من يعارض السنّة الإلهية ويتمادى في ظلمه لن يكون آمناً من انتقام المظلومين
|
*إعداد / بشير عباس
يبقى الامن هاجس البشرية اليوم... ولان اسلحة الدمار قد تنوعت ولان العالم اصبح مندكاً ببعضه حتى لكأنه قرية صغيرة، فان الانسان لا يستطيع ان يحضى بالامن الشخصي او الاجتماعي بعيداً عما يجري في العالم كله. لان يد الجريمة باتت اليوم قادرة أن تمتد الى كل بيت، واساليب المكر والكيد والتآمر قد تطورت الى درجة لا يستطيع الانسان ان يحس بالاطمئنان والسكينة اينما كان، كما ان حوادث العالم تؤثر بعضها في بعض الآخر الى درجة عظيمة، ومن هنا بات الامن العالمي هاجس انسان اليوم.
إزاء كل ذلك، نجد المعنيين من زعماء ومسؤولين كبار في العالم مرة يتحدثون عن الامن امام حوادث الطبيعة فما يسمى في لغة القرآن الكريم بـ(الضراء)، كالزلازل والاعاصير والبراكين والفيضانات، وكل يوم نسمع اخباراً غير سارة من اطراف العالم بضحايا هذه الحوادث الطبيعية. او يتحدثون عن الامن أمام تهديد البشر انفسهم متمثلاً في عصابات الجريمة المنظمة او عصابات الاتجار بالمخدارت وغيرها. وبالتالي يحق لنا ان نطرح التساؤل التالي :
ما هي رؤية الدين الاسلامي فيما يتصل بالامن؟ وما هي بصيرة القرآن الكريم؟ وبالتالي ما هو امر الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا رحمة بنا ويريد لنا الخير؟
التوحيد .. الحصن الآمن للإنسان
ربنا يبين ذلك في سورة الانعام وفي حوار جرى بين النبي ابراهيم (ع) وبين قومه ومعروف ان هذا الحوار ليس فقط بين هذين الاثنين وانما هو لكل يوم. قال لهم ابراهيم: لماذا تعبدون النجم و القمر والشمس؟ قالوا: نخشى من نحس الكواكب فنعبدها ونسجد لها! فقال لهم ابراهيم عليه السلام: الذي خلق الكواكب من شمسس وقمر ونجوم وهو الذي يدبرها أحق بالعبادة من هذه المخلوقات. لذا فانه عليه السلام قال: "إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، بمعنى اني وجهت وجهي لمن هو الاكبر، فالشمس تجري لمستقر لها بامر الله والقمر يدور في فلكه باذن الله والكواكب تجري في مسارها بامر الله، فلماذا اتوجه الى الثانويات واترك الخالق الذي فطر السموات والارض حنيفاً طاهراً بعيداً عن الشرك وعن الشك. فقال له قومه: ألا تخاف من الحكومة ومن النظام الحاكم بعد ان حطمت الاصنام وتركت دين آبائك أي المجتمع السابق؟ "وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله" بمعنى؛ انكم تحتجون على من يعبد الله، وتصوبون من يعبد القمر او الشمس او النجم؟!! ان الله هداني اليه: "ولا اخاف ما تشركون به الا ان يشاء ربي شيئاً"، حينما يريد ربي بيّ شيئا يتحقق، لكن ما تشركون به لا يغني عنكم شيئاً أمام قضاء الله وقدره، "وسع ربي كل شيء علما افلا تتذكرون" ثم قال عليه السلام: "وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً".. يعني عبدتم شيئا ما امركم به الله في عبادته اطعتم شخصا ما امركم الله بطاعته، "فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون".
