من وصفات شهر رمضان المعنوية
(بنسلين) لشفاء ما في الصدور
|
*عبد الحسين عباس
حينما لا يرى الانسان سوى النور لا يشعر ابداً بأهميته، ذلك إنّ الذي يعيش في الظلمات يفقه جيداً أهمية النور .
كذلك الانسان الذي لا يرى الصِعاب و لا يخوض المشاكل، لا يعي ابداً كم يعيش بنعمة، وماذا تعني النعمة لديه إذ انه لم ير النقمة. فما الغنى لولا الفقر و ما الشبع لولا الجوع و ما الارتواء لولا العطش و ما الصحة لولا السقم و ما النور لولا الظلمة .
أخي القارئ...! لا أريد أن آخذك الى اناس عاشو قبل مئات السنين و لا الى آخرين يعيشون في الصحاري و البراري والقفار، انما آخذك الى نفسك، اروي لك قصتي لكي تفكر انت في ذاتك تصور انك انا و انا انت، فكل البشر سواسية ولابد ان تنالك سهام الغيب يوماً .
اني و مذ وعيت على الحياة لم ارى النقمة، رأيتها ولكني لم أرها.
كان ايماني متأرجحاً، لا اقول لم أكن اصلي، ولكن صلاتي كانت بلا خشوع و صيامي بلا اخلاص و عملي بلا يقين. كانت ساعاتي مقسمة بين ربي وقلبي! عيناي اشبعت مما حرم الله، اذناي امتلأت بما نهى الله، وحصائد السنتي تفوق كلاهما و يداي تفعل المحرمات .
و رغم اني مرضت الّا اني سرعان ما شفيت و لم ازل كذلك حتى مرضت بمرض اعياني فهو ليس كسابقه كنت اتجرع الآلام و الغصص و لم ازل متنقلاً من طبيب الى آخر حتى انتهى بي المطاف الى طبيب حاذق فوصف لي بجرعة من البنسلين علّها تشفي مابي.... و حينما جاء ليزرقني (الابرة) وقبل أن يبدأ شعرت باحساس غريب لم يحدث لي من قبل، شعرت أني على سرير المغتسل وكأن الطبيب هو من يغسلني ولم أبال بما شعرت وقلت لنفسي متحدياً فليكن ما يكن فانا اقوى من ذلك، ولم ابال حتى زرقني الابرة وهناك حدث ماكان ينتظرني: بدأت اذني بالصفير و كأنّه انذار اخير وبدأت الدنيا بالدوران و لم اعد أفقه اي شيء قلت: اتتني انها الساعة...!
كان كل شيئ رمادي اللون تندمت كثيراً على كل ما اقترفته في حياتي. شعرت هناك كأن الارض غير الارض و السماوات تبدلت و انطوت صفحة حياتي. انها النقمة...! رغم انها دقائق ولكن مرورها كما السنوات، هناك عرفت كم انا ضعيف، هناك عرفت كم أن ربي رحمني اذ رزقني السلامة طول عمري. هناك تبت و قلت بكل وجودي: "رب ارجعون لعلي اعمل صالحاً" .
آه... آه... كم شقيّ أنا العاصي. لم ابالي برقيب عتيد، لم ابالي أن ربي اقرب لي من حبل الوريد، لم أبالي بجهنم ولم ادر ما العقارب و الثعبان و النيران و طعام من ضريع.
آه... آه... كم اعطاني الله في حياتي؟
الصحة تاج عرفت الآن قيمتها، و العافية كنز فهمت الآن اهميتها، وعرفت قيمة اهلي وولدي و مالي و قرابتي ..
الآن قررت أن ازيل احقادي، الآن قررت أن لا اعصي رباً رحيماً غفوراً كريما، "الان و قد كفرت من قبل"!
أفقت بعد غيبوبة بسبب ضعف في بدني و قلت مع نفسي (ها قد عدت فلننظر ماذا تفعل)؟!
حقاً انني عرفت الحياة بعد أن شعرت بالموت ولم تكن تلك الابرة سبب موتي ولكنها احيتني اذ أني كنت حياً في الظاهر ولكن قلبي كان ميتاً، فقد أحيتني جرعة (البنسلين).
وتساءلت مع نفسي حينها أنه لو كان للجسم (بنسلين) يزيل الالتهابات و يمحق الأمراض أيعقل أن لا يكون للروح (بنسلين) ينظفها من الاوساخ و الادران ؟
فما هو بنسلين الروح...؟! انه شهر رمضان فهو يمحي الذنوب و يزيل الاحقاد و يمحو الصفات الرذيلة. فكم من شقيّ اصبح سعيداً هنا، و كم هم اولئك الذين كانت اسماؤهم في الاشقياء فمحيت و كتبت مع الانبياء والسعداء، و ذلك بفضل (البنسلين) و الآن اتمنى منك اخي القارئ ان تفكر مثلي وتتوب في هذا الشهر الفضيل و تؤوب الى ارحم الراحمين لأنه عزوجل يقول في كتابه المجيد: "قُلْ ياعِبادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُواعَلىأَنْفُسِهِم لاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَميعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيمُ" (الزمر /53)، وقوله تعالى: "نَبِّئ ْعِبادي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحيمُ" (الحجر /49).
وها نحن في هذا الشهر الفضيل لنستثمر الفرصة لكي لا تكون غصّة، و نتوب الى الله انه كان توابا رحيما.
|
|