قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

محمد عمارة وتكفير الشيعة
د.أحمد راسم النفيس (*)
"يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً، حَسَدَةُ الرَّخَاءِ، وَمُؤَكِّدُو الْبَلاَءِ وَمُقْنِطُو الرَّجَاءِ. لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيق صَرِيعٌ، وَإلى كُلِّ قَلْب شَفِيعٌ، وَلِكُلِّ شَجْو دُمُوعٌ". الأمام علي بن أبي طالب(ع).
هجمة ضارية يتعرض لها شيعة أهل البيت(ع) هذه الأيام في (أم الدنيا) التي يصر البعض على أن يجعل منها مرتعا لارتكاب أمهات الكبائر. وآخرها قيام الدكتور محمد عمارة (المفكر الرسمي) بتكفير الشيعة في تصريحات قال فيها: (الشيعة يدينون بدين آخر غير الإسلام وهذه قضية لا يمكن السكوت عنها) كما نوه بدوره في محاربة التشيع قائلا (إن مجمع البحوث يتلقى سنويا سيلا من الكتب الشيعية التي تنهال على مصر ويتم رفضها لما تحتويه من تكفير الصحابة) زاعما أن (الشيعة يكفرون الصحابة ويكفرون الأشاعرة «أهل السنة»). ولكي نعرف مصداقية الدكتور عمارة وأمانته العلمية والدينية يمكننا أن نرجع إلى أحد أهم مؤلفاته وهو كتاب (مسلمون ثوار) حيث نراه يشن هجوما على الأشاعرة القائلين بخلق أفعال العباد قائلا: (من أبرز التحولات الفكرية ذات الصلة الوثيقة بالتحولات السياسية التي صاحبت الحكم الأموي ظهور الفكر الجبري الذي يرى أن الإنسان لا حول له ولا طول فيما يصدر عنه من أفعال وأن أفعاله هذه مخلوقة ومقدرة من الله ومحكوم بها سلفا ومن ثم استخدمت هذه العقيدة في التخفيف من بشاعة الظلم التي زخر بها المجتمع حينئذ وكان الجبر عقيدة لكثير من العرب في الجاهلية فجاء الإسلام ليقرر للإنسان الإرادة والاستطاعة والحرية والاختيار ثم جاء الأمويون ليشجعوا الجبرية كي يبرروا به ما أحدثوه في حياة المسلمين).
إنها الرؤية التي جرى اعتمادها عقيدة رسمية للأمة من قبل صلاح الدين الأيوبي (عقيدة الجبر والاستبداد السياسي) لأنها كانت وما زالت تلبي حاجات الديكتاتوريات العربية المتعاقبة التي لم يتغير إلا اسمها في حين بقي الجوهر والمضمون واحدا. ولا ندري من نصدق: عمارة القديم القائل بالعدل الإلهي أم عمارة الجديد المنافح عن الجبرية السياسية الأشعرية!!.
يقول الدكتور عمارة (في القديم طبعا): (كان علي بن أبي طالب يطمح للخلافة وتؤهله لذلك مؤهلات كثيرة ليس مكان الحديث عنها هذه الصفحات ولكن قريشا كانت له بالمرصاد فاجتمع رؤساؤها على اختيار أبي بكر وكان قبل الإسلام وزيرا في حكومتها ومن بعده كان عمر ابن الخطاب مستبعدين عليا وقد قالها عمر بن الخطاب بصراحة: إن الناس قد كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة وإن قريشا اختارت لنفسها فأصابت). يبدو واضحا من كلام الرجل أنه كان يهيئ نفسه للحديث عن مؤهلات الإمام علي (ع) في (صفحات أخرى) وعن الطريقة التي واجهت بها قريش محمدا وعليا ولكن الظروف حالت بينه وبين القيام بهذه المهمة ثم جاءت تطورات المنطقة لتقلب اتجاه الريح ليجد السيد الدكتور نفسه في الاتجاه المضاد شاهرا سيفه مصلتا قناته على كل من سولت أو تسول له نفسه الحديث عن هذه المؤهلات أو عن بعض ما ألقت به قريش تحت أقدام النبي (ص) ومن بعده علي (ع) من أحجار وأشواك واعتبار كل هذا كفرا بواحا ليس له من الله سلطان !!.
ها قد عدنا إلى الزمان القرشي، زمن التسول بالريال والدولار وها هم قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً، وَلِكُلِّ قَائِم مَائِلاً، وَلِكُلِّ حَيّ قَاتِلاً، وَلِكُلِّ بَاب مِفْتَاحاً، وَلِكُلِّ لَيْل مِصْبَاحاً. وها هم قَدْ هيّأُوا الطَّرِيقَ، وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ. فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ، وَحُمَةُ النِّيرَانِ (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
(*) باحث وكاتب مصري