قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

السمات القيادية الفريدة في شخصية الامام علي بن ابي طالب (ع)
*علي حسين عبيد
يؤكد المؤرخون المختصون على أن المرحلة العصيبة التي أعقبت وفاة الرسول الأكرم (ص) تُعدّ من اخطر المراحل التي تعرضت لها الامة الاسلامية لاسيما أنها لم يمض على نشوئها سوى عشر سنوات قضاها النبي الأكرم في المدينة، لذلك تطلّب الامر صنفاً من القادة العظام الذين يتمتعون بقدرات فذة وسمات قيادية فريدة لكي تتدبر الامور الشائكة ولتستمر رسالة الاسلام بالرسوخ والانتشار.
وكان الامام علي عليه السلام هو النموذج الامثل للقادة الذين يقتصر ظهورهم على المنعطفات التأريخية الخطيرة التي تمر بها الامم، وذلك من اجل تصحيح المسارات لاسيما أن الدولة الاسلامية كانت ماتزال تمر في طور التكوين والاتساع والشروع بنشر الرسالة الاسلامية الى مناطق واسعة من العالم آنذاك.
ومع الاتساع الذي كانت عليه الدولة الاسلامية حيث تعدت حدود الجزيرة العربية الى دول عديدة ضُمّت الى الاسلام في حينها، ومع التعقيد الاداري المتنامي في مفاصل الدولة الاسلامية الواسعة، برز الدور المحنك للقيادة السياسية التي آلت للامام علي عليه السلام، فتصدى لها بحنكته المعروفة ورؤيته المشفوعة بنزعة انسانية تفوقت على جميع الميول والنزعات التي تتكون منها الشخصيات القيادية في الغالب.
ومن السمات المعروفة في شخصية الامام عليه السلام هي حفظه لحقوق الفقراء والضعفاء ودأبه في نشر العدل والمساواة بين الجميع ولا فرق لديه بين غني وفقير ولا بين قوي وضعيف ولا بين وجيه وانسان من عامة الناس، فالكل في رؤية الامام (ع) سواسية. وقد وجّه الامام (ع) بتوزيع الاموال الموجودة في بيت المال على نحو متساوٍ بين الجميع، الامر الذي أثار حفيظة الاقوياء والمتنفذين الذين اعترضوا على هذا الاجراء كونه يساوي بين الوجيه والعادي من الناس ويقارب بين القوي والضعيف منهم، مما أدى الى احدى المعارك المعروفة في التأريخ الاسلامي آنذاك، وبدلا من أن يقف الوجهاء والمتنفذون في الدولة الاسلامية مع الامام علي (ع) لتدعيم هذا الاجراء كونه ينصف الفقراء والضعفاء وعموم افراد الامة، ازداد أولئك برماً وحقدا فتكالبوا على السلطة وثارت حفيظتهم بسبب قوة النزعة الاستحواذية التي انطوت عليها نفوسهم.
وهكذا تكون هذه السمة - المساواة في توزيع الثروات- من اهم السمات التي آمن بها الامام علي (ع) وطبقها فعليا بين الجميع، وهي درس بليغ لقادة المسلمين اليوم لكي يتخذوا منها دليل عمل يساعدهم على النجاح في ادارة شؤون العامة بطرق سليمة تحقق للطرفين الحاكم والمحكوم أهدافهما وتقرّب بينهما وتدفع بعموم الناس الى دعم الحاكم كونه تعامل مع الجميع بطريقة عادلة.
ومن النتائج الاقتصادية الرائعة التي تحققت في عهد الامام علي (ع) أن دولة الاسلام خلت من الفقراء، وفاض بيت المال بالأموال الكثيرة وتحرك الاقتصاد وازدهرت الزراعة واجتهد المسلمون في تحقيق الحياة المستقرة في ظل نظرة قيادية انسانية لاتفرق بين الجميع مهما كانت الفوارق المادية او المعنوية بينهم، والسبب أن نظرة القائد الأعلى واحدة الى الجميع.
ومن السمات العظيمة التي حازت عليها شخصية قائد المسلمين علي (ع) هي تفضيله الآخرين على نفسه وعائلته والمقربين منه، فلا أحد من هؤلاء الاقربين أفضل من الناس الآخرين سواء بالجانب المادي او المعنوي، ولا تفضيل لشخص على غيره في اموال الدولة وثروات الامة، فكان الامام (ع) يرتدي من اللباس أخشنه، ويأكل من الطعام أقله وابسطه، ويسكن من المنازل أصغرها، ليس لعجز في ميزانية الدولة أو قلة في اموالها، بل لكي ينفذ الامام (ع) هدفا في باله، خطط له وآمن به، ألا وهو تفضيل المحكوم على الحاكم. فهي سمة اخرى شكلت الشخصية القيادية للامام علي (ع) لتجتمع سمة المساواة والعدل مع سمة الايثار وتفضيل المحكوم على الحاكم فتتعاضد مع بعضها وتنتهي الى نتائج قيادية فذة قلّصت مساحات الفقر في الدولة الاسلامية آنذاك الى ادنى حد.
وما على قادة اليوم سوى النظر الى هذه السياسة وتمثلها ومحاولة فهمها بدقة والايمان بها وتطبيقها حتى لو تحقق ذلك بأدنى المستويات كونها سمات تدعم الحاكم وتجعله قويا وكبيرا في عيون الامة، لأنه يقف الى جانب الناس قبل وقوفه الى جانب نفسه.
وثمة سمة اخرى تتعلق بادارة شؤون القيادة، فاذا تطلب الامر حزما في أمر ما نجد أن الامام علي (ع) أفضل الحازمين وأكثرهم دقة في هذا الجانب، فنزعة الايثار التي يتمتع بها وهمته العظيمة نحو انصاف الفقراء والضعفاء تدعمها شجاعة الروح وقوة الاقدام فيما لو كان الموقف يتطلب ذلك، فلا علاقة بين تفضيل المحكوم على الحاكم بحالة الضعف التي قد نجدها في بعض الشخصيات القيادة التي لا تكون مؤهلة للقيادة، لذا فإن الانسانية في التعامل لا تعني غض الطرف عن المسيئين وهنا تكمن عظمة الموازنة الدقيقة بين إنسانية القائد وحزمه في الامور التي تتطلب ذلك.
وهكذا يتوجب على قادة اليوم التحلي بالسمات القيادية التي تمثلت بشخصية الامام علي عليه السلام كونها دليل عمل لهم للنجاح في مهامهم القيادية ولكسب الرضى الالهي في آن واحد.