الرجل بعد سنّ الأربعين
|
*عبد الكريم العامري/ باحث اجتماعي
تعتقد الكثير من النساء أنهن الوحيدات اللاتي يشعرن بالتغيّرات النفسية والبدنية بعد إتمام سنّ الأربعين، إلا ان التجارب والابحاث العلمية دلّت على أن الرجال أيضاً يمرون أو يعانون من متغيرات كما النساء بعد سنّ الأربعين مع فارق الشكل والموضوع، فالتغيرات النفسية والأسباب المسؤولة عن هذه التغيرات لا يختلف فيها رجل الأربعين عن امرأة الأربعين في النوع، لكن قد يختلف في الدرجة، ومن ثم فإن المحاور التي تدور حولها نفسية رجل الأربعين هي ذاتها التي تدور بها امرأة الأربعين، وهي كالتالي:
أولاً: المظهر..
الميراث الاجتماعي يخبر رجل الأربعين أن (الرجال مخابر وليسوا مناظر) فهو سعيد بهذا إلا أن ذلك لا يمنع من أن هناك أزمات خريفية تظهر، فيقف أمام المرآة كما تقف المرأة، ويتحدث معها بأسى، فيرى الخطوط التي بدأت تحت عينيه. شحم بطنه بدأ يترهل. فتصيبه كآبة فقدان الشباب.
ويُعد الصلع أو تساقط الشعر ومشيبه من أهم تغيرات المظهر عند رجل الأربعين، انه أزمة جمالية، لذا يسعى جاهداً لأن يغير من مظهره علّه يعيدها الى مرحلة الشباب دون جدوى طبعاً، فيبحث عن زيوت أو مستحضرات طبية أو عشبية لمواجهة الصلع أو ما يساعد على تقوية الشعر بل حتى زرعه! ومن حسن حظ العراقي والخليجي استخدام غطاء الرأس الذي يخبئ الصلع، المعروف بـ(اليشماغ) أو (الغترة) و العقال، يجعلان الرجل يتحاشى رفعها إلا عند الضرورة.
ومن المعايير المزدوجة في مجتمعنا أن الشيب للرجل وقار، وللمرأة الكهولة وكُبر السنّ، لذا نجد الغالبية العظمى من النساء يخفين ما يظهر من بياض الشعر، وإذا كانت الرياضة وأصباغ الشعر أمراً شائعاً ومعلناً عند شريحة الشباب، إلا انها على الأغلب تكون سرية لدى شريحة الرجال حيث يعتنون بمظهرهم بشيء من السرية والهدوء حتى لا تبين آثار الزمن على وجوههم وأجسامهم، بينما يجدون أنفسهم مطمئنين من جانب زوجاتهم ضمن جدران البيت، لأن الزوجة تبقى تحب زوجها و تخلص له، فهي تتقبله مهما كان مظهره عندما يعود من مشوار العمل، وربما في أحيان كثيرة تتحمل ظروفه النفسية والمعنوية.
ثانياً: الحياة الجنسية والعاطفية..
إن الأجواء العاطفية في عشّ الزوجية يُعد أمراً مهماً عند رجل الأربعين، لذا يعيش دائماً هاجس التراجع والضعف عما كان عليه في سني الشباب والفتوة والقوة، وقد أظهرت الاستبيانات أن الرجال لا يعطون إجابات صحيحة عن قدراتهم الجنسية في هذه الفترة العمرية.
إن كلاً من الرجل والمرأة يتأثران جنسيا بسبب حالتهما النفسية التي تتحكم بها ظروف غالبا ما تكون خارجة عن إرادتهما، فهموم الحياة والصراعات والاحباطات و.... التي تواجه الإنسان كلها تخلق لديه شعوراً بالحزن والكآبة وفقدان الرغبة في الحياة.
إن هذا أيضا همّ المرأة، لكننا نتحدث عن فشل الحياة العاطفية و الجنسية. فالمرأة أكثر حظا في استيعاب هذه العوارض لأنها قادرة على عدم إظهارها في فراش الزوجية إن أرادت، فضلاً عن انها اقل اهتماما بالأوضاع خارج الدار، كذلك يكفيها نعمة التنفيس بالبكاء بأي صورة كانت.
كثيرات يتألمن و يجدن في التصريح بالعجز أو عدم الرغبة تهجما على أنوثتهن، و يَعزين الفشل الى أمر يتعلق بامرأة أخرى. وهذا التفسير الأكثر شيوعاً يؤزم الموقف أكثر خصوصا إذا قوبل بتهجم وصراخ من قبل الزوج المحرج، لكن العلاقة المتفهمة والدافئة بين الزوجين تجعل عارض الفشل العاطفي يكون مؤقتاً وقصير المدة، فالحياة الزوجية ملجأ ومرفأ، وهي الملاذ من ضغوط المجتمع كافة، أما اذا لم تكن كذلك، فان ضمور القوة الذكورية وتراجع الدفء العاطفي يكون أسرع.
ثالثاً: وضعه المادي والوظيفي..
يعد تعلق الرجل بوظيفته ومهنته ضمن الموروث الاجتماعي، لاسيما في مجتمعنا العراقي، فيربط ذاته بالعمل بحيث يصبح تقييمه من منطلق نجاحه في عمله والمركز الذي وصل إليه، حتى بات السيطرة على العمل قياساً لعقل الرجل، والسيطرة على البيت قياساً على عقل المرأة، ويمكننا ملاحظة المساحة التي يشغلها حديث كل منهما حول هذا الاهتمام. فإذا كان الرجل القديم يستعرض معاركه فخرا لأبنائه، فإن الرجل الحديث يعد تأثيره في عمله جزءاً من فخره، إن الأزمة تكون في مرحلة ما بين 45 الى 56 سنة، حيث قلما يوجد تغيير في خط المستقبل فالترقيات تتوقف ولا تجدد جذريا يمكن أن يثيره، ورغم ان التقاعد قد يكون أملا منتظرا أو شبحا مرفوضاً، إلا ان العمل ضرورة وأساسا لوجود الانسان، فكثيرا من الرجال يصاب بنكسة نفسية بعد التقاعد، لكن قد نجد بعض الكبار في السن يحملون روحاً شابّة ومرحة، لأنهم يواصلون الحياة برفقة أولادهم وأحفادهم، يرفدونهم بالعطاء والتجارب والخبرات، على أمل تحيق الأفضل.
|
|