ثقافة الحوار مقدمة لبناء الديمقراطية
|
وليد المشرفاوي
تشكل ثقافة الحوار الإطار العام ومقدمة لبناء أسس الديمقراطية، وتدخل هذه الثقافة ضمن اللبنة الأولى من لبنات احترام الرأي والرأي الأخر، ومفهوم ثقافة الحوار يحيلنا إلى قضية معرفية للبحث عن عمق مفهوم هذا التعبير, حيث يشكل العقل الأساس الذي يعتمد عليه منطق الحوار، وقد شكلت الحقبة الزمنية الفائتة في العراق تراكماً من التطبع والإصرار على إلغاء الآخر وشطبه، واللجوء إلى استعمال الخطابات البعيدة عن الواقع والمنطق، وانتهاج سياسة التخوين والتكفير والاتهامات، وفتح النار على المخالفين، في سلوك بعيد جداً عن السلوك الديمقراطي والحضاري الإنساني، بعيدا عن لغة الحوار ومبادئ ثقافته. ويمكن أن ترتكز ثقافة الحوار على قدرة الإنسان في التفاعل مع الآخرين، من خلال اعتماد القدرة على الحوار والاستماع إلى الرأي الآخر، والقابلية على احترام وجهة النظر المعارضة بغية التحاور، بالإضافة إلى القابلية على طرح الأفكار بشكل عقلاني ومنطقي سليم يعتمد البساطة، وتهدف المجادلة من أجل الوصول إلى القواسم الإنسانية المشتركة في أية قضية تطرح للحوار، وتلك القدرة يتميز بها الإنسان دون غيره، ويبدو للمتابع أن ضعف ثقافة الحوار وتردي الالتزام بها في مجتمعنا، ليس نتيجة للتراكمات السلبية للتناحر السياسي الحزبي أو التناقض الاجتماعي والطبقي، بل هو نتاج خليط لتلك الحقبة الزمنية الطويلة من التربية السلبية الاجتماعية التي امتزجت زمنا طويلا، لتشكل تلك النتائج الهجينة في السلوك وتردي لغة الحوار وبالتالي انعكاس ذلك حتى على التربية الأسرية داخل البيت، وتعداه إلى المدرسة والمجتمع.
وكما يبدو أن ظاهرة إلغاء ثقافة الحوار التي استقرت في حقب زمنية متفاوتة، وأن خضعت إلى ظروف المجتمع وثقافته، ألا أنها انتشرت بين أوساط العمل السياسي والاجتماعي، حتى باتت ظاهرة سلبية من ظواهر المجتمع، بل صارت سيفا حاداً مسلطاً بين أوساط المجتمع الملتزم بقيم وأعراف وتقاليد متزمتة وبائدة، من الصعب التمرد عليها أو مخالفتها، فهي تقيده وتحدد حركته، ولهذا فقد باتت عملية إلغاء الآخر وشطبه والتطرف في محاربته، واللجوء إلى أساليب التهميش والتسقيط، وغرس الخنجر في الأعراض والشرف والطعن بالعائلة والسلوك الاجتماعي، لما لها من تأثير نفسي كبير لدى العراقيين بشكل خاص، جميعها أساليب تعني الارتداد والنكوص عن ممارسة الفهم الإنساني في عملية الحوار.
اليوم اننا أمام تنافر وتعارض بين تلك المفاهيم التي استقرت زمنا ليس بالقصير وتطبع المجتمع على الالتزام بها سلوكا وممارسة، وبين تلك الرؤى والأحلام التي طالما أردنا أن تكون سلوكنا الجديد في الزمن الجديد، والأرضية التي تقوم عليها ثقافتنا، وحين تحل القيم الجديدة في ثقافة الحوار، فأن العديد من الوسائل والأشكال العاملة في مجال الفكر والخطاب السياسي والأعلام سيلتزم حتما بخطوطها المضيئة، لأن إلغاء الآخر والعمل على شطبه سيكون حينها ضربا من ضروب انتهاك حق الإنسان في الفكر والعقيدة والاختلاف، وإلغاء لحقوقه المنصوص عليها دستوريا التي يكفل حمايتها القانون.
وبعد كل هذا فأن لإشاعة ثقافة الحوار وتعميمها في أوساط المجتمع دورا مهماً في ترسيخ أسس هذه الثقافة في المجتمع.
|
|