بين إفراطٍ وتفريط
|
د. حميد حسون
يحكى أن شخصا سمع أحدهم يناديه: يوسف، إن إبنك (موسى) قد مات. فما كان منه إلا أن رمى بنفسه من أعلى طابق في البناية. وبينا هو يهوي قال في نفسه: ولكن لا يوجد لدي ولد أسمه (موسى). وهوى قليلا فتذكر أنه غير متزوج. وبينما هو على وشك الارتطام بالأرض، قال: ثم أني لست يوسف.
كما يحكى أن (أم تحسين) جاءتها إحدى جاراتها تخبرها عن تعرض زوجها (أبو تحسين) لحادث سير. ثم سألتها عن سبب خروجه. قالت: ذهب ليشتري فاصوليا. قالت الجارة: والآن ماذا ستعملين؟ قالت (أم تحسين): سأطبخ باميا، وأمري إلى الله.
بين هاتين الصورتين تكمن مزية سائدة بشكل كبير في مجتمعنا. فإما أن نفرُط في الاستجابة، أو أننا نفرٌََُِِط فيها. ويكاد مجتمعنا أن يصطبغ بهذه الصفة المتطرفة في جانبيها. فنجدها في المجتمع من خلال التصرف بين الزوج والزوجة والأب والأبناء وبين الأصدقاء والأقارب والجيران وغيرها. كما نجدها في العلاقات الوظيفية والشؤون العامة. لكن أكثر ما تغيضنا حين نجدها عند سياسيينا ولكن بشكل مختلف. فالسياسي وعضو البرلمان وعضو المجلس وغيرهم من أرباب السياسة يتغاضون بالكامل عندما يتعلق الأمر بدعوتهم إلى أن يرعووا وأن يهتدوا إلى جادة الصواب. وكأن لا إحساس لهم. فعندما يمد السياسي يده لأموال الناس التي أودعها، أو عندما يلام لترشحه مرة أخرى بعد أن قصّر في المرة الأولى، أو عندما يسلك سلوكا انتهازيا، يجيب بمقولة: (سأطبخ باميا، وأمري إلى الله).
ولنا في الأمم المتقدمة أسوة، وهم خير من يوازن بين الإفراط والتفريط، ويسلك طريقا وسطا بينهما، يقبله العقل، وترتاح له النفس. فنرى وزيرا يستقيل من منصبه لمجرد تقصير موظف تابع لوزارته في أقصى حدود الدولة. كما نرى رئيس وزارة يستقيل ويُقيل وزراءه لتدني قيمة العملة في بلده. بينما نرى البعض من وزرائنا (الأشاوس) يدافعون عن أنفسهم من تهم لصقت بهم، دفاع المستميت.. ونحن على يقين أنهم هم السبب فيها وليس غيرهم، وهم يلقون باللائمة عن كاهلهم يمينا ويسارا، ويسيرون وفق منهج أسلافهم في التخلي عن كل مسؤولية أو لوم، وكأنهم باقون في مواقعهم أبد الدهر، وهم يقولون ما قاله مناصرو دكتاتورنا (على عناد بوش وفهد، صدام باقي للأبد)، وما أذله من شعار!!!
|
|