قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
التقدم الحضاري مشروطٌ بالعودة الى الطريق الذي رسمه لنا الرسول الأكرم (ص)
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
ونحن نعيش في رحاب ذكريات تتصل بالنبي الأعظم (ص) سواء برحيله وشهادته أو بميلاده وإطلاله على الحياة، لابد أن نرسم صورة عن تلك الحقبة التي سبقت ظهوره (ص) وعن الحقبة التي أعقبت بزوغ فجر الاسلام، وعن حقبتنا الراهنة، بمعنى نحن أمام ثلاث مراحل زمنية:
المرحلة الأولى: الجاهلية وعمق الوادي السحيق الذي كانت يعيش فيه أؤلئك الجاهليون، كما كانت تعيش فيه تلك الطبقة المسحوقة والمستضعفة الذين كانوا يخشون أن يتخطفهم الناس من حولهم.
المرحلة الثانية: ظهور الاسلام ومدى التحول العظيم ليس في الجزيرة العربية وإنما في العالم كله.
المرحلة الثالثة: الوضع الراهن.
إذا قارنا بين المرحلتين، الأولى والثانية، وبين المرحلة الثالثة، أو وضعنا الراهن، يظهر السؤال: كيف نستفيد من هذا الينبوع الثر والرافد العظيم؟ وكيف نستفيد من حياة النبي الأعظم (ص)، فمع إيماننا به و وعينا له ومعرفتنا بكلماته المضيئة؟ كيف نستفيد لنخرج مرة أخرى من الجاهلية الثانية الى حيث الحياة السعيدة؟
للوصول الى إجابة شافية، لابد لنا من دراسة هذه المراحل بصورة واعية.
المرحلة الأولى: الجاهلية الأولى ..
خير من بين هذه المرحلة الكلمات المضيئة للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) حينما ذكرت ملامح الجاهلية في خطبتها الفدكية الصاعقة أمام مسجد أبيها رسول الله (ص) بعد اندلاع فتنة الخلافة واغتصابها من أهلها، وقد بينت الصديقة الطاهرة (ع) الجاهلية بعدة سمات:
أولاً: الخوف.. حيث كان شعارهم الخوف، يقول الإمام أمير المؤمنين: (كان شعارهم الخوف ودثارهم السيف)، فحينما يفقد فريق من الناس الأمن فأنهم يفقدون كل شيء، لا يستطيعون أن يزرعوا أو يصنعوا أو يتاجروا أو حتى أن يعيشوا حياة هنيئة لأن الخوف يلف حياتهم جميعاً.
ثانيا: الجوع.. (تأكلون القد وتشربون الطرق)، فقد كانوا يعيشون حياة الضنك وشضف العيش، و ربما كان يمضي على الواحد منهم عدة أيام وهو جائع!
ثالثاً: قتل الأولاد خشية إملاق.. فمن الثقافات المنحطة والخاطئة التي كانت تسود حياتهم، هي قتل الأولاد الذكور والأناث خشية الانفاق عليهم وخشية الفقر، وكانوا يأدون البنات خشية العار، وكانوا يعيشون فرقاً بعضهم يعادي البعض الآخر.
كان الجاهليون قبل الاسلام يفتخرون بثقافتهم المنحطة أخلاقياً، والتي كانت تتضمن الإباحية والخيانة الزوجية، وإذا راجعنا معلقة (إمرؤ القيس) والتي تُعد أفضل معلقة في الشعر الجاهلي، نرى فيها بيان التفاخر بالثقافة الجنسية المنحطّة، وأنه يفتخر بها كشاعر وكبطل ويعدها بطولة، كما يفتخر بالعصبيات وكل ما هو لا أنساني وبعيد عن الشرف، بينما قليلاً ما نجد في أشعارهم ما يدعو للإعتزاز بأنهم يمثلون الحضارة، لذلك كانوا بحق (الجاهلية الجهلاء)، وأما ما كانوا يعيشون من أحكام، فإنها كانت أحكام "ما أنزل الله بها من سلطان"، بعيدة عن حقوق الانسان وبعيدة عن حقوق الحيوان والطبيعة وعن أي حق في هذه الحياة.
المرحلة الثانية: فجر الإسلام ..
