الأمومة الأمريكية
|
*محمد علي جواد تقي
تذكرت حديث السفير الامريكي السابق لدينا (زلماي خليل زاد) أيام حكم (بريمر) وهو يحذر شرطتنا من مغبة التهاون في أداء مهامهم ومسؤولياتهم لأن الرواتب التي يستلموها انما تأتي من المواطنين الامريكيين الذي يدفعون الضرائب ...! فيما أقرأ حديثاً تصريحات رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الامريكي (كونغرس) وهي تطلق نفس التحذير مع فارق الزمان والمكان، بوجه الشعب اللبناني وتدعو لمقاطعة حكومته التي خرجت بعد طول انتظار من نفق التجاذبات واعلنت مؤخراً تشكيلتها بحجة ان هذه الحكومة سيسيطر عليها حزب الله في لبنان، ونفس التحذير اطلقته إزاء الحكومة الفلسطينية بحجة سيطرة حركة حماس. وقالت (إلينا روز ليتينين): ان حزب الله سيستفيد من المساعدات الامريكية المقدمة الى الجيش اللبناني والتي تتحصل من دافعي الضرائب... طبعاً لابد أن نضم الى هذه الباقة تصريحات الوفد الامريكي القادم ايضاً من الـ(كونغرس) التي طالبت العراق والعراقيين بتسديد اموال انفقتها الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية لانجاح العملية السياسية.
يُقال دائماً (إن من صفات القلب التقلّب)، لكن لم نسمع ان العقل له هذه الصفة، فكيف برر الامريكيون لانفسهم هكذا تحول وهم اصحاب المبدأ القائل "بان لامريكا مسؤوليات في العالم"؟ وقد يكون ثمة ما يعزز هذا المبدأ موضوعياً، فالعملة الامريكية يتم تداولها في معظم بلاد العالم وفي معظم الاسواق العالمية، وبه يتم تسويق النفط المتسخرج من باطن الكرة الارضية، الى جانب البعد الثقافي الذي لايقل اهمية عن الاقتصاد، فبعد نقل تمثال الحرية من فرنسا الى امريكا باتت هي حاملة لواء الديمقراطية وحقوق الانسان. وطالما اعلنت الولايات المتحدة دفاعها عن قضايا شعوب في العالم ضد حكامها سواء بالحق او بالباطل. وفي ذلك فهي تشبه تماماً (الأم الحنون) التي تسكب من العاطفة والحنان ما لاينضب على شعوب العالم لتنقذها من التخلف والاستبداد والحرمان و.... فهل يعقل ان تتقاضى هذه (الأم) أجراً على ذلك؟ وهل اخذت أجراً – مثلاً- من الالمان عندما أخرجت البلاد من تحت الركام الى قمة الدول الصناعية من خلال (مشروع مارشال الامريكي)؟ وهل تقاضت شيئاً من كوريا الجنوبية بعد انفصالها عن كوريا الشمالية ثم تمكنها من تسلق مدارج التقدم الصناعي والتكنولوجي؟ بل هل طلبت شيئاً من الشعب الافغاني وقد نقلته من عالم الى عالم آخر...؟!
ان الذي يدفع الامريكيين لأن تكون قلوبهم وعواطفهم في عقولهم هي الليونة بل الميوعة لدى انظمة الحكم في منطقتنا، وهذه الميوعة للأسف مصدرها بريق المال وحسب. انها الثغرة الخطيرة التي طالما انتهى واندثر عندها الفرد والمجتمع والحضارة كما يروي لنا التاريخ، الامر الذي يجدر بمن يحرص على أمن بلاده واستقرارها وتحقيق العزة والكرامة لشعبه ان يزيل هذا البريق عن عينيه او على الاقل ليحافظ على توازنه واتزانه لدى رؤيته أرقام طويلة تصل الى ملايين او مليارات على صكوك او اوراق معاهدات واتفاقيات مغرية! لأن هذه الميوعة هي التي تجلب لنا أمومة على الطريقة الامريكية. ولأذكر القراء – قبل الختام- بمقولة رائعة للزعيم الفرنسي الراحل (شارل ديغول) عندما قال خلال حرب تحرير فرنسا من الاحتلال الالماني في الحرب العالمية الثانية: (لتسجل امريكا ما انفقته على فرنسا حتى نسدده لها بعد التحرير...)، وعليه لابد من الحذر كثيراً من هذه (الأمومة الامريكية).
|
|