مسؤولية الحياة
|
*علي ضميري
لم يخلق الله سبحانه وتعالى ما في الوجود عبثاً أو باطلاً، أو لغرض اللهو واللعب حاشاه تعالى. إنما خلق ما خلق لهدفٍ سامٍ وحكمة بالغة. وهو ان يكون الانسان أرقى ما في هذا الوجود، حتى أنه تعالى خلقه في أحسن تقويم.
إذن. فالإنسان صار مسؤولاً؛ لأنه مخلوق في أحسن تقويم ولأنه المخلوق الافضل من بين المخلوقات. أو هكذا أريد له أن يكون، صار مسؤولاً عن أقواله وأفعاله ومعتقداته، وهذه المسؤولية تؤكّد من الناحية العقلية ضرورة أن يثيبه الله تعالى على ما يصدر عنه من الأمور الحسنة، أو يعاقبه على ما يصدر عنه من الأمور السيئة. إذن؛ فالحياة التي هي فرصة الإنسان الوحيدة. ليثبت جدارته فيما أعطاه الله. وما يريد سبحانه أن يعطيه فيما بعد.
هذا كان تمهيداً مبسّطاً لما نريد قوله من أن الإنسان يعيش ضمن دائرةٍ، أو ضمن خطًّ واضح المعالم، معلوم الغاية. ومهما حاول الخروج عنه. أو أراد لنفسه تشريعاً وقوانين وتصرفاتٍ خاصةً به، فإنه لايعدو إلا التلاعب بنفسه ومصيره.
نعم، إن للإنسان حرية الاختيار لحياته ولمصيره، ولكنّه في النهاية يبقى مسؤولاً ومحاسباً على نوع الاختيار خاصة.
وإذا أردنا التوسّع قليلاً، نجدنا نقول: إن أنواعاً من الحساب والمحاكمة، تقف في مقابل الإنسان أو أنّ عليه أن يأخذها بالحسبان:
المحكمة الأولى: الضمير والوجدان. فهو مهما تطاول وراح يبحث لنفسه عن المبررات والأعذار لأخطائه، ليتهرّب عن تحقيق الاهداف التي خلق من أجلها يبقى في نهاية المطاف عارفاً تمام المعرفة بأنه لاعذر حقيقياً له يمكنّه من ممارسة الخطأ والخروج عن المسيرة الطيبة؛ التي رسم الله تعالى خارطتها له، والعكس صحيحٌ أيضاً، حيث يكون وجدانه على اطلاعٍ تام فيما يسلك ويقول من الافعال والأمور الإيجابية الحسنة. قال عزوجل: "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ" (القيامة، 14-15).
إذن، فمن المتوقّع لكل شخصٍ أن يلتفت إلى عظيم خطر محكمة الضمير والوجدان، وأن يجعلها الفيصل الهام في تحديد اختياره وتصرّفه وإذا داس ضميره وألغى وجدانه، كان عرضةً لعواقب خطيرةٍ جداً، مثل مرض النفاق والازدواجية، ومثل انعدام المقاييس لديه. وبالتالي التعرّض للفشل بعد الفشل، إضافةً إلى أنه سيتسافل ويتسافل، إلى أدنى من درجة الحيوانية!
المحكمة الثانية. هي المحكمة الإجتماعية التابعة للمحيط الذي يعيش ضمنه. ومطلوبٌ من الإنسان أن يلتفت ويهتمّ لمراعاة حقوق الناس المترتّبة في ذمّته، لئلاّ يساق إلى هذه المحكمة؛ التي تتجسّد في نظرة الناس إليه.. واحترامهم له.. بل إنّه قد يتعرّض إلى المثول أمام قضاة القانون المعمول به في كلّ مجتمعٍ ومدينةٍ وبلادٍ..
وحقوق الناس ليست الأموال فحسب، بل هي احترامٌ وتعاملٌ طيّب وممارسة وظائف ومسؤوليات. وابتعادٌ عن التآمر على الآخرين.. وامتناعٌ عن استغلال الضعفاء والجهلة.. وتقديرٌ لثقة الناس المعهودة إلى الإنسان..
إن من المتوقّع للإنسان في هذه الحياة أن يتّخذ من إيمانه بوجود محكمة الوجدان والمجتمع وسيلةً فعّالةً لتربية وتعليم نفسه وتحسين سلوكه، فيتعود التزام الحق والفرار من الباطل.. وأن يهتمّ بملازمة الصحيح ونبذ الخطأ.. وهذا الأمر إذا سار الإنسان ضمنه واهتمّ بأصوله وقواعده، صار سهلاً عليه مواصلة المشوار ومتابعة الطريق.. أي أنه يلتزم ما استطاع بقواعد الوقاية.. قبل أن يتعب ويعاني لدى البحث عن علاج..
المحكمة الثالثة والأكثر أهمية، هي محكمة الخالق سبحانه وتعالى، وهي التي أجّلها تعالى إلى يوم القيامة.
ولابد من القول: إن إعلان الله للإنسان عن وجود مصير وموعدٍ اسمه يوم القيامة، يعتبر بحدّ ذاته من أكبر النعم الإلهية على الإنسان، فهو حيث يتذكّر ذلك الموعد، يمتنع، أو ينبغي له أن يمتنع عن غيّه واستمراره في الباطل، ويتملئ طموحاً وأملاً في الحصول على خير الثواب بعد أن يتوجّه إلى قول الصحيح وفعل الحق.
نعم؛ إن من أوضح الصور التي تشير إلى عظمة وشرف ابن آدم على من سواه من المخلوقات، أن الله تعالى خاطبه خطاباً مباشراً.. ووعده بأن ما يقول وما يفعل ويعتقد لن يضيع سدًى إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
ثم إنّ من الرائع جداً للإنسان إن يتوقّف بعض الأحيان ويفكّر ويتساءل عن الأسباب التي تجعله يختار الطريق الخطأ، أو يغفل عن حقيقة وجود محكمةٍ إلهية دقيقةٍ جداً، تقف له بالمرصاد. فإذا عرف تلك الأسباب وهي الغفلة عن الله والجهل بقوانينه وعدم تطبيق أحكامه وعدم احترام الآخرين وسيطرة الأمراض النفسية والروحية على وجوده، إذا عرف كلّ ذلك، ازداد بصيرةً، وارتاح ضميره وكان موقفه مقبولاً في المجتمع، انطلق إلى محكمة يوم الدين حيث العدل الإلهي والرحمة الربانية وشفاعة الصالحين ستقبله في تلك المحكمة، وآنذاك يتلقّى قرار نيل الرضوان والخلود في الجنان بكل سعادةٍ واطمئنان.
|
|