بُعث النبي الأعظم (ص) وسط هذا المجتمع، وبين هذه الأجواء، و أول كلمة جلجلت في غار حراء و ماتزال تدوي في الآفاق، وجعلت مسار البشرية في الطريق الصحيح، هي كلمة (إقرأ)، إنه تحول كبير في ثقافة البشرية، وكما يقول بعض المؤرخين فإن رسالة النبي الأعظم (ص) هي الأولى في التاريخ التي دونت بحروف، فكل شيء في هذه الرسالة مكتوب، والقرآن الكريم يسمى (قرآناً) ويسمى (كتاباً)، فمن جهة هو مقروء، ومن جهة أخرى هو مكتوب، وأصبحت لغة الخطاب ولغة التعاون والتشاور والتكامل العلمي بين الناس هي لغة الكتابة، أي ان الكتاب بدأ يتداوله الناس من شخص الى آخر، وحتى أن الشعب العربي أصبح شعباً قارئاً بعد أن كان أمياً ولم يبق هناك إلا النزر القليل ممن لا يعرف القراءة والكتابة، فانتشرت الكتب وتبادل الناس الأفكار فيما بينهم، وهذه كانت البداية، ثم أعقب ذلك نزول القيم الإلهية من السماء عبر الكتاب المجيد، فنحن نجد انه يسبق البشرية في كل شيء، من العلم والأخلاق والآداب والحضارة وفي كل جانب من جوانب الحياة.
إن القرآن الكريم، هو الكتاب الذي يضم بين دفتيه كل ما يحتاجه الناس في ذلك اليوم، وما يحتاجونه اليوم وفي كل يوم هذا، فكل القيم التي جاء بها كتاب الله المجيد، تنتهي في نهاية المطاف الى الأمن والرخاء والعدل ومكارم الأخلاق والتكامل وفي جملة واحدة؛ الى دفع عجلة الحضارة البشرية الى الامام، ولك أن تدرس تاريخ البشرية شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وفي أي مكان وأي بقعة من الأرض حتى تفهم كيف أنه في كل مكان من العالم كان وجود النبي الأعظم (ص) فاصلاً بين الماضي والمستقبل، بمعنى ان النبي رسم طريق الحضارة البشرية، وكل ما لدى البشرية اليوم من تقدم ومكاسب، إنما هي بفضل رسالته السماوية السمحاء.
أقيم في الآونة الأخيرة معرض في بريطانيا يضم بعض الاختراعات والابتكارات التي تعود الى العهد الاسلامي الأول، وفي وقت كان الاوربيون يعيشون في فترة تُسمى بـ (القرون الوسطى)، وفيما نحن نسينا كثيراً من تلك الاختراعات والابتكارات، فإن الاوربيين سرقوا الكثير مما أنتجته عقول المسلمين، وباتوا ينسبون ذلك الى أنفسهم، وفي كل الأحوال فان عشرات بل مئات الاختراعات تعرض اليوم في معارض لندن.
لكن مع ذلك نجد اليوم حديث عن (الحضارة العربية) وما هي إلا إسلامية وبلغة عربية، وإلا كيف آلت الأمور بـ (أم الحضارات البشرية)؟ هنا نقف لنتساءل اليوم وبعد أكثر من ألف وأربعمئة عام:
*المرحلة الثالثة: الواقع الراهن..
ما هي عوامل الوضع الفاسد الذي يعيشه المسلمون؟ ولماذا فشلت محاولات العلمانية في بلادنا من أن تلحق بلادنا بركب الغرب؟ ولماذا التمزق والتخلف؟ ولماذا ما يزال الخوف سائداً؟ هل عدنا الى الجاهلية وعادت حياتنا الى تلك الظروف الصعبة التي كان يعيشها الناس في الجزيرة العربية، حيث الخوف هو الشعار والدثار هي البندقية ؟!
لابد أن تكون هنالك في نهاية المطاف من لحظة محاسبة و وقفة شجاعة حقاً لواقعنا حتى يمكننا تحقيق التغيير؟
والذي لا يملك ماءً وعاش عطشاناً والذي لا يملك أرضاً وعاش جائعاً لعله يُعذر، لكن السؤال مع من يجد الماء والأرض ثم يفتقر، فمع وجود هذا الينبوع الرسالي والسماوي المتمثل بالرسول الأكرم (ص)، إلا اننا ما نزال نعيش أوضاعنا المزرية، صحيح إن النبي الأكرم (ص) رحل عنّا ولكن كلماته موجودة وأهل بيته (ع) موجودون، كما كلماتهم وحضارتهم وتاريخهم موجودة والقرآن الكريم وهو الأعظم موجود أيضاً، لكن المشكلة والمعضلة الكبرى، أننا لم نتمكن من الاستفادة من كل هذا الامتيازات العظيمة.
