من هم أبناء النبي إبراهيم (عليه السلام)؟
|
*يونس الموسوي
عندما يعجز المفسرون عن بيان معنى الآية والمراد منها يقفزون عليها، وكأنهم لايرونها لأنهم يعلمون علم اليقين إن علومهم قاصرة عن فهم الآية أو إدراك مغزاها، أو أنهم إذا دخلوا وتعمقوا في معناها سيميلون يميناً وشمالاً ولايصلون فيها إلى حق، ومن جملة الآيات التي قفز عليها مفسروا المسلمين ولم يعطوها حقها هذه الآية المباركة "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحـج/ 78).
وقليل من كتب التفسير هي التي توسعت في بحث هذه الآية وفي الأغلب مروا عليها مرور الكرام وأنهم فسروها بشكل غير صائب، وأما الكتاب الذي توسع في تفسيرها وهو كتاب (إبن عاشور)، وهو من أبناء العامة، فبعد أن يبين المقصود من أول الآية وهي بشأن الجهاد يأتي لبيان معنى الاجتباء ويقول: "هو اجتباكم"، إن حملت على انها واقعة موقع العلّة لما أمروا به إبتداء من قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا" (الحـج/ 77) لأنه لما اجتباكم، كان حقيقاً بالشكر له بتلك الخصال المأمور بها، و(الاجتباء): هو الاصطفاء والاختبار، أي هو اختاركم لتلقي دينه ونشره ونصره على معانديه، فيظهر أن هذا موجه لأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اصالة – يقول ابن عاشور- ويشركهم فيه كل من جاء بعدهم بحكم إتحاد الوصف في الأجيال كما هو الشأن في مخاطبات التشريع.
وإن حمل قوله "هو اجتباكم" على معنى التفضيل على الأمم كان ملحوظاً فيه تفضيل مجموع الأمة على مجموع الأمم السابقة الراجع إلى تفضيل كل طبقة من هذه الأمة على الطبقة المماثلة لها من الأمم السالفة وقد تقدم مثل هذين المحملين في قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" (آل عمران/ 110) وأعقب ذلك بتفضيل هذا الدين المستتبع تفضيل أهله بأن جعله ديناً لاحرج فيه لأن ذلك يسهل العمل به مع حصول مقصد الشريعة من العمل فيسعد أهله بسهولة امتثاله، وقد امتن الله تعالى بهذا المعنى في آيات كثيرة من القرآن منها قوله تعالى: "يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة/ 185) و وصفه الدين الحنيف، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، (بعثت بالحنيفية السمحة). و(الحرج): الضيق، أطلق على عسر الأفعال، تشبيهاً للمعقول بالمحسوس ثم شاء ذلك حتى صار حقيقة عرفية كما هنا، و(الملّة): الدين والشريعة.
وقد تقدم عند قوله تعالى: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" في (سورة النحل/ 123) وقوله: "وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي" (سورة يوسف/ 38) وقوله "مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ" (سورة الحـج/ 78) زيادة في التنوية بهذا الدين وحضّ على الأخذ به بأنه اختص بانه دين جاء به رسولان ابراهيم و محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لم يستتب لدين آخر، وهو معنى قول النبي الأكرم (أنا دعوة أبي إبراهيم) أي بقوله: "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ" (سورة البقرة/ 129) وإذا كان هذا هو المقصود فمحمل الكلام أن هذا الدين دين إبراهيم، أي إن الإسلام احتوى على دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أن للإسلام أحكاماً كثيرة ولكنه اشتمل على مالم يشتمل عليه غيره من الشرائع الأخرى من دين إبراهيم.
ثم إن كان الخطاب موجهاً إلى الذين صحبوا النبي صلى الله عليه و(آله) وسلم فإضافة أبوة ابراهيم اليهم باعتبار غالب الأمة، لأن غالب الأمة يومئذ من العرب المضرية وأما الأنصار فإن نسبهم لاينتمي إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لأنهم من العرب القحطانيين، على أن أكثرهم كانت لابراهيم عليهم ولادة من قبل الأمهات وإن كان الخطاب لعموم المسلمين كانت إضافة أبوه إبراهيم لهم على معنى التشبيه في الحرمة واستحقاق التعظيم كقوله تعالى (وأزواجه امهاتهم) (الاحزاب، 6) ولأنه أبو النبي محمد صلى الله عليه و(آله) وسلم ومحمد له مقام الأبوة للمسلمين وقد قرئ قوله تعالى: (وأزواجه أمهاتهم) (الأحزاب،6) بزيادة وهو أبوهم.
ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه (وآله) وسلم على طريقة التعظيم كأنه قال: "ملة أبيكم ابراهيم" والضمير في "هو سماكم المسلمين" عائد إلى الجلالة كضمير "هو اجتباكم" فتكون الجملة استثناءاً ثانياً، أي هو اجتباكم وخصكم بهذا الإسم الجليل فلم يعطه غيركم ولايعود إلى ابراهيم.
لقد نقلنا جميع ما جاء في كتاب (إبن عاشور) بخصوص هذه الآية الكريمة لأنه الأوسع والأشمل لتفاسير المسلمين كافة، ولكي نجد المجال لمناقشة ما جاء به من الآراء، فان معظم المفسرين يذهبون إلى أن الاجتباء في الآية تشمل المسلمين كافة، وهو رأي غير مصيب، لأن الاجتباء لايكون للعامة وإنما للخاصة وهم المعدودون الذين يجتبيهم الله عزوجل لأداء مهمات معينة ولايصح أن يكون الله اجتبى المسلمين كافة، فمن المسلمين من هو صاحب كبائر وجرائم ومنهم من سيدخل نار جهنم ويمكث في قعرها، حاله كحال فرعون ونمرود وهامان، فهل يعقل أن يجتبي الله أمثال هؤلاء؟!
لكن المحاججة الكبرى تكون في القسم الأخير من الآية حيث يقول رب العزة ".. ملة أبيكم ابراهيم" وقد هاج وماج المفسرون في هذا القسم من الآية وكما رأينا في تفسير (ابن عاشور) انه يقول في أبوة ابراهيم مرة أنه أبو للصحابة، ومرة يقول أبو للمسلمين ومرة أبو للنبي محمد(ص)!
ومن غير المعلوم ما وجه الدلالة حول أبوة النبي ابراهيم (عليه السلام) للصحابة؟ وكيف يكون ابراهيم أباً للمسلمين؟
إن هذا القسم من الآية ".. ملة أبيكم ابراهيم" هو الذي يفسر القسم الأول (.. هو اجتباكم) فالذين يخاطبهم الله عزوجل في ملة أبيكم هم أنفسهم الذين اجتباهم، نعود ونتساءل من الذين خاطبهم الله بقوله ملة أبيكم؟ هل هم الصحابة؟ أم هم المسلمين؟ أم هو رسول الله (ص)؟
لايوجد دليل عقلي أو ديني بأن ابراهيم هو أباً للصحابة أو المسلمين وإنما كل الدلائل العملية والدينية تؤكد على أن إبراهيم عليه السلام كان أباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، فلماذا خاطبه الله تعالى وقال: "ملة أبيكم إبراهيم" فالمعني بهذه الآية ليس رسول الله (ص) وحده وإنما يضاف إليه أبنائه من أهل بيته عليهم صلوات الله، فهم أبناء إبراهيم بحكم العقل والعلم، وهم الشهداء على الناس ولا أحد غيرهم، فهم الذين اجتباهم الله عزوجل بحكم هذه الآية وهم أبناء إبراهيم(ع) وقد ورد في تفسير (نور الثقلين ج3، ص60)، و في (أصول الكافي) علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن إبن اذينه عن بريد العجلي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ" قال: إيانا عنى ونحن المجتبون، ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من حرج، فالحرج أشد من الضيق "ملة أبيكم ابراهيم"، إيانا عنى خاصة، "هو سماكم المسلمين"، إن الله عزوجل سمانا المسلمين من قبل في الكتب التي مضت وفي هذا القرآن "ليكون الرسول عليكم شهيداً وتكونوا شهداء على الناس"، فرسول الله صلى الله عليه وآله الشهيد علينا بما بلغنا عن الله تبارك وتعالى، ونحن الشهداء على الناس يوم القيامة، فمن صدق يوم القيامة صدقناه ومن كذب كذبناه.
وهناك مئات الروايات والأحاديث التي تسند هذا المعنى فضلاً عن ما ذكرنا بأن كل عاقل يقول بأن النبي وآله عليهم صلوات الله هم ابناء النبي إبراهيم عليه السلام ولا غير.
|
|