وهنا يحاجج النبي ابراهيم باسلوب عقلي ويحفّز في ابناء قومه الفطرة الالهية. فأي انسان عندما يداهمه الخطر في حلّه وسفره، الى من يلتجأ ليضمن نجاته؟ ولنتفرض انه على متن طائرة مع رئيس جمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة، ثم تتعرض الطائرة وهي في الجو لخلل فني ويكون هنالك احتمال للسقوط والانفجار، فهل يلجأ الركاب الى رئيس الجمهورية والقائد الاعلى؟ انه ربما يكون الاكثر خوفاً ورعباً من الحادث الطاريء ! في هذه الحالة ستزول كل المسميّات والالقاب ويتحول الجميع الى عبيد ضعاف لا يقوون على شيء امام رب العزّة والجلالة والقادر على كل شيء. كذلك الحال بالنسبة للعلاج من الامراض المستعصية وحتى البسيطة، فعندما يصف الطبيب الدواء او الارشاد الى مركز التحليل لمعرفة تفاصيل المرض، فهل يتشبث المريض بالطبيب لأن يضمن له الشفاء او يتوسل بالطبيب الجراح ان ينقذه من الموت خلال العملية الجراحية؟ ان جميع الجراحين في العالم يتجنبون التطمين واعطاء نسبة (100%) لنجاح العمليات الجراحية، بل يتركون هامشاً بسيطاً او نسبة معينة للفشل لأنهم بشر في كل الاحوال والخطأ وارد، كما ان صعوبة الحالة قد تعجزهم عن النجاح. لذا نجد المؤمنين يتوجهون المسجد او الجامع للتوسل الى الله تعالى، او من هو قريب من المراقد المقدسة يتوسل هناك بالمنزلة التي يحضى بها أهل البيت عند الله ليرفع عنهم المكاره ويحل الشدائد.
ثم يقول تعالى: "الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون".
إن عبارة "ولم يلبسوا ايمانهم بظلم" بحاجة الى توقف وتأمل...
ربما يكون هنالك انسان نظيف وطاهر من الناحية الظاهرية، لكن يده ملوثة ببعض الاسواخ، لذا نجد الذباب يأتي ويركز على هذه البقعة المتسخة وليس غيرها. كذلك الحال من الناحية المعنوية والروحية للانسان المؤمن، فانه قد يكون مؤمناً وصالحاً وخلوقاً، لكنه يحمل قليلاً الشرك، وبهذا القدر والنسبة القليلة، سيترك الشرك أثره في نفس هذا الانسان. من هنا تأتي حاجتنا الدائمة والمستمرة للتذكير والتنبيه.
ذات مرة كان النبي عيسى (ع) يمر بارض كربلاء غير عارف بحقيقة الارض التي يمر خلالها، واذا بصخرة تعيق قدمه فيعثر وتدمى رجله، ينظر ويقول: (الهي...! هل صدر منّي خطأ أعاقب عليه)؟ لانه عليه السلام يعلم بان الانسان لايصاب بشيء الا من خلال غفلة يتعرض لها، او عمل مستحب يتركه. فيأتيه الجواب: كلا يا عيسى... انت اليوم نظيف ولا شيء عليك، لكنك الان على ارض كربلاء. فيقصّ تعالى لنبيه قصة هذه الارض وما يجري عليها من المكاره والفجائع على أهل بيت خاتم الانبياء، بمعنى ان من يمرّ بكربلاء لابد ان يعتصره الهمّ والغم او يصاب بمصيبة تأسياً بمصاب ابي عبد الله الحسين عليه السلام.
فالانسان اذا حصلت لديه ملابسات شركية في حياته وكان رجلاً مؤمناً، فان الله سيطهره فوراً من خلال التنبيه والتذكير، بان عندك اليوم غفلة وتركت بعض الواجبات... لذا يشعر الانسان المؤمن المواظب على الاعمال الصالحة بالنداء الخفيّ في حال تركه تلكم الاعمال او الغفلة عنها، وهذه بحد ذاتها تُعد رحمة للانسان منه تعالى ولذا يقول في الآية الكريمة: "ولم يلبسوا ايمانهم بظلم"، أي انهم لم يظلموا أحداً ولم يظلموا انفسهم كذلك، والمصحلة: "اولئك لهم الامن وهم مهتدون"
المعتقلات خرّجت الارهابيين
لقد خلق ربنا سبحانه وتعالى الكون ضمن نظام وسنن ثابتة لاتقبل التغيير او التحويل، ومن يخالف هذه السنن يصطدم بالفشل ويعاقب في هذه الدنيا قبل الاخرة. وليس بالضرورة ان يرى الانسان او يلمس هذه السنن بحواسه، لكنها موجودة وسائدة في الحياة. مثال ذلك نظام الجاذبية، أو معادلة الوقاية والعافية، وغيرها من الانظمة والمعادلات التي اكتشف بعضها الانسان وما يزال يجهل الكثير منها، وعليه ان ينتبه في ممارسة حياته أن لا يصطدم ويتواجه معها حتى لا يقع في الازمات والمشاكل.
