قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
الجماهير المضطهدة متمسكة بالفرصة التاريخية
نداء التغيير و شروط الانتصار
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *أنور عزّالدين
ما أن تجد الشعوب فسحة أو فرصة للتحرك نحو تغيير واقعها الفاسد، حتى تتشبث بها وتخوض التجربة، مضحية بأمنها واستقرارها ثم بارواحها، لكن المشكلة أنها تواجه البطش والعنف الدموي من لدن السلطات الحاكمة التي لا يروق لها سماع اصوات الاحتجاج والمطالبة بالتغيير والاصلاح، لذا نجدها تسوغ لنفسها استخدام ابشع انواع الاسلحة واكثرها فتكاً لإسكات تلكم الاصوات، لا... بل ان هناك زعيماً عربي يقوم اليوم باستخدام سلاح الجو لديه لأول مرة في تاريخه لضرب الثوار، بعد ان كادت تصدأ لعدم استخدامها ضد اعداء البلد والشعب!
الشعب الليبي يتصدر اليوم الشعوب الثائرة والصامدة أمام جبروت السلطة (القذافية)، وهي تواجه اليوم وحدها القصف الجوي لطائرات القذافي واسلحته الثقيلة. فيما تواصل شعوب اخرى مطالبتها وبقوة بحقوقها المهدورة. القضية المهمة في هذا المضمار هو الحفاظ على المكاسب على الارض. انها ساحة حرب حقيقية ومفتوحة، فالطرف الذي يندفع بهجوم ناجح ويحتل مواقع استراتيجية عليه في الوقت نفسه ان يفكر بالحفاظ على هذا المكسب، وإلا فان الضربة التي سيتلقاها ستترك عليه بالغ الاثر نفسياً واجتماعياً وتاريخياً، حتى تقول الاجيال: يا ليت لم يفعل آباؤنا ما فعلوا وجلبوا لنا كل هذه المتاعب...!
بالامكان تحويل كل هذا العنف الدموي في الشوارع والدماء المسفوحة، مدرسة لتخريج جيل من الابطال الذين يتحدون اعظم الصعاب. ولا ننسى حقيقة هامة وأساس في هذا المعترك، فان الشعوب انما تنطلق في أي حال من الاحوال، وفي وقت كان، انما تحمل شرعيتها معها، فهي تطالب ليس فقط بالحقوق من مؤسسات الدولة، إنما بالاقتصاص ممن نهبوا الثروات والقدرات التي وهبها الله لهم. وها هي ساعة الرحيل أزفت بعد طول عمر مديد في السلطة وعلى رقاب الناس. إذن؛ حركة الشعوب الاسلامية موافقة للسنن الإلهية، فهي مسنودة ومؤيدة من السماء، لكن مع توفر عدة شروط أهمها:
أولاً: المنظومة الثقافية
إن الانسان انما ينطلق في حياته من قاعدة الثقافة التي تصنع شخصيته، لان الثقافة تمثل انماط السلوك والعادات والمتبنيات التي تتشكل فيها شخصية الانسان، وتحول الحوادث والمتغيرات التي يمر بها الى مكونات تتفاعل معها هذه الشخصية، والثقافة ان كانت حيّة ونابضة بالحيوية والنشاط. بامكانها ان تحول كل منعطف تأريخي خطير بل كل محنة وشدة الى معراج وسلم لكمال الانسان.
اما اذا كانت الثقافة ميتة وجامدة فانها سوف لا تجدينا نفعا في المحن والشدائد، ولكي يكون موقف الانسان تجاه الحوادث الصعبة التي يمر بها موقفاً ايجابياً، يصنع من الخسارة مكسباً، ومن الهزيمة انتصاراً، لابد له اولا من ان يغير رؤيته للحياة، ومن ثم يغير ذلك المصنع الخفي الكامن في نفسه الذي يستلم مواد الافكار والثقافة ليحولها الى جسم حي نابض بالحركة والنشاط.
والثقافة الدينية تُعد بالحقيقة من اهم مكونات الثقافة لدى الانسان، لانها تؤثر على مجمل المنظومة الثقافية، من سلوك واخلاق ومفاهيم ورؤية الى الحياة، فمسألة الايمان العميق بالله تعالى، وفي ظروف كالتي نمر بها في بلادنا الاسلامية، تشكل حجرة زاوية في عملية التفكير والتخطيط وإتخاذ الموقف، فالذي يمتلك بصيرة الهية، وايمان بقدرة الله تعالى وانه ينصر عباده المؤمنين، فانه يكتسب قوة لا تقاوم، ويزداد صلابة وصموداً أمام التحديات مهما كانت، وعن هذه الحقيقة يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: (عند اشتداد الكرب تعرضوا لرحمة الله)، وكما صرح بذلك الخالق تعالى في محكم قوله: " حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" (سورة يوسف /110).
