قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

ضمير الحسين (ع)
أمين أحمد
اعتاد البشر على التكيّف مع الأوضاع الخاطئة وسحق الضمير، وعندما يعاود الضمير الصراخ، رافضا تلك الهدنة الدائمة مع الخطأ، يشرع البشر في إسكات صوت الضمير وصنع إطار جميل خادع يوضع فيه الخطأ ليبدو مقبولا، ولكن مهما بالغ البشر في وضع رتوش التجميل على الأوضاع الخاطئة، فإن هناك من يرى، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الشأن: (فضّل الله العالم على العابد بسبعين درجة، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاماً، وذلك أن الشيطان يضع البدعة للناس فيُبصرها العالم فينهى عنها، والعابد مُقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها). ومن الجدير بالذكر أن من أخطر الأمور التي تهدد حياة البشر والحضارات المتألقة، ذلك السلوك القائم على تزيين الخطأ ووضعه في إطار قانوني أو شرعي جميل خادع، يتم من خلاله تضليل الضمير الاجتماعي. ويشير الكاتب ستيفن كوفي إلى مخاطر الضياع في خرائب الضمير الاجتماعي بقوله: (لقد قادني ضميري من الداخل إلى اختيار بديل يتناقض تماما مع المنطق والضغوط الاجتماعية.. إن من أهم خطوات التحرر في الحياة أن تنصت إلى صوت الضمير وحده وتستجيب له وحده.. الكثير من الشعور بالذنب الذي نعانيه قد يكون صادرا من الضمير الاجتماعي وليس ضميرنا الشخصي، وهذا النوع من الشعور لا يعلمنا ولكنه يعوقنا عن التقدم).
هذه الحقائق الخاصة بالضمير كانت تغلي في صدر الإمام الحسين عليه السلام، وهو يرى جموع الناس تنسحب من الحق المُر إلى الباطل المُزيّن برجال خلت صدورهم من وخز الضمير، وقد اضطر الإمام الحسين عليه السلام لرفع صوته في وجه هؤلاء الرجال لتصبح كلماته مدوّية على مر السنين، حيث يقول: (إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم)، ولرفع الروح المعنوية في معسكره كان الإمام الحسين عليه السلام يتوجّه إلى أهل بيته وأصحابه ليبث فيهم روح الإقدام والثبات، قائلا: (ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه؟ فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً.. من كان باذلا فينا مهجته وموطّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا.. من لحق بنا استشهد ومن تخلّف عنا لم يبلغ الفتح). ومن الواضح أن قيام الإمام الحسين عليه السلام كان يستهدف بعث الروح في الضمير الاجتماعي الذي شرع في الأُفول، وقد كان عليه السلام على يقين بأن ثمار تلك الملحمة التي شهدتها أرض كربلاء ستظهر على المدى البعيد لتبقى وتتجدد ما بقي الدهر.
لذا فعندما سكتت أصوات السيوف في كربلاء ومرت الأيام وجاء رجل إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وسأله بنوع من الشماتة: من الذي غلب؟ رد عليه الإمام زين العابدين عليه السلام قائلا: (إذا دخل وقت الصلاة فأَذّن وأَقمْ تعرف من الغالب) !؟