قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

حكومات تُقهر وحقائق تظهر
*محمد علي جواد تقي
كثيرة هي الحقائق التي ظهرت ساطعة بعد عملية جلي بأيدٍ شديدة كانت ولاتزال لثوار ومنتفضين أحرار في بلادنا الاسلامية، فقد سقطت الشعارات القومية في بلدان تنفجر بالفقراء والمحرومين، كما سقطت الشعارات الوطنية في بلاد تشهد اجتياحاً عسكرياً بمحض ارادة حاكمها. ومن الحقائق ايضاً؛ هوية القائد الحقيقي للشعب، فهل هو (الزعيم العسكري) أو (الفاتح) أو (الملك المفدّى) أو (القائد الملهم) أو....؟!
لنأخذ العراق مثالاً في التحرك الجماهيري نحو الاصلاح في النظام الحاكم، فان القائد الحقيقي هو ذلك الذي يقف الى جانب الجماهير في مطالبها المشروعة ويقول كلمة الحق ولا تأخذه في الله لومة لائم. فلا محاباة مع أحد ، ولا مجاملة على قيم ومبادئ ولا تسويف في المطالب، إنما الاصرار على الاصلاح وتغيير ما أفسدته الايام الخوالي، وهذا ما تقوم به المرجعية الدينية والحوزة العلمية في العراق، وهي في ذلك تؤكد استمرار المسيرة التي تعود بجذورها الى العهود الاولى للاسلام.
إن أعظم ما يدعو للفخر والاعتزاز حقاً إن الحوزة العلمية وشخصية عالم الدين في مدرسة أهل البيت عليهم السلام وعلى طول التاريخ الاسلامي لم يرتبط بحاكم ولا بلاط ولا مؤسسة رسمية من أجل المال أو الجاه، إنما ارتباطه المباشر بالمجتمع، منه يستمد قوته واليه يعود بعلومه وانجازاته الفقهية في كل ما يتصل بحياة الانسان. هذه النقطة طالما أشار اليها الباحثون المسلمون وغيرهم وركزوا عليها في مؤلفاتهم قديماً وحديثاً. لكن لنلقِ نظرة على علماء الدين في المذاهب الاخرى ونجد علاقتهم بشعوبهم، وننظر كيف ان البعض منهم يركن الى الحاكم الظالم والفاسد ويفتي بحرمة التظاهر ضده كما هو حال علماء السعودية، فيما البعض الآخر ينتظر إنجلاء غبار الشارع المنتفض حتى يأتي في سيارة خاصة ليلقي خطابه أمام الحشود الجماهيرية ثم ينتزع الهوية الدينية من المسلمين ويجعلهم سواء مع غيرهم في بلد غالبية سكانه من المسلمين كما حصل في مصر.
هنا يجدر بنا حقاً أن نشكر الله تعالى أكثر من مرة على النعمة الإلهية في ظل غياب الإمام الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه، لأن الشعوب الاخرى وهي تدين بالاسلام تعيش الحيرة القاتلة والاضطراب من تعدد مصادر التأثير في الرأي والموقف، وإلا فان موقع الى الانترنت – مثلاً- ليس بوسعه ان يعيش هموم الناس ومطالبهم وخلفيتهم الثقافية والتاريخية حتى يقرر لهم كيف يطالبون بحقوقهم وما الخطوات اللاحقة بعد التغيير...؟
إن الحوزة العلمية في العراق وعلماءها الافذاذ كانوا وما يزالون منذ عقود من الزمن ملهماً للشعوب الاسلامية في الثورة على الطغيان والظلم والتعدي على الحرمات من دون أن يضعوا أسماءهم في خانة (القائد) أو (الزعيم)، فقد جاءت زعامتهم وقيادتهم على ألسن الناس بمواقفهم البطولية بالدفاع عن كرامة الناس وحقوقهم. وهذا لن يكون غريباً بالحقيقة عندما يجاورون مصدر الإلهام الرئيس في كربلاء المقدسة والنجف الأشرف وسامراء والكاظمية.
هذا الموقف المبدأي الثابت والحازم هو الذي يجعل الدنيا بخير في عيون الشعب العراقي وايضاً سائر الشعوب الاسلامية، فلا مهادنة ولا مجاملة على الحق وحقوق الناس. إما إصلاح الفساد والتغيير وإما الرحيل.