ومثال ذلك في الوقت الحاضر (اسامة بن لادن)، هذا الانسان الذي قام بممارسات خاطئة لن له في الوقت نفسه امتدادات خاطئة ايضاً، فقد خلفت آثار تدميرية في مناطق كثيرة، حتى يمكن القول ان (الزرقاوي) في العراق كان يشكل احد اصابع بن لادن، وهذا الاصبع في رقبته عشرات الآلاف من الارواح التي ازهقت والدماء التي سفكت في العراق، هذا الى جانب ما حصل في افغانستان من قتل الناس الابرياء وما حصل في باكستان من هدم المساجد والحسينيات وقتل الابرياء وما حصل في مصر وفي كل مكان من العالم، كله تدمير وقتل، كلها من نتاج انسان واحد، وعليه ينطبق حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (بشر القاتل بالقتل). وكان مصيره القتل حقاً.
لكن هنا يطرح السؤال الملحّ... هل العالم اصبح اكثر أمناً بعد مقتل هذا الرجل الذي كان يقود هذه المجاميع الارهابية؟ اقول بلى.. ولكن هل العالم اصبح الان آمناً ولن يحتاج الى شيء آخر، اقول كلا...
حسب الرؤية القرآنية، فانه ما دام الظلم سائداً، "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ"، فان الامن يكون مفقوداً، وهذه سنّة الهية، فالذي يظلم احداً حتى وان كان بعيداً عنه، لن يتمكن من النوم براحة، فمادمت قد ظلمت احداً فاستعد لليوم والساعة التي ياتيك جواب ذلك الظلم، وقبل هذا الحديث الذي تنقله الصحف وتبثه الفضائيات، كتبت (35) سنة كتاباً تضمن هذه الفكرة؛ انه ليس باستطاعة احد ان يعيش مرتاح البال وقرير العين في بيته وهنالك أناس مظلومون ومحرومون ومستضعفون، وبالفعل حصل ما حصل في العراق. فيما نحن نطمح لعالم بلا ظلم، عالم بلا اضطرابات وبلا مشاكل وبلا اراقة دماء.
لاحظوا منشأ ومنبع قيادات تنظيم (القاعدة)، في أي بلد نشأ هؤلاء المجرمون؟ ان القيادة الحالية لهذا التنظيم من مصر وهو ايمن الظواهري، وهو طبيب مصري، تعرض للاعتقال والتعذيب في عهد النظام البائد، الى جانب عشرات من المعتقلين الذين ذاقوا اصناف التعذيب القاسي والانتهاك للاعراض والحرمات. إذن؛ السجون والظلم هو الذي خرج الارهابيين الى المجتمع. واكثر بلد عربي تعرض للعمليات الارهابية هو العراق، والسبب يعود الى وجود الحاكم الظالم، فالنظام البائد وبسبب ظلمه وعناده وتجبره أوجد حالة من التعطّش الى الدماء لدى البعض من المجرمين وشواذ المجتمع. احدهم بعد اعتقاله اعترف ان وراء موت (500) انسان في العراق، انه شخص واحد ويقتل هذا العدد الكبير! ان هذه الدموية لدى هذا الانسان امتداد لدموية النظام الصدامي البائد الذي أنتج أمثال هؤلاء. وعندما لا نفكر بطريقة التعامل فيما بين الحاكم وشعبه، او بين افارد الشعب انفسهم، فاننا نواجه هكذا مصيراً مظلماً ومآلاً مأساوياً.
من يقف مع آل خليفة زائل
ما يجري في البحرين مثال آخر عن السنّة الالهية في خلقه. فالدم يطلب الدم وهذه مسألة لا جدال فيها. وقد بلغت الحالة الوحشية ان يعتقل نائب منتخب في البرلمان البحريني وبعد ايام يعيدوه الى أهله جثة هامدة بعد ان مات تحت التعذيب. أو يعتقلون فتيات من مدارسهن ثم يسلمون جثامينهن الى اهلهن بعد ايام! أو يغلقون جمعية رسمية كجمعية العمل الاسلامي ويعتقلون رئيس الجمعية سماحة الخطيب الكبير حجة الاسلام الشيخ محمد علي المحفوظ هو و اولاده.
من هذا المنبر اقول استلهاماً من الآيات القرآنية ان هذا النوع من الظلم المضاعف والوحشية والهمجية، سينتج بالحقيقة دماء في المستقبل. والدم يتطلب دماً و(بشر القاتل بالقتل)، والناس حتى هذه اللحظة خيارهم هو التظاهر بشكل سلمي، ولم تدعي حكومة البحرين حتى الان أن الشعب حمل السلاح، لكنهم طالبوا باسقاط النظام الفاشل والجائر والفاسد، ولا يريدونه للحكم، بعد ان قضّى حوالي مئة سنة في سدة الحكم. وهنا احذر اولئك الذين يضعون يدهم في يد هذا النظام بانهم بهذه الطريقة يشتركون مع هذا النظام في جرائمه، لذا عليهم الانفصال عنه فهو زائل ومنهار، كما حصل لشاه ايران وما حصل لصدام وبن علي وحسني مبارك وهنالك اسماء تنتظر على حافة الهاوية. فلم تنفعهم الدبابات التي جاءت من هنا وهناك.
