ليلة الرّغائب صورة مشرقة من رجب الأصب
|
ضياء باقر
يعدّ شهر رجب من الأشهر العظيمة والمباركة، وقد تضافرت الأخبار الواردة عن الأئمّة الطاهرين المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) في جلالة قدره ولزوم احترامه وأنّه شهر عظيم البركة، وهو من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله عزّوجلّ في كتابه العزيز بقوله عزّ من قائل: "إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حُرُم"، ومن هذه الأربعة شهر رجب، ولم تكن العرب تغزو فيه ولا ترى الحرب وسفك الدماء، وإنّ رجب وشعبان وشهر رمضان أفضل شهور السنة، وقد ورد عن النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله: (... فإنّ من عرف حرمة رجب وشعبان، ووصلهما بشهر رمضان شهر الله الأعظم، شهدت له هذه الشهور يوم القيامة، وكان رجب وشعبان وشهر رمضان، شهوده بتعظيمه لها، وينادي منادٍ: يارجب وشعبان وشهر رمضان، كيف عمل هذا العبد فيكم كان في طاعة الله؟ فيقول رجب وشعبان وشهر رمضان: ياربّنا، ما تزوّد منّا إلاّ استعانة على طاعتك، واستعداداً لمواد فضلك، ولقد تعرّض بحمده لرضاك، وطلب لطاقته محبّتك ... فعند ذلك يأمر الله بهذا العبد إلى الجنّة، فتلقاه الملائكة بالحباء والكرامات، ويحملونه على نجب النور، وخيول البلق، ويصير إلى نعيم لا ينفد ودار لا تبيد ...)، وعن أبي جعفر الإمام محمّد الباقر سلام الله عليه: (إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش: أين الرجبيّون! فيقوم أُناس يضيء وجوههم لأهل الجمع، على رؤوسهم تيجان الملك) وذكر ثواباً جزيلاً إلى أن قال: (هذا لمن صام من رجب شيئاً ولو يوماً من أوّله أو وسطه أو آخره)، ورجب شهر الله عز وجل، عن النبي (ص) ألا إنَّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر امّتي، فمن صام يوماً من رجب ايماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الاكبر واسكنَ الفردوس الأعلى، وعن النبي (ص) أكرموا رجب يكرمكم الله بالف كرامة يوم القيامة ومن اغتسل اول رجب واوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امَّه، وعنه (ص)، فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام، وسمي رجب الأصب، لان الرحمة تصب فيه صباً ولأنّه يُرفع الى الله اذا انقضى فيسأله الله تعالى عن عمل عباده فيسكت ثم يسأله ثانياً فيسكت، ثم يسأله ثالثاً فيسكت ثم يقول يا رب أنت امرت عبادك ان يستر بعضهم بعضاً وسماني نبيّك محمد (ص) الاصم لأن الملائكة الكاتبين تصم فيه عن سماع صرير القلم، فأنا الأصم، سمعت طاعتهم دون معصيتهم، واسمه رجب المرجم لان الشياطين ترجم فيه لئلا يؤذوا المؤمنين، ومن ذلك أيضا صلاة الليالي البيض: وهي الليالي 13، 14، 15 من الشهر المبارك، ومن صلى فيها ما ورد من الصلوات، أعطي أفضل ما أعطيت هذه الأمة وغفرت ذنوبه، وكذلك صلاة ودعاء أم داود: وهي امرأة صالحة حفيدة حفيد النبي (ص)، ؛ فمن كان صاحب حاجة وصلى هذه الصلاة ودعا بما ورد، أجيبت دعوته إن شاء الله تعالى، وعنه (ص) من صام النصف من رجب عدل له بصيام ثلاثين سنة ويسن الصيام في أوله واوسطه وآخره ويوم الاثنين والخميس كما ورد من الأحاديث وكذلك في أوله، ليلة فضيلة ليلة نزول نطفة النبي (ص) من والده عبد الله الى رحم امّه آمنة وكانت في ليلة السابع من رجب.
وليلة الجمعة من اول جمعة منه تسمّى ليلة الرغائب وصيام نهارها فضيل حيث يعطي الله عز وجل لعبده الصائم ذاك اليوم ما يتمنّى على الله عز وجل ويرغب، وما ذلك إلا لفضل هذا الزمن فكما أن الامكنة تتفاوت بالشرف والفضيلة من حيث استجابة الدعاء وقضاء الحوائج كذلك الأزمان لا شك في تفاضلها بعضها مع البعض الآخر وفي تلك الأزمنة الشريفة يظن استجابة الدعاء، ومن هذه الأزمان ليالي الأحياء، ومنها (ليلة الرغائب).
أعمال ليلة الرغائب
قال رسول الله (ص): (ما من أحدٍ يصوم يوم الخميس، أول خميس من رجب، ثم يصلّي ما بين العشاءين والعتمة اثنا عشر ركعة، يفصل بين كلّ ركعتين بتسليمٍ، يقرأ في كلّ ركعةٍ فاتحة الكتاب مرة واحدة، و"إنا أنزلناه في ليله القدر" ثلاث مرات، و"قل هو الله أحد" اثنا عشر مرة، فإذا فرغ من صلاته صلى عليّ سبعين مرة، ويقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آله، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: (ربّ اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت العلي الأعظم) ثم يسجد سجدةً أخرى فيقول فيها ما قال في الأولى، يسأل الله حاجته في سجوده، فإنها تقضى، وقال (ص): (والذي نفسي بيده، لا يصلي عبدٌ أو أمَةٌ هذه الصلاة، إلا غفر الله له جميع ذنوبه، ولو كان ذنوبه مثل زبد البحر، وعدد الرمل، ووزان الجبال، وعدد ورق الأشجار، ويشفع يوم القيامة في سبعمائة من أهل بيته ممن قد استوجب النار، فإذا كان أول ليلة في قبره، بعث الله إليه ثواب هذه الصلاة في أحسن صورة، فيجيئه بوجهٍ طلقٍ ولسانٍ ذلقٍ، فيقول: يا حبيبي!.. أبشر فقد نجوت من كلّ سوءٍ، فيقول: من أنت؟ فو الله ما رأيتُ وجهاً أحسن من وجهك، ولا سمعتُ كلاماً أحسن من كلامك، ولا شممتُ رائحةً أطيب من رائحتك، فيقول: يا حبيبي !.. أنا ثواب تلك الصلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا، في سنة كذا جئتك هذه الليلة لأقضي حقّك، وأونس وحدتك، وأرفع وحشتك، فإذا نُفخ في الصور ظللتُ في عرصة القيامة على رأسك، فابشر فلن تعدم الخير أبدا، وعنه (ص): (لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب وذلك لأنه اذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في السموات والأراضين الا ويجتمعون في الكعبة وحولها فيطّلع الله تعالى عليهم فيقول يا ملائكتي سلوني اذا شئتم، فيقولون ربّنا حاجتنا اليك ان تغفرلصوام رجب فيقول الله قد فعلت).
فهنيئاً لمن ادى اعمال هذا الشهر المبارك، وهذه الليلة الجليلة القدر التي ببركتها يُستجاب الدعاء وتتحقق رغبة من يطلب فيها حاجته.
|
|