قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

نعمة الحرية في العراق تضع الجميع امام مسؤولية الاصلاح والتغيير
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
لقد خلق الله الانسان مدني الطبع يأنس بالاخر ويتعاون معه بل لا يعيش الا اذا تعاون وتكامل مع الاخرين، ولا يستطيع أي انسان ان يعيش وحده ثم ينجح في تحقيق اهدافه، وهذه هي المدنية التي هي من سمات الانسان في الحياة منذ أن وطأت قدماه الارض، لكن هذه المدنية بحاجة الى نظام، لذا نجد الانسان دائماً يبحث عن نظام ينسق علاقاته مع نظيره الانسان، و كلما كان هذا النظام اقرب الى العدل والى القسط والى الحق، وكلما كان انسيابياً وعفوياً وفطرياً، وكان الانسان اكثر قدرة على العطاء واكثر سعادة في الحياة.
لقد وفر ربنا تعالى هذا النظام للانسان منذ اللحظة التي وطأت قدماه هذا الكوكب وهو النبي آدم (ع)، حيث جاءت معه الرسالة السماوية، وبما ان آدم هو ابو البشر وكانت الى جانبه حواء، كان لابد من ان يكون هو حجة عليها من قبل الله ومتصلا بالوحي، ومعروفٌ انه (لا تخلو الارض من حجة) و (لولا الحجة لساخت الارض باهلها). وعندما نقول؛ نظاماً الهياً، نعني انه النظام الدقيق والمتكامل الذي اودعه الله تعالى في كتابه الكريم (القرآن المجيد) كما اودعه في التوراة والزبور والانجيل وما أوحى به الى 124 الف نبي و رسول، ولابد ان لهذا النظام ان تكون فيه السمات التالية:
السمة الأولى: اعتماد الفطرة البشرية
لكن ما السبب وراء ذلك ؟
ان الانسان يملك في داخله عقلا وفطرة، وكل ما يحتاجه الانسان موجود ومتوفر في عقله وفي ضميره الا ان هذا العقل والضمير محجوب بالشهوات وتراكمات الافكار الخاطئة، فتاتي الرسالات الالهية وترفع هذه الحجب، ولذلك تجد انه ما من آية قرآنية، ولا من حديث عن المعصومين (ع) وما من حديث مروي، وما من آية نازلة ولا من حكم مبيّن، الا وهو يتوافق مع فطرة الانسان، ولك ان تأخذ أي حكم شرعي وتذهب به الى الذين لا يعرفون عن الاحكام الشرعية شيئاً، ستجدهم يتقبلونه، فمن الذي لا يقبل الوفاء والصدق؟ ومن الذي يكره الطهارة والنظافة؟ ومن الذي يتحدى القسط والعدل؟ هذه الحقائق نجدها في القرآن المجيد و روايات اهل البيت (ع) ولكن المشكلة في ان صورة هذه الحقائق في فطرتنا محجوبة بركام من التقاليد والعادات الخاطئة.
السمة الثانية: التوافق مع سنن الله في الارض
بمعنى ان الاحكام التي وضعها الله لنا لا تتعارض مع قوانين الحياة ونظامها، وعندما نقول (الحياة) بمعنى كل ما تحويه وتضمه من كائنات حيّة وبحار وجبال، مثالاً على ذلك؛ الآية الكريمة: "أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً" (الإسراء /78) هذه الاوقات الثلاثة من (دلوك الشمس) أي الظهيرة الى (غسق الليل) أي العشاء والى وقت الفجر، هي اوقات تتوافق وتتلاءم مع الطبيعية، بمعنى انه اضافة الى البشر الذي يعيش هذه الاوقات والظروف الزمانية، فان الحيوانات ايضاً تنسجم مع هذه الظروف الزمانية الثلاثة مثل الديكة والذئاب والكلاب والغربان والعصافير والماشية وغيرها. كذلك الحال مع حكم الزكاة أو الحج وسائر الاحكام الشرعية.
السمة الثالثة: التوافق مع طبيعة الانسان
وكما ان الاحكام الالهية تتوافق مع سنن الله في الحياة وفي الطبيعة، فانها ايضاً تتواصل مع الحالات الطبيعية للانسان وتتوافق مع سنن الله في الخليقة، وبالنتيجة؛ لابد ان يكون للانسان حكم وسطي، لا هو بالمائع ولا هو بالمتشدد. مثلاً ربنا تعالى يأمرنا بالصيام، ولكن في نفس الوقت يقول: "أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة /184). إذن؛ نجد ان الحكم الشرعي يتسم باليسر و يتوافق مع الطبيعة والظروف الانسانية، هذا في الصيام ، وكذلك الحال في الصلاة، فمن كان عاجزاً عن الصلاة قياماً يمكنه إقامة الصلاة من جلوس او وهو مضطجع وهكذا...
