الشعوب بين ثقافة الحياة وثقافة الموت
|
*أنور عزّالدين
كما ان قانون الموت والحياة يسري على المظاهر المختلفة في الحياة والكون، فانه يسري ايضا على الثقافة، فهي الاخرى من الممكن ان تكون حية، ومن الممكن ان تكون ميتة، فثقافة الحياة هي التي تتفاعل مع سائر اجزاء الحياة، في حين ان ثقافة الموت هي التي تعيش في عزلة من هذه الحياة .
ثقافة الحياة
إن ثقافة الحياة هي التي تتحول الى سلاح بيدك، تتحدى به الاعداء وتقهر به أولئك الذين يريدون سلب استقلالك، بينما ثقافة الموت هي التي تجعلك تابعاً للاخرين، وتفقدك استقلالك وارادتك وحيويتك، فليس كل ما يدخل ذهن الانسان، وكل ما يسطر في الكتب علماً، بل قد يكون كل ذلك جهلاً رغم ظاهره العلمي، ولذلك ينبغي على الانسان ان يضع تحت تصرفه مقياساً دقيقاً لمعرفة ما يجب ان يستوعبه، وما يجب ان يرفضه .
أنشأ القائمون على ادارة المخابرات الامريكية قسماً خاصاً بالاستعمار الثقافي في هذا الجهاز، هدفه فرض الثقافة الاميريكية على العالم وعلى الشعوب النامية بالذات، ولأهمية هذه المؤسسة فانها تتصل مباشرة بمجلس الامن القومي المتصل مباشرة بالرئيس الامريكي، وتتمثل مسؤوليتها في نشر الافكار والملاحظات من خلال الكتب، و وسائل الاعلام المقروءة والمرئية وعلى نطاق واسع من العالم. هذه الافكار يمكن ان نلاحظها اليوم وبوضوح من خلال الافلام السينمائية او البرامج الاجتماعية الحوارية وايضاً من خلال افلام الرسوم المتحركة للاطفال (الكارتون)، ناهيك عما تتناقله بعض مواقع الانترنت من أمور وقضايا للانسان المسلم تجعله لا يحرك ساكناً، فهو يأخذ حلول مشاكله ويلبي حاجاته من خلال هذه النوافذ الاعلامية والثقافية، ومثل هذه الثقافة هي الثقافة الرجعية التي تكرس تخلف الامة، وتبعدها عن تقرير مصيرها بنفسها، وتحاول ان تفصل بين الدين والسياسة، في حين ان الثقافة الحقيقية هي الثقافة المرتبطة بكل مجالات الحياة، وهنا يتجسد الصراع مع الجاهلية ومع الكفر والالحاد.
حقيقة الثقافة القرآنية
في مقابل الثقافة الرجعية وهي ثقافة الموت والتخدير، تقف الثقافة القرآنية التي تأمرك بأن تزيد من معلوماتك، وتكتسب ثقافة واسعة متنوعة من خلال السير في الارض: "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور" (الحج /46)، وقد اطلق الخالق تعالى نداءه هذا قبل اربعة عشر قرنا حيث لم تكن وسائل النقل والاتصالات المتطورة، وحيث كان الناس يستخدمون الدواب في تنقلهم، فما أولانا بان نطبق مضمون هذه الآية الكريمة ونحن نعيش هذا العصر الحافل بالتكنولوجيا المتطورة.
فاذا اردت ان تكتسب الثقافة فان هذا لا يعني ان تجلس في غرفة مغلقة، وتضع امامك مجموعة كتب لتدرسها، بل عليك ان تسير في الارض، وان تتفاعل مع الحياة، وحينئذ يهديك الله السبيل: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (العنكبوت /69) وهذه الآية وعشرات الآيات الاخرى تؤكد على ان الانسان انما يهتدي بالعمل الصالح، والجهاد في سبيل الله ومقاومة الطغاة، وبعبارة اخرى ان يتزود بثقافة الحياة والاستقلال لا ثقافة التبعية، وبثقافة الحرية لا ثقافة الخنوع والخضوع والاستسلام. والجهاد هنا ربما يأخذ أبعاداً متعددة، فقد يكون الجهاد في سوح المواجهة الفكرية والثقافية والاعلامية، جاء في الحديث الشريف: (أعظم الجهاد كلمة حق بوجه سلطان جائر). هذه الكلمة هي التي تضمن الحياة الكريمة للشعوب والأمم، وهذا ما علّمه الاسلام لنا وعلّمه الامام الحسين عليه السلام ربيب البيت النبوي، للعالم أجمع.
