محاضرة يلقيها... سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي
الفيروسات اللاأخلاقية أبعدتنا عن النموذج الاسلامي
|
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ* وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ*" الأحقاف (15 – 18)
آمنا بالله
صدق الله العلي العظيم
هل كتب علينا نحن المسلمين في مختلف أقطار الارض أن نعيش مع الآلام والحروب والتهجير والتخلف والفقر والمرض مع دول مفروضة علينا فرضاً تحكم بالنار والحديد وتضيق علينا انفاسنا وتلاحقنا بقوانين ما أنزل الله بها من سلطان؟
أ هذا يُعد كتاباً مفروضاً وقدراً مقدراً من الله؟! أم أن هناك سبباً آخر؟
في الحقيقة هناك أمور مفروضة علينا، فكل انسان يولد في أرض لم يخترها ويحمل جنسية لم يكن قد قرر أن يحملها، وينتمي إلى اسرة وعشيرة لم يكن قد وافق على الانتماء اليها، وهناك أمور أخرى مفروضة على الانسان.. متى يموت؟ وأين يدفن؟ وماذا يكسب غداً؟ كل ذلك لا يعرف عنه شيء، ولكن هناك ايضاً أموراً اخرى ليست إلا بقرار الانسان وربنا سبحانه وتعالى يقول: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، فليست صدفة أن تعيش الامة في هذه الحقبة من الزمان في هذه الوضعية المزرية، إنما تتبع قانوناً إلهياً في هذا الكون، "إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..." (الإسراء/ 7)، فالإساءة والإحسان من الإنسان وتعود اليه، سواء أكان احساناً أم إساءة.
ونحن إذا درسنا حركة الشعوب في التاريخ وبيان القرآن لهذه الحركة وكيف كان الخط البياني لهذا الشعب في تصاعد ثم وصل إلى القمة وانهار فجأة أو تراجع شيئاً فشيئاً إلى أن أُبتلي، نجد إن تلك السنن هي نفسها موجودة فيما مضى من الزمن والى اليوم.
أيها الاخوة: الانسان الواحد كالجسد إذا درس نفسه وطبيعة القوانين والانظمة الإلهية الحاكمة على جسده كإنسان، يجد بصورة واضحة أن كثيراً من الأمور مرتبطة به، فإذا تمرض وذهب إلى الطبيب واخذ الدواء ومارس الحمية وارتاح فسيشفيه الله، أما إذا لم يهتم بالدواء والطبيب والحمية فسيزداد عليه المرض، وهذا الشيء يعرفه حتى الطفل في بداية حياته ويعرف كيف إن تصرفاته تنعكس عليه، ولكن في جسم الانسان آلية معينة عادة لا يعرفها إلا ذوي الاختصاص وهي أن هذا المرض الذي ينتشر في جسم الانسان، مثل المرض الذي ينتشر في هذه الايام وهو مرض الانفلونزا المعروف بـ (H1N1)،هذا المرض ظاهره حمّى ورشح وربو وانهيار، لكن في الحقيقة هذا إنما هو علامة المرض، والمرض هو انتشار الفيروس في جسم الانسان، كذلك سائر الامراض.
هذه الامراض هي مجموعة فيروسات أو ميكروبات أو نقص عضوي في جسم الانسان، مثل ضعف في القلب أو الكلية أو الكبد أو البنكرياس أو في غيرها، كلها تنعكس في شكل علامات أو ظواهر خارجية.
وكذلك الأمم، فالمرض في مكان وعلاماته في مكان آخر ، وإذا رأيت أمة يعشعش فيها الفقر وقد لزمت بابها المشاكل، فمن مشكلة الى مشكلة اخرى، ومن طاغوت الى طاغوت آخر ومن حرب اهلية الى أخرى، ومن تخلف الى دكتاتورية ومن دكتاتورية الى تخلف، فإذا رأيت هذه العلامات فهذه ليست المرض بل إن المرض في مكان آخر، واكثر الناس مع الأسف ينظرون فقط الى علامات المرض ولا ينظرون الى الاسباب الحقيقية التي تكمن وراءها.