ان طبيعة الانسان تتباين بين الضعف والقوة، والاحكام الشرعية تاتي دائماً متوافقة مع هذه الطبيعة، وإذن؛ فهي طبيعة وسطية، فالله تعالى – مثلاً- يعرف ان الاربع ركعات من الصلاة لا تكلف الانسان، فقال: تصلي الظهر اربع ركعات، لكن في السفر تقصرها لتكون ركعتين، واذا ما كانت عندك همّة و روح قوية وعلاقة وثيقة برب العزة، لك ان تصلي الظهر والعصر اربع ركعات فريضة، وثمان ركعات نوافل، وكذلك الحال في الليل. "َومِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً" (الإسراء /79)، بمعنى ان البعض ينام بالليل لكن يبقى قلبه يقظاً و روحه عالية تسعى للاتصال بعالم آخر حيث رب السموات والارض، ولا يحب ان يكون جيفة على الفراش...! ينام أول الليل ولا ينهض إلا بعد شروق الشمس، ثم بعدها لا يعلم أين تكون القبلة! هكذا انسان يخاطبه الرب بان قم بالليل وتهجد فيه نافلة لك... لانه اذا قمت بالليل وتوجهت الى الله و نظرت الى النجوم المنتشرة في وسط السماء، و نظرت الى هذا القمر الذي يشع وينير الدرب في ظلام الليل، ولاحظت هدوء الليل وسكونه، فان قلبك سيُفعم بالشوق الى ربك، حينها تقول: "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (آل عمران /191).
عالم نافع وآخر يكتم علمه
في القرآن الكريم بصائر تشير الى وجود علماء السوء من اهل الكتاب كانوا يخفون علمهم الرباني ولا يظهرونه لعامة الناس، فالعالم الحقيقي لا يتكلم بما ينفعه فقط ويسكت عما يضره ويضر بمصالحه، وهذا ما نلاحظه في مسألة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. تقول الآية الكريمة: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ" (المائدة /16)، وفي هذا السياق لا ينبغي التعريض بأحد، لكن احاديث أهل البيت عليهم السلام تدعو العلماء دائماً الى التكلّم وإظهار العلم بكل صراحة، بينما نجد البعض ممن يسمون انفسهم بالعلماء يخفون فضائل النبي الاكرم ولا يبينونها لانها تضر بمصالحهم، كما انهم لا يتحدثون عن المستضعفين والفقراء والمظلومين، انما يتحدثون بكلام ينفع الكبار والاغنياء والسلطات الحاكمة.
لماذا نبكي على الامام الحسين (ع) طيلة 1400؟ وماذا نقول في تعازينا؟ نقول: (يا ابا عبد الله...! نبكي على مظلوميتك)، كما نبكي على ظلامة الصديقة الزهراء وامير المؤمنين وعلى ظلامة الامام الحسن وعلى ظلامة الائمة المعصومين سلام الله عليهم اجمعين، واذا قلنا: (يا حسين)، لابد ان نقول (يا حسين يا مظلوم)، بمعنى اننا ضد الظلم وننصر المظلوم، ولذلك كانت الحكومات تفرض سيطرتها عليهم، فياتي المظلوم يقول لهم: (انا مظلوم) ياتيه الامر بالصمت!! أو يقال له: (اصبر... لك الجنة ان شاء الله)! وهكذا يتم تخدير المظلوم فيستعدي الظالم.