فالذي يطمح لتغيير كبير في أنظمة الحكم ببلده في السياسة والاقتصاد والقانون، عليه الاعتماد على قوة عظيمة لا متناهية، وهي ليست من سنخ القوى الارضية والمادية القابلة للنفاذ او التبدّل، ليس في المسألة خيانة او تراجع او خذلان، كما يحصل مع كثير من الثوار والشعوب لدى اعلانها الثورة على حكامها الطغاة. نعم؛ هنالك عوامل مساعدة ضمن الاسباب الطبيعية في الحياة ولايتدخل الله تعالى فيها، لكن لا يجب ان يكون الاعلام –مثلاً- او السلاح او المال او العلاقات السياسية غاية ما يطمح اليه الثوار، وأن يكون خشبة الخلاص لهم، لأن هكذا خشبة معرضة دائماً للتآكل بفعل ظروف مختلفة وعوامل تطرأ عليها وليس ثمة ضمانة في المسألة.
ثانياً: ثقافة الأمل
ان شخصية الانسان المؤمن الثقافية ممزوجة بالأمل بالله تعالى وبالتوكل المطلق عليه، وهكذا شخصية لن تنهار بسهولة. ولان المؤمن يعيش الأمل، فانه يفتش دائما لكي يجد الطرق الكفيلة بالخروج من الازمات الصعبة بالرغم من اشتدادها، فليس من الصحيح ان نقول ان الله تعالى ينصر المؤمنين عبثا عند اشتداد الكرب وتفاقم الازمات ومن دون سعي منهم، انما على المؤمنين ان يكتشفوا وسائل جديدة ليتغلبوا بذلك على المشاكل عند اشتدادها.
قبل اندلاع الثورات في البلاد العربية، لم يكن أحد يتوقع ان تشهد شوارع تونس والقاهرة صنعاء وطرابلس والمنامة تظاهرات عارمة كأنها السيل، وهي تدك عروش الطغيان والفساد والظلم، لا؛ بل كان التصور عكس ذلك، وهذا ما كان يروج له بعض اصحاب القلم المأجور والقابع تحت عباءة السلطان حيث الهبات وفتات الموائد، فهذا احد ابرز الكتاب الاردنيين يعترف في مقاله بانه يعتذر للجيل الجديد لما جنى عليه ووصفه بان شباب الانترنت والفضائيات والمقاهي وانه سطحي لا وعي له، بمعنى ان هذا الكاتب وجحافل الكتاب والاعلاميين السلطويين ومعهم الاعلام المدفوع الثمن كانوا غافلين عن خزين الامل الكبير في نفوس هذا الجيل الشاب، فجاءت الفرصة المناسبة لاحياء هذا الامل وانبعاثه من جديد.
من هنا كنا نسمع في الماضي عن بطولات ومنجزات الحكام، وانها الوحيدة والفريدة، وانها بمنزلة السفينة التي تسع الجميع، وانها.... كل هذا بهدف قتل الامل والثقة بالنفس لدى الناس، وجعلهم أدوات وقطع صغيرة متناثرة لا روح فيها ولا حركة، يعبث بها الحاكم كيفما شاء.
ثالثاً: منطق القوة
فيما مضى من الزمن كان البعض يتصور ان حركة الشعوب ضد الحكام، عبارة عن صور لملاحم بطولية واقتحامات لمباني وصرخات مدوية ومخيفة، وإذن، فالمحتوى عاطفي نابع من مشاعر متعارضة بين الحب والكراهية، لكن اذا ساند هذا التوجه الانساني، توجه عقلي ومنطقي، فان المسألة تختلف ويكون الشعب نداً للحاكم رغم امتلاكه لقوات عسكرية او اجهزة مخابراتية او اموال، فهو يتحدث بمنطق القوة والاقتدار، كونه يمتلك زمام المبادرة. ولايخشى احداً سوى الله تعالى. والقوة هنا تشمل جوانب متعددة؛ فعندنا القوة في الخطاب وقوة في الموقف والأهم من كل ذلك القوة في العقيدة التي يجب ان تكون مصدر القوة الرئيس لأي حركة جماهيرية طامحة نحو التغيير والاصلاح. وليس بالضرورة ان تكون القوة مقتصرة على القوة الظاهرية من اسلحة وعتاد وافراد مدربين وعلاقات واسعة من (اطراف قوية) سواءً اقليمية او دولية. إن القوة التي يدعونا الله تعالى لاكتسابها تلك التي تخيف عدو الله وعدو المؤمنين: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".