ربنا سبحانه وتعالى يقول: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" ولكن من يعرف اليوم أن الإحتباس الحراري والذي انتهى الى هذه الموجات المتتالية من الجفاف والمشاكل الحادة التي تنشأ من شحّ المياه، والحروب التي قد تنشأ من شحّ المياه ايضاً، من يعرف أن سببه كذا... مصنع أو كذا... قرار عند فلان... أو فلان... أو هذه الدولة أو تلك؟ فالإحتباس الحراري سبّب لنا ظاهرة، من آثارها المشاكل التي تحدث في خرق الاوزون وذوبان الثلوج وارتفاع منسوب المياه في البحار، تصور إنك جالس في بيتك وترى أن البحر أو الخليج يصل اليك، لماذا؟ لأنه عندما يرتفع منسوب المياه فالبحر ليس بنهر حتى يمكن أن تعمل له سداً فهو بحر، كل هذا سببه الاحتباس الحراري وهذه الحرارة تؤدي الى ذوبان الثلوج في القطب ومن ثم فإذا بمنسوب المياه يصعد وهذا معناه إن ما حول الشواطئ سوف يغور ويختفي، وفعلاً أنا رأيت على بعض البحار أن بيوتاً كثيرة وشوارعاً تحت البحر مما يعني أن البحر قد زاد منسوبه، وهل يمكن حبس البحر؟ مما يسبب ذلك في انتهاء الثروة الحيوانية والبحرية ومشاكل التصحر وغيرها.
هذه الحقيقة لا يعرفها إلا الخبراء فهم لديهم دقة وتمييز في المسألة، والدين وكتاب الدين وهو القرآن المجيد شرح لنا كل ذلك بصورة تفصيلية أو اقل بصورة اجمالية كلية، فقال إن الذي يقوم بعمل فهذا العمل سيعود عليه بطريقة او بأخرى وسواء أ اعترف بذلك أم لم يعترف، إذ لا مشكلة من عدم اعترافه، فالذي يرمي بنفسه من شاهق وتتهشم عضامه ، فهل ينفعه رفضه بانه لن يصاب بشيء، ولو قال (لا) عشرين بل ألف مرة؟ فهذه سنة الله، وسنة الله هي التي تقضي عليه، فالله سبحانه وتعالى لم يفرض علينا حياة أليمة والعذاب والمشاكل، إنما بما كسبت ايدينا، وإذا كابرنا ولم نرد ولم نشأ أن نفهم هذه الحقيقة لا كأفراد ولا كمجتمع، ولا يدرك نفسه فيلقي اللوم على زيد أو عمر أو بكر أو التاريخ أو على الطبيعة أو على البيئة وعلى.... لكن لم يؤنب نفسه ويحاسبها ويقول أنا المسؤول وإذا قال الانسان أنا المسؤول فليفكر كيف يحاسب نفسه ويغير واقعه.
إن الانسان مسؤول، "وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ"، وكل واحد عنده كتاب وطائر وكل شيء مكتوب في هذا الطائر، ماذا عمل؟ وماذا لم يعمل؟ فيوم القيامة يتعجب الانسان عندما يكون كتابه في يديه ويقول: "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً" فكل الذي عمله سيكون حاضراً أمامه ويكتبون كم مرة تنفس، فأنا وأنت ليس عندنا احصائية بكم مرة تنفسنا، لكنه مكتوب كم شهيق وكم زفير، وكم مرة لمحت العيون ولما تلمح العيون كم مرة لمحت وكم مرة شاهدت، فالله يعلم وزن الضياء و وزن الهواء ألا يمكنه أن يعرف وزنك و وزني و وزن عيني، فهذا كله مكتوب عند الله "مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا" ، فكل شيء أُحصي على هذا الانسان، وهذا الاحصاء ينعكس عليه، ويمكن أن تكون أنت على مائدة طعام إن أكلت لقمة اضافية فساعتين من عمرك تقل، وإن لم تأكل هذه اللقمة الاضافية فساعتين من عمرك تزداد، هذا كله مكتوب هناك ولكن عندنا مجهولاً لماذا؟ لأن الدنيا دار امتحان وابتلاء ولو أن كل شيء كان معلوماً لبطل الابتلاء وبطلت فائدة الدنيا، أن اساس الدنيا هي قاعة امتحان، وإذا دخل شخص لقاعة الامتحان ويعرف الاسئلة مسبقاً فهل يسمى هذا امتحان؟ كلا، فالسؤال ليس واضحاً والفتنة ليست واضحة وهنا الانسان يلزم ضميره وعقله وإيمانه.
حسناً.. لو سألتني سؤالاً من أين نبدأ؟ وإذا نحن نعرف بأن ما نمر به من مشاكل وويلات وأزمات و... كل ذلك من عندنا، فمن أين نبدأ حتى نصلح انفسنا؟
بصورة سريعة أُسلسل الموضوع..