يمكنني الحديث عن أناس لهم قصور و مناصب وحسابات في البنوك لقاء الفتاوى التي باعوها للناس بان لا تخرجوا في التظاهرات الاحتجاجية ضد الحاكم الظالم! ثم يطالبون العلماء بان لا يتحدثوا، و ربنا يقول: "وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ" (المائدة / 16)، فقد كانت الاديان السابقة متشددة نوعاً ما، فالظروف كانت بالشكل الذي يستوجب ان يكون هناك نوع من الشدة، لكن جاء نبينا الاكرم رحمة للعالمين: "وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين". وعندما ذهب النبي الاكرم الى المعراج، و اول نزوله التقى به موسى بن عمران (ع) فقال له: يا رسول الله، ويا خاتم النبيين... ماذا جلبت معك؟ قال: جلبت معي الصلاة قرة العين. قال: كم ركعة هي؟ قال: خمسون ركعة. قال: انها كثيرة على أمتك! لتطلب من الله ان تكون اقل من هذا، لذا توجه النبي بالدعاء الى البارئ عزّوجل لطلب التخفيض حتى اصبحت 17 ركعة، لكن نلاحظ اليوم مع هذا العدد البسيط من لا يتلزم بالصلاة، ولذلك يقول ربنا: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"، بمعنى ان قلبك سيتنور فيه وكذلك حياتك، أما "الكتاب المبين" فهو بمنزلة (خارطة طريق) كاملة لحياتك.
العراق يعاني مشكلة في القانون
الآية التالية من (سورة المائدة) تقول: "يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ"، بمعنى ان الانسان لابد ان يبحث عن الطريق الآمن والسليم ليصل الى اهدافه في الحياة، فهو دائم البحث عن الامن الاجتماعي والصحي والنفسي، وهذا ما كان سائداً في العراق في سالف الزمان. اذا تسأل كبار السن في مجتمعنا: كيف كانت ايام شبابكم...؟ سيقولون: كانت اياما جميلة، نحب بعضنا البعض ولا وجود للمشاكل النفسية والاحقاد والضغائن، نخرج منتصف الليل ولا نخاف احداً، وانا شخصياً اتذكر حينما كنا نخرج في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وقبل اذان الفجر نتجول في البساتين ولا نخاف شيئاً، لان الامن والاستقرار كان مستتباً، فقد كان الناس يعيشون الامان والوئام ، كما كانوا يعيشون الصدق والامانة ويعيشون الصحة والعافية ويعيشون التعاون والتفاهم. وهذا كان جزءاً بسيطاً من تلك الحقبة الطويلة حتى جاءت تلك الموجات المخربة وزعزعت استقرار الناس وهدوئهم، بينما نجد الدين يدل الانسان على سبل السلام: "وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة /16). من هنا نتوقع وننتظر اليوم و بعد عشر سنوات تقريباً من التحول الذي حدث في العراق ان يتم تجديد النظر بشكل جدّي في الاحكام والقوانين واللوائح في هذا البلد. لان القانون كما القناة التي نشقها في الارض، فان مهمتها نقل المياه الى الناس، لذا فان الماء اذا انساب لا يذهب إلا في هذه القناة، ثم ان هذه القناة والقانون سيقولب المجتمع وامكاناته ومجمل حياته، وبالنتيجة هو الذي يسير المجتمع، فاذا كان القانون منحرفاً، فان المجتمع ايضا سيكون منحرفاً، ونحن صراحة ابتلينا في العراق بقوانين لها مشاكل عديدة وكثيرة منها:
المشكلة الأولى: كثير منها تخالف الفطرة الانسانية كما تخالف الشرع بل تخالف حتى مقومات الحضارة الحديثة. قوانين بعضها دكتاتورية وقمعية وبعضها مخالفة لحركة المجتمع وتقيد حركته وبعضها تسبب تعقيدات ومعوقات.
المشكلة الثانية: وجود التناقض في هذه القوانين، منها (العقوبات البغدادية) التي سنّها المفوض السامي البريطاني في العراق، ثم جاء تعديل عليه وتجديد في العهد الملكي، ثم تكرس في العهد الجمهوري، وهكذا بقت على حالها. وكذا ترى مجموعة من الاحكام المتناقضة، بحيث يحير القاضي ما يعمل بها.
المشكلة الثالثة: هذه القوانين غير قابلة للتطبيق، لانها غير متوافقة مع فطرة الانسان ولا مع العصر الحديث. فنحن في العراق نتحدث منذ فترة عن الاستثمارات وفتحنا المجال ودعونا الشركات والاشخاص والرساميل التي تبحث عن فرص استثمار وعمل في كل مكان، لكن كل أولئك لم يأتوا والسبب كما يقولون هم: أن القوانين عندهم لا تسمح بالعمل... فاذا كنت انوي بناء فندق على قطعة ارض يجب عليّ ان ادور على عشر وزارات لتنفيذ المشروع، وهكذا سائر المشاريع والاعمال، وقد تحدثت مع بعض المستثمرين كما تحدثت مع بعض المسؤولين، واعلم انه في ظل هذه التعقيدات ليس بيد المسؤول صلاحية تذكر، ففي الوقت الذي يكون القانون معقداً فمن الطبيعي يكون المسؤول مقيداً بالقانون، و اذا لم يعمل بالقانون يسحبونه الى النزاهة بتهمة مخالفة القانون...! وهذه هي الورطة!
