الحسنة، كما أمرنا القرآن الكريم، فنعمّا هي، وإن كان طالحاً ويحمل التشهير والقدح فان شيئاً لن يتغير، والمثل يقول : (كل شيء يزداد عن حدّه ينقلب ضده).
من هنا يجب أن نعلم بأننا خطاؤون وجلّ من لا يُخطئ، حتى الخطيب أو المحاضر ربما يخطئ في آية قرآنية كريمة، فعلى الجالسين عنده أن ينبهوه على خطئه، أو قد يسهو إمام الجماعة وخلفه العشرات أو حتى المئات من المصلين، فبدلاً من أن يجلس للتشهد يقوم الى الركعة الأخرى، فعلى المصلي خلفه أن يقول فوراً: (أشهد أن لا إله الا الله... أشهد أن لا إله إلا الله...) حتى يذكر الإمام بالركعة الثانية أو الرابعة والأمثلة على ذلك كثيرة. إذن، على المجتمع الاسلامي أن يتأدب بآداب الله وآداب الأنبياء وأخلاق محمد (صلى الله عليه وآله) وأئمتنا المعصومين) (عليهم السلام)، إن الإمام الحسين (ع) جاء الى كربلاء وهو يعلم أنه سيستشهد لكنه جلس مع أبن سعد في خيمة واحدة ينصحه.
إن الفوضى والضجيج والصراخ يُعد عصا في عجلة الاصلاح الحقيقي في المجتمع، لنرمِ الأنانيات والحزبيات والطائفيات بعيداً، فمن يقول أنا، عليه أن يحتفظ بها يوم الحساب والميزان في يوم القيامة، ليكون هناك واثقاً ومطمئناً من العبور على الصراط، ولعل هذا الوضع وهذا النمط من التعامل هو الذي أدى بنا الى الوضع المزري والمأساوي الذي يعيشه العراق والعراقيون، حتى بلغ الأمر أن يقتل أناس في مدينة هيت بمحافظة الانبار، وفي منطقة عشائرية لا يدخلها غريب، فقد وضعت عبوة ناسفة بقرب غرفة نوم عائلة وتسبب الانفجار في موت أم المطلوب!
إذن، فلابد من الحوار والتفاوض والجدال بالتي هي أحسن لحل جميع المشاكل والأزمات وفي مقدمتها مشكلة الارهاب في العراق، وإذا القينا نظرة على التاريخ السياسي المعاصر نجد إن كل الحروب المدمرة والطاحنة التي راح ضحيتها الآلاف بل الملايين من البشر، انتهت وتوقفت على (لا غالب ولا مغلوب)، أي ان الجميع جلسوا على طاولة المفاوضات وانتهى كل شيء! فلماذا لا نفعل الشيء نفسه في العراق، ونضع حداً لأسلوب العنف والشجار والحرب الكلامية، حتى ينعم أهل العراق بالأمن والاستقرار على الصعيدين المادي والمعنوية.
|
|