السبيل الى مواجهة ثقافة الموت
بعد أن عرفنا سمات ثقافة الموت، لنا ان نبحث عن سبل وآلية مواجهة هذه الثقافة.
في مقابل كل تلك الموجات الثقافية والجهود الاعلامية الجبارة، لابد من وجود مؤسسات اخرى يكون هدفها نشر الثقافة الصحيحة التي نحن أحوج ما نكون اليها، والتي نستطيع من خلالها مواجهة تلك الافكار، فنتحدث بالسياسة والاقتصاد والاجتماع بما اراد الله تعالى؛ فعلينا ان نوحّد هذه المؤسسات وحينئذ سنرى كيف ان الثقافات الاخرى ستتهاوى وتزول .
ومن الطبيعي اننا لا نستطيع ان نحمل الثقافة القرآنية ونستوعبها إلاّ عندما نعرف نقاط الضعف في الثقافات الاخرى، وعلينا ان نحدد الامراض والثغرات التي تعاني منها هذه الثقافات لانها ثقافات مريضة، ولانها تتبع اساليب خفية وماكرة لتلويث الاخرين بالمرض.
فلابد لنا - والحال كذلك- من ان نعرف اساس وركائز الاعلام الغربي ضد بلادنا، وان نحيط علماً بانها تتحدث انطلاقاً من مخطط خبيث، فحتى الكلمات يختارونها اختياراً دقيقاً، واذا نحن لم نعرف كيف يخططون فلا نستطيع مقاومتهم، بل من الممكن ان نصبح اداة لهم، فالكثير من المسلمين يبثون - من حيث لا يشعرون - ثقافة الغرب او الشرق، بل ويتبنونها، ويعتقدون انها هي صورة من الاسلام.
طالعت بعض الكتب، قسم منها ألّفها مسلمون متدينون حول الاقتصاد الاسلامي مزجوا فيها بين الاقتصاد الاسلامي والرأسمالي، وهناك من يدّعي ان الاقتصاد الاسلامي هو اقتصاد اشتراكي، بل ان هناك من يزعم ان الاسلام يتبنى النظرية الداروينية!
ولذلك نؤكد اننا اذا لم نعرف طبيعة الثقافة الجاهلية، والمطبات الموجودة منها فاننا سوف نعجز عن مكافحة هذه الثقافة بل وسوف نقع في شراكها، ولذلك على علمائنا ومثقفينا ومفكرينا وطلبة العلوم الدينية ان يستوعبوا آيات القرآن الكريم، والروايات الشريفة والادعية المأثورة، لانها تمثل اساساً واطاراً لثقافتنا، كما ينبغي علينا في نفس الوقت ان نبحث في الثقافات الغربية، لنحدد ثغراتها وتناقضاتها– وما أكثرها- ليسهل علينا مقاومها، ولكي يكون بمقدورنا تزويد الناس بالثقافة الاصيلة التي تدعو الانسان الى العمل والسعي والنشاط ومقاومة الظالمين. فالطبيب لا يمكنه إعطاء الدواء الشافي والعلاج الناجع إلا بعد ان يحدد طبيعة المرض ومكمن الداء ليتمكن من استئصاله والقضاء عليه.
هذه هي ثقافة القرآن الكريم، الثقافة التي تحث الشعوب على النهوض، وتمنحها الثقة بأنفسها، والثقة بالتغلب على القوى الجاهلية، ومن خلال التسلّح بهذه الثقافة نستطيـع التعرف على ما يجري حولنا، وتشخيص امراض الثقافة وما يقابلها من الافكار السليمة، لكي يكون بمقدورنا حمل رسالة الاسلام و نور العلم الى هذا العالم .
|
|