مع هكذا حال، هل يجب علينا ان ننتظر عشر او عشرين او ثلاثين سنة ونتفرج على هذه القوانين يضرب بعضها بعضاً والناس في حيرة من أمرهم؟
التعقيد في الدستور
صحيح اننا وضعنا الدستور والشعب العراقي وافق عليه، لكن اذا نراجعه نجد فيه بعض التعقيدات:
أولاً: هنالك فقرة بعد كل بند في الدستور تقول: (ينظم بقانون)، ثم هذا القانون لم يسنّ حتى الان!
ثانياً: ديباجة الدستور التي هي عادة في كل مكان في العالم تكون المقدمة وتبين مبادئ الدستور، لكن في العراق عندنا ديباجة كتبوا تحتها انها (لا تشكل مبادئ الدستور)! فما الفرق بين الدستور وبين مبادئ الدستور؟!
ثالثاً: البند الثاني من الدستور العراقي يبين طبيعة الحكم في العراق ويقول: (العراق دولة عربية مسلمة ديمقراطية فيدرالية...)، ثم يقول: (أي حكم يخالف ثوابت الشريعة يعد لاغياً ، أي حكم يخالف روح الديمقراطية أيضاً يعد لاغياً...)! لكن لم يبين الدستور اذا ما حصل ان تعارض حكم في الشريعة الاسلامية مع الديمقراطية او بالعكس فماذا نعمل؟ هذا بمعنى ان حكمنا فيه رأسان: رأس ديمقراطية ورأس الشريعة الاسلامية! – مثلاً- محال بيع الخمور والملاهي مخالفة للشريعة الاسلامية لكنها موافقة للحرية، فهل نسمح للملاهي أم لا؟! وماذا هو موقف المشرع ؟ ثم من اين نعرف ان هذا القانون خلاف الشريعة أم لا؟ لنفترض ان قانوناً قُدم من قبل مجلس الوزراء الى البرلمان وهو وافق عليه بنسبة جيدة لكنه يخالف الشريعة، فمن يستيطع ان يحدد هذه المخالفة، إذن؛ لابد من وجود محكمة دستورية هي المفروض ان تشرف على القوانين الصادرة، وهذه المحكمة يجب ان تكون من جهة دستورية - ديمقراطية ومن جهة شرعية.
لقد دعوت منذ اقرار الدستور الى اشراك علماء الدين في عملية التقنين الى جانب علماء القانون حتى يفرزوا القانون المخالف للشريعة عن القانون الموافق لها، فالقانون الموجود متناقض مع القانون الجديد الذي نحن نتوقعه، فيجب ان يكون متوافقا مع الدين، ومتوافقا مع العصر وحاجات العراق ومتوافقا ايضا مع سائر القوانين المرعية، لكن نقر ان هذا عمل شاق وليس بسهل. لذلك اقول ما يلي :
اولا: لعلاج هذه المشكلة لابد ان تكون هناك لجان استشارية ضخمة جداً و واسعة تتواصل مع لجان البرلمان المختلفة حتى تنضج القوانين وتجعلها متوافقة مع روح العصر ومع روح الديمقراطية ومع الروح الاسلامية ومع حاجات العراق اليومية. وليس عندنا نقص في الميزانية لتشكيل هكذا لجان ولا نقص في الخبراء، ما شاء الله عندنا في العراق علماء في الشريعة نصدرهم للعالم وعلماء في القانون ايضا، يمكن جمعهم في هذه اللجان ، وليست ثمة حاجة للذهاب الى المنطقة الخضراء، ليكونوا في اماكنهم، لكن القانون يذهب لهم، و هم يعلقون على القانون وحتى لو افترضنا انه في موضوعة معينة ما نملك خبيرا قانونيا، فيمكن ان نستعين بخبراء قانونيين دوليين. لان هذه قضية خبروية مثل ما في الطب نرجع الى الاخرين، او في الهندسة كذلك، ففي القانون ايضا نرجع الى الاخرين.