وإزاء هذه المعادلة على الجميع ان لا يكيل الامور بمكيالين، وان يكون منصفاً امام التاريخ والاجيال، لكن الغريب حقاً من بعض الفضائيات التي تتحدث عن الدبابات في بلد ما، ويقولون ان هذه الدبابات دخلت كذا مدينة.... لكن هذه الفضائيات تحجم او تتغافل عن التطرق الى دبابات اخرى وتدخل عسكري مشابه من بلد عربي الى بلد عربي آخر وتصطدم مع الجماهير المعترضة والمحتجة المطالبة بحقوقها. ومن شواهد الكيل بمكيالين، تصريح وزير الخارجية الفرنسي الذي قال مؤخراً: (ان الحاكم الذي يطلق الرصاص على شعبه يفقد شعبيته...)، ونحن نؤيده على ذلك، لكننا في نفس الوقت نطالبه بتطبيق هذه المقولة على حكّام البحرين الذين أمروا باطلاق الرصاص على المتظاهرين، وهنالك مشاهد مصورة بثها الاعلام، لكنه وغيره يحجم عن ابداء رأي معارض او مستنكر.
الشيعي لن يركع أمام الظلم
ان العالم برمته يلتزم الصمت إزاء المظالم والمشاهد الدموية لأن الذي يتعرض لها هم اتباع اهل البيت عليهم السلام، فلا تغطية اعلامية كافية لهم، ولا مواقف سياسية لصالحهم كما في سائر الاحداث التي تشهدها البلاد الاسلامية. وكلمتي للعالم؛ ان الشيعة لن يبقوا مظلومين طوال التاريخ، إن شعبنا لا يقبل الظلم والذل لانه تعلم من إمامه الحسين (ع) ان يقول كلمته الصاعقة (هيهات منّا الذلة)، وبهذا الشعار فان الشيعي وفي أي مكان في العالم لن يركع بل ويعلم غيره على عدم الركوع. نحن اولاد الحسين ونحن من تربى في مدرسة فاطمة الزهراء (ع). هذه السيدة العظيمة ورغم انها فجعت برحيل أبيها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وتعرضت لكل ذلك الظلم والتعسف والوحشية، إلا انها لم تتخلّ عن الدفاع عن الحق فتوجهت الى مسجد النبي وضربوا بينها وبين اهل المسجد حجاباً، فوقفت في لمّة من نسائها واخذت تخاطب بفم مليان وبقوة وتخاطب العالم بان المسلم لن يركع ولن يُذل ولن يسكت على الباطل.
نحن حينما نجلس في عزاء الزهراء (ع) انما نجلس اكراماً لها ولجلالها واستلهاماً منها، واذا درسنا التاريخ بأمانة ودقة نلاحظ اكثر الحركات الثورية الرسالية حماساً في التاريخ، تلك التي انتسبت الى الصديقة الزهراء (ع). فاطمة وما ادراك ما فاطمة....! لذا ادعو المؤمنين في كل مكان الاهتمام بالشعائر الفاطمية. ان حياة الامة الاسلامية مدينٌ لفاطمة وصرختها بوجه الباطل، فهي التي وقفت وطالبت بالحق المبين لأميرالمؤمنين عليه السلام، وهي التي رسمت طريق ابي عبد الله الحسين (ع)، لذا عندما نزور الامام الحسين عليه نقول: (السلام عليك يا ابن رسول الله السلام عليك يابن امير المؤمنين السلام عليك يا بن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين). ان انتساب الحسن والحسين و زينب للصديقة الزهراء ليس بالامر السهل، فعلى هذه الاسس قامت اركان الدين وقوي المسلمون.
من هنا اذا اراد العالم الامن لا بد ان يرفع ظلم الحكومات وظلم الشعوب لبعضها البعض وايضاً ظلم الانسان لنفسه، فكلما استطعنا ان نبعد شبح هذا الظلم كلما تمكنّا من توفير الامن لانفسنا وشعوبنا وبلداننا.
|
|