قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الحرية. . مطلب للجماهير والحاكم ايضاً
*محمود ظاهر
معروف ان الحرية مطلب خاص بالجمهور يوجهه الى الحاكم، وإن رفض تحقيقه يكون قد انتهك إحدى الحقوق الاساسية المكفولة للانسان وفق الموازين الدينية والوضعية. لكن هذا يبدو نصف الحقيقة، لأن الحرية ونقيضها مطلب يفيد أهل الحكم والسلطة وليس الشعب وحده. كيف ذلك...؟
إن نظام الحكم الطامح الى العدالة بنسبة معينة طبعاً، لابد ان يطالب بالحرية على اكثر من صعيد، فتكون الحرية للرأي والنقد وإقامة المؤسسات والجمعيات والنقابات وغيرها، وكل ذلك يمثل طريقاً معبداً وسريعاً نحو تحقيق المطالب الاكثر حيوية وإلحاحاً في المجتمع من قبيل الارتقاء بالمستوى الثقافي ثم النمو الاقتصادي والرعاية الاجتماعية.
الى ذلك يشير سماحة الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي بان (الدولة العادلة، هي دولة الحريات وحقوق الإنسان والمؤسسات الدستورية التي تضمن حق النقابات والأحزاب ووسائل الإعلام في التعبير عن الرأي، وحق التظاهر ونقد حالات الفساد والانحراف).
ان الظلم نزعة في النفوس ومسألة يشترك فيها الجميع سواء أبسط انسان يجلس في بيته الى أرفع مسؤول في الدولة يجلس في القصر الرئاسي. إذن، لا نستغرب من العلاقة بين فقدان العدالة في الدولة وبين تكميم الافواه وتقييد الحريات، لأن بكل بساطة، المسؤول الذي يتسنّم منصباً حكومياً من خلال القنوات الديكتاتورية والفردية، لن يكون بوسعه تحقيق العدالة، بل انه ربما يكون بعيداً عن مفهوم العدالة، فكل شيء جائز ومباح له لا لغيره، وهذا يصدق على أبسط موظف في الدولة كما يصدق على أكبر منصب في الدولة.
والدليل القاطع والملموس امامنا في سلسلة التظاهرات الجماهيرية التي اندلعت كالنار في الهشيم في البلاد العربية الواحدة تلو الاخرى، اذا بمجرد ان وجدت الشعوب متسع ولو بسيط من الحرية انفجرت مطالبة بالعدالة والمساواة التي غابت عنهم طوال سنين، واول ما افرزت هذه التحركات الجماهيرية، الكم الهائل من الاختلاسات والسرقات من العيار الثقيل، وربما اذا جمعنا ما سرقه الحكام العرب خلال السنوات الماضية من شعوبهم، لكان يكفي سد حاجة الشعوب الاسلامية جمعاء لسنوات طويلة. فمن الذي كان يعلم بحجم أرصدة حاكم مصر أو أرصدة حاكم تونس أو أرصدة حاكم ليبيا وأبنائهم والمقربين لهم؟ وهكذا بقية الحكام المستبدين.
من هنا يشير المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) إلى أحد اسباب الازمات والمشاكل التي تعيشها البلاد الاسلامية بأنها: (إسلامية بالاسم فقط. ..). مبيناً سماحته أنه: (لا يكفي للحاكم أن يقول إنني حاكم إسلامي، فالحاكم الذي لا يعمل وفق أحكام الإسلام هو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام – كما يحدث اليوم - فإن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لم يقتل أحداً من المشركين بسبب عدم إسلامه، ولا أجبر أحداً على الإسلام، بل تركهم على دينهم, مع أنه باطل وخرافي لكيلا يسلبهم حرية الفكر والدين، كما أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه مع أنه معصوم لا يخطئ ولا يطغى، قد سمح بالحرية والتعددية والتعبير عن الرأي).
وطالما ادعّت حكومات وأنظمة وزعماء أنهم ينشدون العدالة والمساواة وحماية الطبقة الفقيرة وغير ذلك من الكلمات التي لم تجد مكاناً في الواقع سوى اللافتات او منصات الخطاب أمام عدسات الكاميرا أو في التجمعات الجماهيرية. لكن الواقع المؤلم لن يدع الانسان طويلاً إلا ويدفعه للانفجار في الشوارع، حينها تسقط الاقنعة المزيفة وتظهر الوجوه على حقيقتها.