قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

هيبة النظام من كرامة شعبه
علي البحراني
يعتقد الحكام في العالم غير الديمقراطي الذين استولوا على السلطة إما بالانقلاب أو بالثورات الوصولية أو بالتوريث، أن شعوبهم حتما ستطالب بحقوقها يوما، لذلك عليهم أن يسلبوا شعوبهم الكرامة والعزة والإرادة وينتهكوا حقوقهم، متوهمين أنهم بذلك يصنعون هيبة أنظمتهم فيجندون نصف الشعب جاسوسا على النصف الآخر، وبذلك يضمنون كسر هامة الشعب وسلب كرامته وتحطيم إرادته، متوهمين عدم التمرد على انظمتهم القمعية بهذه المفاهيم، هذه الأنظمة ومثلها تدخل في حالة تحد بينها وبين شعوبها بدل الامتزاج والود فترفض أن تلبي أي مطلب لشعوبها صغيرا كان أم كبيرا بحجة الحفاظ على هيبة النظام وعدم الرضوخ لمطالب الشعب الذي يجب أن يكون مقهورا على الدوام لضمان سلطة النظام عليه، وتلك أزمة بين ما تحمله تلك الأنظمة من مفاهيم الحكم وبين متطلبات الشعب فتصنع لها حمما بركانية خامدة جراء الضغط الممارس ضد شعوبها لا تعرف متى ستنفجر.
لقد رأينا كيف انفجرت تلك الحمم في تونس ثم مصر وها هي في ليبيا وفي اليمن والبحرين و سورية، إن الوهم الذي تعيشه الأنظمة العربية أنها تكون قامعة لكي تبقى! هو محض سراب، ولن تتحصن من هذه الثورات سوى بكسب حب الناس لها وتلبية مطالبها والحفاظ على كرامتها وعزتها ورفاهها وتغيير مفهوم النظم الحاكمة من متسلطة على رقاب شعوبها إلى خادمة لها ساهرة على راحتها منفقة مالها على خدمات شعوبها غير سالبة لإرادتها، بهذا ستضمن حب شعوبها لها وستكون بمأمن من التأزم والاحتقان اللذين سببتهما حالة القهر والاضطهاد لم يذيل اسم حاكم عربي بسابق حتى الآن. لقد ذيل بمخلوع أو مقبوض عليه أو هارب. (...). في الوطن العربي يغيب هذا المفهوم تماما فلا سابق لدينا، بل مطرود بالانقلاب عليه أو مخلوع بثورة شعب، هل هي حالة تضخم الذات عند الحاكم العربي ليجد في نفسه أنه الوحيد الأوحد ذو العبقرية الفذة التي لا يجاريه أحد فيها في وطنه، متوهما أنه صمام الأمان والاستقرار لذلك البلد وأن البلد من غيره سيدمر كما رأينا من تصريحاتهم في الثورات السابقة؟ أم انها حالة الشعب المدجن الذي ارتضى لنفسه الذل والهوان واستمرأ الاستبداد والاضطهاد، فما عاد يشعر بالكرامة ولا العزة والارادة بعدما سُلِبها، وكلتا هاتين الحالتين أثبتت فشلها وسقوطها في ثورات الشعب العربي، فلا حصن لحاكم ما لم يحبه شعبه ويحب شعبه ويمتزج الحبان بتلبية متطلبات الشعب بمواءمتها ومتطلبات الشعوب المتحضرة.
كتب أحد الولاة إلى الخليفة يطلب منه مالا كثيرا ليبني به سورا حول عاصمة الولاية، فقال له :ماذا تنفع الأسوار؟!. حصّنها بالعدل، وقِي طرقها من الظلم.