التدبر في (سورة الروم) - 2
مسؤولية العلماء تقديم رؤية القرآن الكريم لأحداث الساعة
|
*إعداد / زكي الناصر
لماذا خصّ الله تعالى بالذكر في سورة من القرآن الكريم، معركة دارت بين دولتين كانتا الأقوى في العالم آنذاك؟ وما العلاقة بين الحرب التي دارت بين الروم والفرس والمذكورة في السورة القرآنية الكريمة وبين اوضاعنا الراهنة؟ بل كيف نستلهم من هذه ا لسورة الكريمة ما يفيدنا لواقعنا؟
هذه الأسئلة جاءت في المحاضرة الثانية لدرس سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) في التدبر بسورة (الروم) وقال: (اذا كان القرآن كتاب هداية للبشرية و لكل آية علاقة مع واقع جديد في كل يوم جديد، لأن مثله كمثل الشمس تشرق في كل يوم على افق جديد - كما في الرواية ، فما هو الارتباط بين هذه الاية و بين حياتنا الشخصية)؟
و في سياق اجابته عن هذا السؤال تلى سماحته الآية الثانية من سورة الروم: "غلبت الروم * في ادنى الارض و هم من بعد غلبهم سيغلبون" حيث ذكر المعجزة القرآنية في اخبار بالمغيبات. حيث ذكر القرآن الكريم نبوءة غلبة الروم - الذين كانوا قد هزموا قبل ذلك- على الفرس بعد سنوات قلائل، و هذا هو الدليل الاعظم على صدق نبوة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله و معجزته الخالدة. ففي كل السور القرآنية التي ابتدأت بآية (الم) ذكر الله سبحانه وتعالى حديثا عن القرآن الكريم فكما في سورة البقرة "الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه" الا في سورة الروم، فكأن اخبار القرآن بغلبة الروم بعد سنوات عدة - و تحقق ذلك بالفعل- و هو حقيقة من الحقائق بديل عن الكلام عن صدق القرآن الكريم و حقيقته.
الرؤية القرآنية في الآية
لابد أن لا يرى الانسان مدى قوة الاعداء و وسائلهم المادية و جندهم، بل و عبر هذه الاية لابد أن يعرف ان هؤلاء سيخسرون و يُغلبون بعد فترة. فلابد ان لا ييأس الانسان لأنه يعرف ان الامور بيد الله و يمكن ان يتغير الوضع في اي لحظة. فالارتباط بين الآية المباركة و بين الواقع اليومي هو في هذه النقطة.
ثم يتساءل سماحة المرجع المدرسي عن السر في ذكر القرآن الكريم للحروف المقطعة في بداية بعض السور و منها هذه السورة؟ ويذكر عدة اجابات منها:
اولاً: معنى الحروف المقطعة هو ان الانسان لابد له ان يعرف مدى نعمة الله سبحانه وتعالى عليه فيما يرتبط بالكلام الذي يتكلمه، فكل حرف ينطق به بل و كل كلمة يكتبها هي معجزة من معاجز الله و نعمة من نعمه على الانسان. فكم من كلمة يستطيع الانسان ان يتكلم بها او يكتبها عبر هذه الحروف القليلة.
ثانياً: الحروف المقطعة هو سر بين الله سبحانه وتعالى من جهة و بين نبيه واهل بيته الكرام من جهة آخرى. ليذكر الانسان بأن القرآن لم ينزل على الجبال بل نزل على قلب النبي محمد ص فيجب عليه ان يرجع الى الرسول. فالنبي كما يصفه القرآن الكريم كان "يتلوا عليهم الكتاب و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة" فالانسان لا يمكن ان يصل الى معاني القرآن الكريم و اسراره - و منها الحروف المقطعة- الا بالرجوع الى النبي الاكرم، و بعده علي ثم الحسن ثم الحسين و من بعده الائمة الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، لكي لا يقول احد (حسبنا كتاب الله)! فلا يتوهم شخص انه يستطيع ان يصل الى علم القرآن من دون (اهل الذكر) لأن الله امرنا بذلك في القرآن قائلا (فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون).
مسؤولية العلماء ان يبينوا مواقف القرآن
من كان له ارتباط بالقرآن الكريم و نورانيته لابد ان يبين رؤى القرآن الكريم في حوادث الدهر و المستجدات من الامور و لا يخاف في الله لومة لائم. فاذا قال القرآن الكريم بان الظالم مهما اوتى من قوة ووسائل الا انه لابد ان يهوى و تنقلب الامور ضده "وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون"، عند ذلك لابد ان يصرح بذلك في كل مكان و امام العالَم جميعا.
و حينما نقرأ التاريخ نجد كلام عقيلة الهاشميين زينب سلام الله عليها الى الامام زين العابدين عليه السلام في عصر عاشوراء حينما رأته يجود بنفسه اخبرته بان لله عبادا سيحييون ذكر الحسين و ينصبون على مرقده علما مهما اجتهد ائمة الكفر في ازالته ازداد انتشارا. حينما نقرأ هذا الكلام نجد انه تنبأ قرآني ، لا يتكلم به الا من عرف بصائر القرآن الكريم و آمن بصدقه.
و هناك قراءة آخرى لهذه الاية و الاية التي تليها تفيدنا تطبيقا آخر من تطبيقات هذه السنة الالهية و شاهدا آخر على صدقها. حيث تقرأ "غَلَبت الروم" بالفتح. "و هم من بعد غلبهم سيُغلبون" و قد فسرت هذه القراءة في روايات اهل البيت عليهم السلام ببني امية، حيث كانت اصولهم رومية – لأن امية كان غلاما لعبد شمس اشتراه من الشام- . و كانوا قد غلبوا لكن ينبأ القرآن الكريم بأنهم "من بعد غلبهم سيُغلبون" . حيث لم يفكر احد عند ذلك ان تزول دولة بني امية، فيخبر الامام عليه السلام بهذا الامر عبر هذه الاية المباركة و هو دليل على صدقه.
|
|