التسامح أقوى علاج على الإطلاق
|
*فؤاد الجشي
عندما نفكر في التسامح نصطدم بعقبات نفسية تتفاعل داخل صدورنا وحرباً قائمة بكل مقوماتها تشتعل على مدار الساعة واليوم احياناً، حيث تجتمع كل قطاعات الأركان العسكرية من سلاح الجو، وسلاح البر، وسلاح البحر، بل وحتى تكنولوحيا الفضاء، مع جميع الألوية والأركان لوضع الخطط ورسم نقاط الضعف والقوة للعدو بحرفة ودقة مع تحضير المعلومات الاستخباراتية كافة وبسط جميع الخرائط الأرضية والجوية مستندين على ثلاثة مبادئ أساسية هي: الاتصال - المراقبة - السيطرة لتسديد الضربة تلو الضربة، حينها تصدر الأوامر الى وزير الدفاع (الشيطان الأصغر) أن يمارس واجباته في تنفيذ وتعديل الخطط للتصدي للعدو بكل قوة مستخدماً احدث التكنولوجيا للهجوم والدفاع فى آن واحد، وتتقدم كل القطاعات العسكرية بناءً على اوامر الحاكم (الشيطان الأكبر) بالبدء بسحق وحرق البشر والمعدات العسكرية للطرف الآخر.
لو فكرنا قليلاً لوجدنا النفس تتطابق مع ما ذكرناه من خيالات وهمية مدروسة من قبل الشيطان الرجيم لفئة من البشر الذي يوسوس لهم بعمل شيء ما. وقال تعالى: "إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا".
وهنا سؤال: هل الحروب والنفس العدائية المبنية على الكره العقيم، لها نتيجة مفيدة وعاقبة حسنة؟ إن معظم إن لم نقل جميع الصراعات والنزاعات تنتهي الى الفشل والخسران للطرفين، ناهيك عن الدمار والخسائر الفادحة لاسميا اذا تطورت الأمور الى مراحل ساخنة، والدليل هو إن النزاعات عادةً ما تنشأ من أسباب عرقية أو قومية أو قبلية أو طائفية، لكن ما أن يمضي زمنٌ على النزاع وتستجد أمور في السياسة، نجد هذا الطرف يحادث و يزور ذاك الطرف الآخر الخصم الذي كان بالأمس القريب العدو اللدود، إنها حاجة الانسان الى أخيه الانسان أبداً في ظروف وحالات مختلفة. وليس أدلّ على التضامن الذي تبديه دول إزاء دول أخرى تتعرض لكوارث طبيعية، وكانت الى وقت قريب على عداء شديد. وقبل هذا وذاك دعت جميع الأديان على مبدأ التسامح في قوله تعالى: "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" (الأعراف /199).
*الأثرالخالد للسماحة
هنالك قصة معبّرة تُحكى عن القيمة العظيمة للتسامح وأثرها الطيب والخالد في الحياة على العكس من العداء والكراهية.
يُروى أن صديقين كان يسيران في الصحراء وخلال الرحلة تجادل الصديقان فضرب أحدهما الآخر على وجهه إلا أن الرجل المعتدى عليه تلقّى الضربة وكتم ألمه ولم ينطق بكلمة واحدة، ثم كتب على الرمل: اليوم ضربني أعز أصدقائي على وجهي!!
واصل الصديقان السير في الصحراء إلى أن وجدا واحة فقررا ان يستحما وفجأة علقت قدم الرجل المعتدى عليه في الرمال المتحركة وكاد يغوص ويموت ولكن صديقه أمسك به وأنقذ حياته من الموت المحقق، وبعد أن نجا من الموت قام وكتب على قطعة من الحجر: اليوم قام أعز أصدقائي بإنقاذ حياتي! هنا سأل الصديق (المعتدي) لماذا في المرة الأولى عندما ضربتك كتبت على الرمال والآن عندما أنقذتك كتبت على الصخرة؟! فاجاب صديقه: عندما يؤذينا أحد علينا ان نكتب ما فعله على الرمل حيث رياح التسامح يمكن لها ان تمحوها ولكن عندما يصنع أحد معنا معروفاً فعلينا ان نكتب ما فعل معنا على الصخر، حيث لا يوجد اي نوع من الرياح يمكن ان يمحوها.
ربما تكون السماحة والعفو كلمة ومنقبة جميلة وصفة حميدة يتمناها كل انسان مؤمن، لكن في نفس الوقت هي بحاجة الى جهد وتحمّل وصبر كبير جداً، ربما تكون أثقل على الانسان من حمل أطنان من الحديد، وكما يُقال بأن (جراحات السنان لها إلتآم ولا يلتأم ما جرح اللسان)، وهي خير حجة ومبرر لدى البعض بعدم امكانية التسامح مع المعتدي و المسيء، لكن لا تؤخذ الأمور ولا تُحل دائماً بهذه الرؤية، لاسيما اذا كان أمام الانسان المؤمن مصالح عليا وأهم، تكون فوق المصلحة الفردية، حيث تكون مصلحة البلد والمجتمع والأهم؛ مصلحة الدين والقيم الاخلاقية، ولا أعتقد إن يكون هناك انسان مؤمن مستعد لأن يضحي بالقيم الاخلاقية ومصلحة شعبه مقابل أن يفرغ شحنة غضبه وانتقامه على شخص أو جهة معينة لأنها أساءت اليه وآذته. ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) قدوة حسنة.
*كاتب من السعودية
|
|