ربنا سبحانه وتعالى في آية واحدة من سورة (فاطر) يشير الى واقعنا، بل و يشير الى واقع تلك الأمم السابقة التي عاشت أيضاً نهضة حضارية إلهية ثم ركنت الى الجمود و أنتهت الى التخلف، فيقول عنهم سبحانه وتعالى، والكلام على صيغة (إياك أعني وأسمعي يا جارة)، أي ان الكلام موجّه لنا أيضاً: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا"، أي ان الكتاب المجيد إنما نزل على أولئك الذين يقول عنهم ربنا في هذه السورة أيضاً وبهذا السياق قبلئذ: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ"، و هم بُناة الحضارة، والذين أسسوا للحضارة والنهضة والتحول والتطور في التاريخ، لأنهم تلوا الكتاب، والتلاوة لاتعني القراءة السريعة، بل القراءة المتأنية والمتدبرة، فهم يتلون الكتاب ثم يعملون به، وأقاموا الصلاة، أي جعلوا الصلاة محور حركتهم ومن ثم أنفقوا مما رزقناهم مالاً وعلماً وجاهاً وكل ما أمكنهم ومن ثم كانت نيتهم خالصة لأنهم كانوا يرجون تجارة لن تبور، ويقول تعالى أيضاً عن بُناة الجضارة في آية سابقة لهذه الآية وفي ذات السورة: "َمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ"، أي إن العلماء الذين يطبقون تعاليم الله ويتلون الكتاب، هؤلاء هم الذين يبنوا الحضارة ولكن بعدئذ: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا"، بمعنى إن الله أورث الكتاب الذين اصطفاهم من عباده، أي تلك الأمة التي نزلت فيها الرسالة مثل الأمة العربية أو بنو إسرائيل، فقد اصطفاهم الله ليقودوا العالم، "لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا"، وبالنتجية يكونوا "خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وفي مرحلة لاحقة أمرهم الله بأن يبلغو الرسالة وأن يعوها ويعملوا بها، "فمنهم ظالم لنفسه"، فقسم من هؤلاء ظلم نفسه حينما تنكر لتلك الرسالة وتهاون في أمورها.
إن الإنسان بطبيعته إذا حصل على النعمة فإنها تصبح طبيعية بالنسبة اليه تدريجياً، فنحن كلنا نملك عيون - والحمد لله- ننظر بها ونبصر، وهي جارح صغير جداً ولكن تفتح أمامنا آفاق كبيرة جداً، مع ذلك لا نعرف قيمتها، لكن إذا تسأل الأعمى ما هي قيمة العين؟ وما هي قيمة الإبصار؟ سيجيبك بشكل وافٍ، كذلك الذي لا يشكو من متاعب في قلبه فانه لا يعرف قيمة القلب السليم، وهكذا سائر النعم، مثل نعمة التقدم والأمن والحرية والرفاه و... لذا نجد الانسان دائماً يستشهل هذه النعم ولا يشعر بوجودها إلا بفقدانها، كما لو إن البعض يظن أن هذه النعم إنما ورثها من آبائه! ولا يفكر إنما هي نعمة إلهية لها عواملها وأسبابها ولابد أن يحافظ الانسان على تلك الأسباب والعوامل، في المقابل تشير الآيات الى فئة أخرى: "ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ"، و هؤلاء يقتصدون، أي يعملون لكن ليس على طريق بناء الحضارة، إنما لأداء الواجبات الشرعية فقط، فهو يحافظ على حدود الله فقط، دون التفكير في النهضة والتطور وخلق حالة جديدة، لكن بُناة الحضارة هم من تشير اليهم الآية الكريمة: "وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ"، وهذه الفئة في الأمة هم بقية الله في الأرض وهم الذين يحافظون على هذه الرسالة ويحافظون على وحدة الأمة ونهضتها وحيويتها، "ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ".
من هنا إذا استحضرنا الرسالة الإلهية واستحضرنا تاريخ النبي وكلماته ووصاياه، واستحضرنا القرآن الكريم في حياتنا وفي واقعنا، آنئذ يمكن القول إننا بدأنا التحرك الى الأمام.
*سياسيون من واقع نهضة الحسين(ع)
سألني عدد من الأخوة القادمين الى زيارة الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) في أيام الأربعين، عن تقييمي لحالة العالم الإسلامي؟ قلت لهم: نِعمّ ماسألتم، نحن الآن في حالة يقظة، ومنذ عدة عقود من الزمن بدأت الأمة تستيقظ وتنهض، بدأنا نفكر بأنه لابد أن نؤسس ولابد أن نعود للإسلام نظارته و نعود الى حقيقة القرآن الكريم والى أمجادنا والى حضارتنا.