ثانيا: دعوتي الى الشعب العراقي الكريم، فالقانون وضع لكم، ولابد ان تساهموا فيه، انها روح الديمقراطية و روح الشورى وهذا معنى قوله "وامرهم شورى بينهم"، لا تدعوا شخصاً واحداً تعتمدون عليهم مئة بالمئة بان يسنّ لكم قانوناً، بل فكروا واذهبوا هنا وهناك للسؤال والبحث عن صحته من عدمه، في كثير من انحاء العالم حينما يقترح قانون يعرض على الاستفتاء ويطرح في مؤتمرات وجلسات حتى يكون قانوناً، لان القانون مرتبط بالاستثمار وبالنفط وامور كثيرة ، فلابد من التفكير به، هناك عقلية أدينها وهي تعشعش في هذه البقعة المباركة كربلاء المقدسة، وهي عقلية الراعي والرعية، كما لو ان الحاكم مثل راعي الاغنام والرعية مثل قطيع الغنم. هذه العقلية فاسدة وكاسدة وأثبتت فشلها في العالم أجمع، وقد اثبتت فشلها في (الاتحاد السوفيتي) ايام ستالين ولا في في المانيا في عهد (هتلر) ولا هنا في العراق في ايام الطاغية البائد.
ان الحاكم الناجح الذي يكون من الناس وفي الناس يسمع حديثهم ويستشيرهم ، ثم هنالك مسألة وهي ان المسؤول لا يدوم في منصبه، إذن، يجب ان يتذكر المسؤول انه مغادر منصبه ان عاجلاً ام آجلاً، فلا يفعل الامر السيئ، لان في هذه الحالة ستلحق به اللعنات وسيحاكمونه كما يحاكمه الله ايضا يوم القيامة، ان الاسلام الغى عقلية الراعي والرعية، ولكم ان تدرسوا كتاب (القضاء في شرائع الاسلام) يقول: اذا دخل اثنان على الحاكم فان الحاكم لا يحق ان يقدم احد على الاخر في الدخول، بل عليه ان يقترع بينهما أيهما يدخل عليه! من هنا يتحدث الكثير من الناس عن اصحاب الابراج العاجية لماذا لا ينزلون الى المجتمع ولا نراهم لا بالمساجد ولا بالمراقد المقدسة ولا بين الناس؟ وهم يعلمون ان هؤلاء الناس هم الذين جاؤوا بهم الى المناصب الرفيعة بدمائهم وبتعبهم، إن الشعب ليس هو ذلك الشعب الذي كان عقودا من الزمن بل هو شعب يقظ، وهذا هو حال الشعوب العربية التي لاحظنا كيف انها ثارت وانتفضت على انظمتها الفاسدة واطاحت بزعمائها الطغاة.
نقل لي احد المقربين من زعيم في احد البلاد الاسلامية انه خرج في منتصف الليل وقال اريد الخروج بالسيارة خارج المدينة، فذهبت معه اصبحنا بالقرب من منطقة يسكنها اصحاب الاكواخ فتوقف هناك وطرق الباب، وكان الناس نيام، فتفاجأوا بوجود رئيس البلد عند الباب فضيفوه بالشاي و جلس عندهم نصف ساعة ثم قال: هل عندكم مشكلة؟ وما هي طموحاتكم؟ ثم غادر المكان، وقال بعدها : الان اشعر بالارتياح لاني عرفت ماذا يريد الشعب مني.
من هنا يجب على الشعب ان يساهم في سنّ القوانين وصياغة القرارات، والى جانب هذا ادعو الشعب ان يؤيد النظام ويسدد خطواته، فهو بالحقيقة بمنزلة الأب لهذا النظام القائم، وهذا النظام هو ابن البلد، و ابن البلد لا يكون أباه، فاذا رأى الناس ابنهم يعمل بشكل صحيح وجيد سيشجعونه، واذا اخطأ يسددونه. نحن لا نريد ثورات ولا نريد تظاهرات يومية نخرج في الشوراع ونكون سبباً في خراب البلد، انما نريد حالة طبيعية تتحقق فيها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لامام المسلمين من الواجبات الشرعية، وامام الشعب وسائل اتصال واعلام متعددة مثل الانترنت والفيسبوك والفضائيات فمن خلالها يمكن قول كلمة الحق، وليس بالضرورة ان الكلمة عنيفة دائماً، ربنا تعالى يقول: "ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" ، و "بالتي هي احسن" ، ولا يعتقد احد ان الحياة تكون جنة بشكل تلقائي ، بل من الاستفادة من الفرص والاوضاع الموجودة، حيث الحرية والديمقراطية والامن، حتى يزيد الله النعمة علينا.