من المعاجز القرآنية
القرآن الكريم يكشف أسرار الغراب
|
*إعداد / زكي الناصر
من دروس وعبر القرآن الكريم لنا، إشاراته العميقة والقوية على جهل الانسان ومحدودية مداركه حتى يكون دائماً على حذر من التعالي والطغيان والافساد في الأرض، وقد استشهد القرآن الكريم بحشرات وحيوانات نعدها صغيرة وتافهة قياساً بمن نحن عليه من الأهمية، ومن تلك الاستشهادات يظهر (الغراب) بطلاً في مشهد أول عملية قتل حصلت في البشرية، عندما أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل.
وبالرغم مما نكنه لهذا الطائر المميز من كراهية، فان ذكره في القرآن الكريم لم يكن خالياً من الحكمة البالغة، لما يحمله من صفات فاضلة وجميلة من شأنها أن تعلّم الانسان الكثير، فهو فضلاً عن تعليم قابيل لطريقة دفن أخيه الميت، فان الغربان من نسل ذلك الطائر الذي بعثه الله تعالى من دون أنثى، وهو بحد ذاته مكرمة له، كما هو حال ناقة صالح وكبش ابراهيم، من شأنه أن يعلّمنا الكثير، كما أثبت ذلك العلماء مثل تعاون الذكر مع أنثاه وإخلاصه لها وحمايتها وعدم اقترانه بأنثى أخرى ما دامت على قيد الحياة، والابكار في الرزق والاخفاء حين الطروقة، وهي من الصفات التي يوصينا بها نبي الاسلام (صلى الله عليه وآله) أن نتعلمها من هذا الطائر.
يعد الغراب من أذكى الطيور، فهو يمتاز بسواد لونه وقوة منقاره ومخالبه. وقد اختلف الناس حوله فمنهم من أعجب من ذكائه وتعاون أفراده وجماعته مع بعضهم البعض ومنهم من اتهمه بأنه طائر شؤم وخراب ومنهم من ينزعج من نعيقه المزعج المستمر.
جاء ضمن دراسات العلماء والباحثين إن الغربان تتعارف بإصدار أصوات عالية بترددات مختلفة وهذه الترددات تعد لغة التعارف فيما بينهما، فلكل نوع من الغربان صوتاً بتردد معين وهذه الترددات بمنزلة شفرات متعارف عليها للمجموعة الواحدة، فعند سماع أحد الغربان لصوت غراب آخر غريب عن نوعه أو عن قبيلته نجده يصدر صوتاً مستمراً عن طريقه تتجمع جميع غربان قبيلته وتحشد جموعها وتتصدى لهذا الغراب الغريب عنهم وتبدأ في قتاله، لهذا فالغربان تؤمن بان الكثرة تغلب الشجاعة.
قال الله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِقَالَ لا قتلنك قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(*) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوء بإثمي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ(*) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِن الْخَاسِرِينَ(*) فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ" (المائدة/ 31) .
إن الذين ينكرون الدروس و الآيات التي وجهها الله لنا من خلال هذا المقطع من سورة (المائدة) ويقولون هل معقول أن هذا الطائر الضعيف يعلّم الإنسان دفن الموتى؟ نريد إثباتات علمية تثبت صحة كلامكم وتؤكد ذكاء هذا الطائر، نقول لهم: تعالوا نخبركم بالإثباتات العلمية والتي تثبت ذكاء هذا الطائر والتي أخبرنا بها الله عز وجل قبل1400سنة وإلى ما هو أكثر من دفن الموتى.
قام فريق بريطاني بأخذ احدى إناث الغربان إلى أحد المعامل البريطانية ووضعوا لحماً مهروساً داخل أنبوبة اختبار وبالقرب منها قطعة من السلك المعدني الطويل وتركوا الغراب مع هذه الأدوات داخل المعمل وقاموا بتصوير ما يحدث. فوجدوا بعد اقل من 10 دقائق أن أنثى الغراب قامت بثني نهاية السلك المعدني ليصبح مثل الخطاف وأدخلته برجلها إلى داخل أنبوبة الاختبار ثم قامت بسحب اللحم المهروس من داخلها ثم التهمتها. فاعتقد العلماء أنها فعلت ذلك صدفة فكرروا التجربة 10 مرات ونجحت أنثى الغراب في العشر المرات في إخراج اللحم والتهامها.
كما قام أحد العلماء الإسرائيليين من المهتمين بدراسة سلوك الطيور بتتبع أحد الغربان التي تسمى (wild hooded crow) والمنتشرة في أرض فلسطين المحتلة، وفجأة وجد أحد الغربان تقوم بتجميع فتات الخبز وتشبكها بمساعدة أصابع أرجلها فى فرع من فروع الأشجار ثم تسقطها فى البحيرة وعندما يتجمع السمك على فتات الخبز تحت سطح الماء تنقض عليهم وتمسك بهم بمنقارها ثم تطير بالسمك إلى عشها.
لقد تعجب هذا العالم من هذا المشهد وكاد يجن ويقول: من وضع هذا الذكاء وهذه الحكمة في عقل هذا الغراب؟! نقول له: انه الله عز وجل والذي حدثنا منذ نزول القرآن الكريم عن ذكاء هذا الطائر.
إذن يتمثل دور الغراب في هذه القصة كما رأينا في تعليم الإنسان كيف يدفن موتاه، لكن السؤال المطروح الآن هو: لماذا اختار الله سبحانه وتعالى الغراب من دون المخلوقات ليكون المعلم الأول للإنسان ؟
أثبتت الدراسات العلمية ما يلي:
1- أن الغــراب هو أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفي دماغ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة.
2- كما أثبت العلماء المختصون بدراسة علم سلوك الحيوانات والطيور في أبحاثهم أن الغراب هو الوحيد من بين سائر الحيوانات والطيور الذي يقوم بدفن موتاه.
3- ومن بين المعلومات التي أثبتتها دراسات سلوك عالم الحيوان محاكم الغربان وفيها تحاكم الجماعة أي فرد يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية التي وضعها الله سبحانه وتعالى لها. ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها، فجريمة اغتصاب طعام الفراخ الصغار: تقضي العقوبة بأن تقوم جماعة من الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزاً عن الطيران كالفراخ الصغيرة قبل اكتمال نموها، وجريمة اغتصاب العش أو هدمه : تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدى عليه. وجريمة الاعتداء على أنثى غراب آخر، تقضي جماعة الغربان بقتل المعتدي ضرباً بمناقيرها حتى الموت. وتنعقد المحكمة عادة في حقل من الحقول الزراعية أو في أرض واسعة تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد، ويجلب الغراب المتهم تحت حراسة مشددة، وتبدأ محاكمته فينكس رأسه ويخفض جناحيه،ـ ويمسك عن النعيق اعترافا بذنبه فإذا صدر الحكم بالإعدام وثبت جماعة من الغربان على المذنب توسعه تمزيقاً بمناقيرها الحادة حتى يموت، وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبراً يتواءم مع حجم جسده، يضع فيه جسد الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب احتراما لحرمة الموت.
وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه كثير من بني أدم، فسبحـــان الله أحسن الخالقين.
************
*عن شبكة الإعجاز في القرآن والسنّة
|
|