الدعاء في القرآن الكريم
"وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"
|
*السيد صادق الحسيني
حينما تطلق نداءً عند مسيرك في(سوق الصفارين) الذي يكثر فيه الطرق و لا يكاد المرء فيه ان يسمع اي شيئ آخر فإنّ من الصعب أن توصل مرادك للمخاطب فكم ستحتاج من الجهد لذلك؟ كذلك الحال في النفس الانسانية التي تزدحم فيها الاهتمامات والاولويات، فمن الصعب ان تستمع النفس لنداء الفطرة الالهية.
نعم؛ ان في نفسك أخي القارئ ما يشبه (سوق الصفارين) بل و اسوأ منه، فلا يبرح المرء أن يخرج من هم الا ويدخل الى مثله، ولا يفرغ من شيئ الّا و ينشغل بآخر، ولا يصرف نظره عن شخص الّا و يملأه غيره. هكذا هي الحياة و هكذا هي النفس الانسانية، فكيف والحال كذلك يتمكن الانسان من الانقطاع عن كل هذه الامور ليصل العلاقة بربه و يناجيه؟ لا يمكنه ذلك الّا بالخشوع.
اننا ندعو دائماً في مناسبات عديدة، في مقدمتها وأهونها القنوت في الصلوات الفريضة، الى جانب التعقيبات وبعض الادعية المأثورة التي نقرأها احياناً – ان سنحت لنا الفرصة- وبشكل جماعي في بعض المحافل او الاماكن المقدسة. مثل دعاء كميل او دعاء التوسل وغيره. لكن هذا الدعاء التي نقرأه ونرفع خلاله ايدينا و رؤوسنا الى السماء يكفينا لأن نوثق العلاقة مع ربنا تعالى؟
ان القرآن الكريم يجيبنا عن ذلك بتأكيده على صفة (الخشوع) كشرط للعروج المعنوي والتسامي، حتى انها ارتبطت بفريضة الصلاة العظيمة، قال تعالى: "وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين". لذا نقول: الخشوع هو جذوة الايمان التي تلتهب في القلب و ينتشر شعاعها الى سائر انحاء السلوك. وهو يمثل صدق التوجه الى الله و عميق المعرفة بالنفس وعجزها و تقصيرها. و قد يُفهم ايضاً بأنه الانقطاع عن المخلوق و التوجه المطلق للخالق (عزوجل) .
فكلما فكرت في نفسك ستجد حقيقة الضعف عندك وكلما فكرت في آيات ربك و دلائله عرفت عظمته عزوجل عندها تعرف كم انت محتاج الى الله و تعرف ان لا شيء سواه سيقضي حاجتك ولذلك كان من صفات المؤمنين أنهم خاشعون لله حيث يقول عزوجل "وكانو لنا خاشعين" و هي اولى الصفات المذكورة في صفات المؤمنين حيث يقول ربنا "الذين هم في صلاتهم خاشعون" حيث اعتبر الخشوع صفة المؤمنين وليس اقامة الصلاة، و هذا ما يفترق به المؤمنون عن المنافقين حيث ان اولئك يعرفون الصلاة مجرد الفاظ وحركات لا روح فيها و لا معنى، بينما المؤمنون تظهر فيهم علامات الخشوع. من هنا كان الامام الحسن (ع) اذا توضأ اصفر لونه وتغيرت ملامحه حتى ينكره الذي يعرفه و في المقابل نرى ذلك الذي رأه النبي (ص) يلهو بلحيته وهو يصلي فقال الرسول الاكرم (ص): أما لو خشع قلبه خشعت جوارحه. صحيح أن الدين يأمر بالخشوع القلبي و ليس الظاهري و لكن ذلك الخشوع القلبي يبعث بخشوع الجوارح، يقول امير المؤمنين (ع): (ليخشع الرجل في صلاته، فانه من خشع قلبه لله عزوجل خشعت جوارحه فلا يعبث بشيئ).
ومعنى الخشوع في اللغة هو رمي البصر نحو الأرض مما نستفيد منه أدباً قرآنياً للدعاء حيث يمثل الخشوع حالة التواضع و الأدب الجسدي و الروحي للإنسان في قبال جبار السموات والأرض حيث يطرق رأسه الى الارض تواضعاً و خضوعاً لله تعالى.
و النفس الخاشعة لا تتكبر لأنه لو وجد في قلب الانسان ولو بمقدار حبة الخردل فانه سيمنع الخشوع كما ان النفس الخاشعة ابعد ما تكون عن قساوة القلب.
و الخلاصة؛ ان الايمان بالحقيقة هو الخشوع الذي يعني تسليم النفس الى ارادة الله من خلال الالتزام برسالته فالايمان حقيقة هو الخشوع الذي يعني تسليم النفس الى ارادة الله من خلال الالتزام برسالته و اطاعة اولياءه و للخشوع اثر بالغ في استجابة الدعاء فكلما استطاع الانسان ان يوجه قلبه اكثر الى الله ربما كان اقرب من الاجابة .
|
|