لكن السؤال هنا: ما الذي حدث في العقود الأخيرة حيث بدأ المسلمون ينهضون؟
إن التحول الذي حدث هو ظهور رجال قد لا يتجاوزون الآحاد أو العشرات بدأوا يفكرون في مصير الأمة و يدركون ماذا تعني الحضارة الاسلامية؟ وكيف ينبغي أن نعمل من أجل التحول الحضاري؟ وكلما تجدون من إمتدادات ومن تحركات إسلامية سليمة، فانها رهين جهود أولئك الرجال، ولكن هذا الخط الرسالي و القرآني الذي يحمل شعار العودة الى القرآن والعودة الى الرسول الأكرم والعودة الى أهل بيته والى كلماتهم المضيئة والى علمهم، أخذ الآن حالة (الحبو) بمعنى إنه بحاجة اليوم الى حركة جدية و واسعة حتى يعود هو الخط الحاكم على هذه الأمة، حينئذ ستجدون أن رسالة الإسلام قد تجددت وأن الحضارة الإسلامية قد تنامت وترعرت.
إن أمام بلوغ ذلك اليوم الذي لا خوف فيه ولا حرمان لابد من ملاحظة عدة شروط :
أولاً: اكتشاف الرجال الذين يحملون راية الرسالة، فمن دون وجود مسيرة جماهيرية تتصل بالأمة كلها لن نستطيع أن نفعل شيئاً، إذ لايمكن لحزبٍ معين أن يحقق التغيير لوحده، ولنا في نهضة الإمام الحسين (ع) خير درسٍ وعبرة، فقد كانت نهضة شاملة، وكان جزء منها تأسيس الحضارة الإسلامية، لأن (الإمام الحسين هو مصباح هدىً وسفينة نجاة)، فيجب علينا أن لا نكون مجرد ومضة من النور خاطفة سرعان ما تنتهي، بل نريد الاستمرارية لهذه المسيرة وأن تكون أبدية ودائمية ومتعمقة الجذور. ومن أجل ذلك على الكتّاب والقرّاء والخطباء والعلماء وكل من أوتي فصل الخطاب أن يقرأوا القرآن الكريم بعمق وأن يعكسوه على الحالة الإجتماعية وأن يفسروا الظاهرة الإجتماعية والسياسية وأية ظاهرة يفسروها في ضوء القرآن الكريم وليس وفق تفسيراتهم الخاصة، ثم يقيسوا أنفسهم بواقع المسلمين الأوائل السابقين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ويقيسوها بحالة النبي والإمام علي (ع) وأهل البيت (ع) وتكون نظرتهم نظرة إيجابية متفائلة مستقبلية تفكر في النهضة والتغيير.
ثانياً: على الناس أن يختاروا خطيباً مفوهاً، ومرجعاً يقودهم الى حيث تحقيق أهدافهم الرسالية، نحن نخاطب الإمام الحسين (ع) في زيارته الشريفة: (ياليتنا كنا معكم)، فاذا كان هذا الكلام واقعياً، إذن لنترجمه على واقعنا العملي، بأن تتحول المسيرة الحضارية الى حالة جماهيرية يشترك فيها كل الناس. وكلما أسرعنا في المسيرة الى الحضارة الإلهية، كلما أستطعنا أن نصل الى هذه الحقيقة السليمة أسرع، اليوم نجد بعض الناس يفصل بين الشعائر الدينية و واقعه السياسي، ويقول: (لا تسيسوا الإمام الحسين ...! وهذا أمر عجيب، فما هي السياسة ؟! إن الإمام الحسين إنما قاد معارضة ضد الحكم اليزيدي الطاغوتي بالبيان كما عارضه بالتعبئة والقيام وبالسيف، وهذه هي السياسة بإقرار جميع المتعلمين والاكاديميين، وهنالك كلمة مأثورة عن النبي (ص) وعن لسان الإمام الحسين (ع) حيث قال (ع): عن جده الرسول الأكرم: (سيد الشهداء عمي حمزة لكنه كان سيد الشهداء في وقته، ومن رأى سلطاناًَ ظالماً فأنكر عليه ثم قتل فهو سيد الشهداء)،.
إن واقع الإمام الحسين ليس الحفاظ على كرسي هذا أو ذاك لأنه حاكم وله مكانة وصفة وحوله الأموال الطائلة يسرقها من أموال الأمة، إنما كانت واقعته ونهضته ورسالته وكربلاؤه ومجالسه ومسيراته على طول التاريخ سيفاً مسلطاً على رقاب الظالمين جميعاً، وعلى طول التاريخ أسقط أصحاب الشعائر الحسينية وحامل راية الحسين، الطغاة من عروشهم فكيف لا نكون سياسيين؟ وحينما نحن نحول شعائرنا الدينية والحسينية ومسيراتنا الى واقع حال في حياتنا اليومية لتغيير واصلاح واقعنا ففي ذلك اليوم تكون قد بدأت المسيرة الإلهية ونحن سوف نصبح ان شاء الله مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: "جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ".