احمد الجنديل... حداثة القديم وعالمية الهم
قصص (أنا وكلبي والصقيع) الصادرة من اتحاد الكتاب العرب
|
عرض: عدنان عباس سلطان
القصص القديمة التي تداولتها الشعوب وتبنّتها ضمن الثقافات المتعددة لها لا يمكن أن تنتمي إلى مكان وزمان محددين، وذلك لأنها تماهت بدرجات كبيرة مع ثقافة المجتمع الذي تبناها وصارت لُبنة ميثولوجية تعدّ من ضمن خصائصها ولونها المميز، وقد صارت تلك القصص التي تنتمي لجذر واحد داخلة في ثقافة كثير من الشعوب مع اختلاف اساليبها مع النسق الثقافي الملائم، كذلك ما جادت به القرائح في مضاميرها والنسج على منوالها.
والقصص التي ترجمها ابن المقفع واجرى تعريبها بذكاء نادر قد أضفى عليها روحاً عربية وضمّنها عادات وتقاليد عراقية على وجه التحديد مما اعطاها الشيوع وصارت حديث النوادي وتجمعات السمر ومجالس الاخوان لعهود طويلة، رغم أنها مغايرة لرغبات السلطة وليست على وفق أهواء الخلفاء، وكان هذا عاملاً مساعداً لقوة تأثيرها وديمومتها، لكنها بعد ذلك صارت من ضمن التراث الأدبي العربي بكل اقتدار، وتماهت بحيث لا يمكن فرزها عن الثقافة أو التراث العربي بأي شكل من الاشكال، ورغم ذلك فإنها صالحة ايضاً لأن تنتمي لأي مجتمع آخر، وقابلة إن تتمظهر باللون الثقافي الجديد.
ويعرف المتتبعون لثقافة الشعوب بأن تلك القصص كانت تروى في كثير من المجتمعات وبلغات متمايزة وفق اساليب منوعة كلبنة ثقافية في الصرح الثقافي لذلك المجتمع ويعود السبب من وراء شيوعها الى أنها اتخذت الهم العام الذي لا ينتمي بنفس القوة الى مكان محدد، فهي تباغت الظالمين أينما وجدوا وتهاجم الشر أينما كان يعيث في المغلوبين.
وقصص احمد الجنديل (أنا وكلبي والصقيع) تشابهت في الشخصيات وزادت عليها لكنها كانت اكثر ابداعاً للتمويه في المحتوى والحداثة في الشكل ومن هنا فإنها قد لا تنتمي الى المحلية بنفس القوة التي تنتمي فيها الى الأفق الأوسع، وربما تكون هناك موازنة بين انتمائها للمحلية وبين انتمائها للعلمية بكونها كانت معنية ظاهراً وباطناً بالهم الانساني، والصراع البشري المستديم كناموس لا ينتهي إلا ويبدأ من جديد.
أما شخصيات احمد الجنديل في قصص (انا وكلبي والصقيع) فهي شخصيات مموهة بعوالم حيوانية أو حشرية تجري عليها احداث الحكايات، وتتداول الحكمة والوعظ والاستنتاجات والمغزى المستتر في بنيتها الأدبية، ومثل هذه القصص المموهة قد لا يمكنها أن تتحدث عن الفردية الذاتية وإنما هي مصممة لتقول بلسان جمع من الناس وتعبر عن رؤية مجتمعية، وهو شأن المعارضة التي تقابل التسلط والظلم والعدوان بصوت جمعي، أي إنها الفريق المناضل من اجل العدالة وتحقيق انسانية الانسان ودفع الظلم عن المظلومين وكشف أحابيل السلطة واسرارها وألاعيبها لاستغفال الشعوب.
احمد الجنديل في قصصه (انا وكلبي والصقيع) يكشف عن خيال حكائي واسع الأفق ونلمس ذلك من خلال الكم الهائل من القصص التي يضمها الكتاب وتنوعات القصص والصور التي يحشدها ومدى التلاعب في الالفاظ والتمويه باقتدار كاتب قصصي متمكن بأدواته المعرفية الرصينة واخضاعه للغته التي يسيطر عليها لناموس جمعي أقوى من الناموس الذاتي الفردي الذي يتولى المتلقي بكون الهم الجمعي اكثر تأثيراً واكثر فاعلية في توجيه الرأي العام والتأثير السياسي. كل ذلك من خلال القدرة الثقافية والخصائص المجتمعية.
فإسلوب اللمحة الرشيقة والضربة الذكية تصيران الى مايشبه المصيدة التي تلزم المتلقي بها كما تلزم الظالم بحيث تتحول الىاللسان الشعبي وهو العامل الاخطر الذي يصبح فيما بعد ناردة بلسان الناس وفضح الظلمة واساليبهم والاعلامية في العش والدجل والتدليس فتجري جريان النكتة أو الطرفة التي تدور في فلك السلاطين وزبانيتهم.
احمد الجنديل في قصصه (انا وكلبي والصقيع) استثمر التراث الحكائي العربي بشكل عام والعراقي بصورة خاصة بحيث شكل من ذلك التراث أفقاً أوسع وبمهارة الكاتب الملتزم بقضايا الانسان المصيرية، كما هو دأبه في مجموعته الثانية الصادرة من اتحاد الكتاب العرب (هذيان في حقيبة).
(انا وكلبي والصقيع) عمل قصصي متفرّد له النكهة الغائية الاصيلة وله الاشارة الرشيقة واللمحة الدالة على غرار (الحسجة) التي تعني المواربة للمقاصد أو التورية التي يفهمها المتلقي ولا تلزم القائل بها فهي تخدم الفكرة وتعتذر عن الراوي في ذات اللحظة.
واذا كان المجتمع العراقي متميزاً بهذا الشكل الثقافي في مجالسهم ودواوينهم وانواع طبقاتهم فان الشعوب على اختلاف ثقافاتها تستخدم التورية بأساليبها وطرقها الخاصة، لكنها على أي حال ليس بالمستوى الذي يستخدمه الشعب العراقي.
(انا وكلبي والصقيع) لاحمد الجنديل: قصص عالمية الهم تقف مع المظلومين في مختلف الاصقاع في ارض الله ضد التسلط والعنجهية والعتاة أينما وجدوا.
|
|