من أين نبدأ...؟
|
*الشيخ حيدر الشمري
من المسلمات الواضحات والتي لا تحتاج الى بيان هي ان الغاية التي بُعث بها الانبياء وجميع المرسلين هي تغيير السلبيات المجتمعية والفردية وتحويل الطاقات والقدرات من خلال الهندسة البنائية التي تدعو الانسان الى الرقي في الكمال والصعود، الى درجات القديسين والى قوة ايجابية صالحة في المجتمع.
لكن السؤال هنا؛ على يد من تتم عملية التغيير هذه؟
من المناسب التأكيد على اننا لانتحدث عن الجانب الفردي والتغيير السلوكي الذي يخص الفرد بل المهم في حديثنا الجانب المجتمعي الذي يخص سلوك الافراد جماعةً، واستغنائنا عن ذلك الجانب كون علمية التغيير بالنتيجة لابد ان تبدأ من السلوك الفردي. لكن يبقى السؤال؛ اذا ما احتجنا الى التغيير، هل ننطلق من البناء الفوقي أي من أعلى الهرم؟ أم ان البناء والتغيير ينطلق من القاعدة الجماهيرية، أو بتعبير آخر؛ هل التغيير يبدأ من الجماهير أم من القيادة؟
لعلنا اذا استحضرنا الحديث النبوي الشريف يمكننا التماس الاجابة الشافية: (صنفان من أمتي ان صلحا صلُحت الامة وان فسدتا فسدت الامة: العلماء والامراء). ومن الواضح ان العلماء يمثلون الرأي العام، بل هم ضمير الجماهير ولسانه الصادح، وهذا ما تؤكده تجارب الثورات التغييرية في العالم، فجميع الثورات لم تنطلق إلا وهي متأثرة بخطابات هذا او افكار ذاك. وخير مثال على ذلك ماحدث في اوربا الصناعية حينما عصفت رياح التغيير فيها وقبل ذلك خلال الثورة الفرنسية عام 1789، فقد كانت الجماهير الاوربية تطوي مسيرة التغيير والتطور متأثرة بكتابات وافكار عدد من الفلاسفة امثال روسو ولوك وهوبز وخطابات ميرابو خطيب الثورة الفرنسية، وكذلك في عالمنا الاسلامي لنا شواهد من التأثير الكبير لعلماء الدين في حركة الجماهير، فهذه ثورة العشرين في العراق عام 1920 التي قادها المرجع الديني الميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي، والثورة الاسلامية في ايران التي قادها المرجع الديني السيد روح الله الخميني. هذا ما كان بالنسبة للعلماء. أما الامراء فانهم الطرف الاخر في معادلة التغيير، وهم يمتلكون اكثر الاسباب والوسائل للتأثير على القناعات والسلوكيات العامة، نظراً لاشرافهم المباشر على التصرف باموال وثروات الدولة، ولذا قيل: (الناس على دين ملوكهم).
وبما ان الجانب المادي يعد وتراً حساساً لفئات واسعة من المجتمع، فان التقرّب الى الحاكم او مدير الدائرة او الضابط وغيره من الامور ذات الاولوية لدى الكثير، واذا كان الحاكم والرئيس والزعيم يوماً ما، يؤلّه من قبل المتزلفين والمحتاجين في سالف الزمان، فان اليوم نجده على شكل حرص من البعض على مرافقة المسؤول والجلوس بالقرب منه وإن امكنه الحصول الى فرصة التقاط صورة معه لتكون له وثيقة تزكية ومفخرة امام اقربائه ومجتمع.
من هنا نعرف ان التغيير يبدأ من القمة الى القاعدة، ومن النخبة الى الجماهير، ومن علماء الدين الى عامة الناس. لكن العبرة بالنتائج أليس كذلك ...؟ فما مقاصد هذا التغيير والى أي ساحل تذهب النخبة السياسية اوالقيادة العلمائية بالمجتمع؟ هل الى دين الله كما فعل الرسول الاكرم لدى فتح مكة، ونزلت بحقه (سورة النصر)، حيث دخل الناس في دين الله افواجاً؟ و كما اهتدت ايران الى مذهب أهل البيت عليهم السلام بعد ان كانت على المذهب الاخر في عهد الدولة الصفوية التي جعلت التشيع المذهب الرسمي في البلاد؟ أم على شاكلة التغييرات التي شهدها العراق خلال القرن الماضي، حيث ساد الفكر الماركسي في عهد عبد الكريم قاسم، وسادت القومية في عهد عبد السلام عارف، ثم جاء دور البعث ليفرض هيمنته المقيتة طوال ثلاثين عاماً على العراق؟
هذا السؤال المحوري والعريض هو الذي يجب ان يشغل بال النخبة ومن لهم اسباب التأثير والتغيير في المجتمع، وإلا فان الناس في كل الاحوال – وبمعظمهم طبعاً- يكونون مشغولين بتوفير لقمة العيش لهم ولعوائلهم، وليست لديهم الفرصة دائماً لسبر غور علوم التاريخ والفقه والسياسة والاجتماع وغيرها. فالمسؤولية تقع على عاتق النخبة والمثقفين من ابناء المجتمع ليتحملوا المسؤولية، وهذا لايعني بأي حال من الاحوال ابعاد الناس عن مسؤوليتهم ودورهم في التغيير، إنما البداية والانطلاق هو المهم، ثم تبدأ القافلة بالمسير.
|
|