إن القصة بالرغم من أنها مكررة في القرآن وفي روايات أهل البيت (ع) والخطباء يبينونها لكنها صعبة التطبيق لماذا؟ لأنه يتواجه تطبيق هذه السنة الإلهية مع شيء في داخلنا اسمه هوى النفس والشيطان والوساوس، والثقافات الباطلة لم تدعنا نرى طريقنا ونغير واقعنا وكل واحد منا يكابر ويقول: أنا لم يحدث لي شيء، إنما حصل في الجيران! يعني نلقي اللوم على الآخرين، وأنا دائما اقول لأخواننا واصدقائنا الطيبين أنه كل واحد منا يريد أن يكون الآخرون في احسن حال، فيقول: فلان... لماذا لم يسلم عليّ ولماذا لم يصلّ صلاة الليل ولماذا...؟ يعني يحب أن يكون هذا مؤدباَ وذاك مهذباً وهذا صوّاماً وقواماً، ولكن على نفسه لا يفكر في ذلك، فيجب أن تكون أنت احسن منه، أنت تطالب الآخر وهذه من حجج الله على الانسان، وأنت عندما طالبت الآخرين بأن يكونوا مؤمنين صالحين صادقين وعندهم الصفات الحسنة وأنت تعرف هذه الصفات الحسنة فلماذا لا تطبقها على نفسك؟
أحد الاخوان يقول: رأيت شخصاً مريضاً وصحته متدهورة جداً، فقلت له: مابك؟ فقال: السكري، قلت له ماهو عملك؟ فقال: طبيب، قلت له: أ متخصص أم عام؟ قال: متخصص، فقلت له: متخصص بماذا؟ قال: بالسكري، فقلت: الحمد لله. فهل رأيت طبيب عيون وعينه لا ترى فكيف يحدث هذا، فانت مادمت طبيباً، عالج نفسك، والكلام الذي تقوله للآخرين طبق نصفه على نفسك.
فمن أين نبدأ...؟
نبدأ من شيء مهم جداً وهو اصلاح الاخلاق... هذه كلمة – الاخلاق- طالما سمعناها من آبائنا وامهاتنا واجدادنا وعلمائنا وقرأناها في الكتب المدرسية، مثل الوفاء والصدق والامانة و... كلها قرأناها ولكن المسافة شاسعة بين ما نقرأ وبين ما نعمل ونطبق، فهذه الاخلاق هي كل شيء في حياة الانسان فالمجتمع الذي يخون بعضه بعضاً ويحسد بعضه بعضاً ولا يتعاونون مع بعض ويتكالبون على الدنيا ويتنازعون على ابسط شيء ويتفرقون لأبسط شيء فهذا المجتمع لا يستطيع أن يتقدم، أي مجتمع استطاع أن يتقدم في غضون الخيانة والتفرقة والحسد والكسل والفشل والكلام الذي يلقيه على كاهله ولم يطبقه وبخلف الوعد ونقض العهد في التاريخ كله؟ اذهبوا الى أفريقيا وادخلوا بها سترون أناساً مساكين، تفتك بهم الامراض والتصحر والصراعات القبلية والتخلف ، وعندما تدخل سترى اسلوباً ثقافياً واخلاقياً وكل شخص يتنازع مع آخر على ابسط شيء، لكن اذهب إلى أي مجتمع ناهض و واعد فتمعن فيه سترى عندهم نوعاً من الاخلاق فلا توجد هناك نار بلا دخان وليس هناك شيء بدون سبب، وهذه وصية الأولياء والأنبياء والقرآن وأهل البيت (عليهم السلام) وقد حدثنا بها آباؤنا وأمهاتنا، ولكن عندما نأتي للتطبيق لم تجد هناك أي تطبيق.
أيها الأخوة : دعونا نبدأ من أنفسنا، طبعاً هذا صعب لأن الانسان لا يستطيع أن يغرد وحده على الشجرة فلا بد ان يكون هناك سرب، ولكن أنت ابدأ بنفسك واصلحها وقل أنا من الآن سأكون صادقاً و وفياً و واقع كلامي وعملي سيكون شيئاً واحداً، ثم لاحظ النتائج.
كنت فيما مضى من الزمن في إحدى المطارات، وفيما كنت على عجل من أمري لأن طائرتي كانت جاهزة للاقلاع، إلتقى بي شخص كان هو ايضاً على عجلة من أمره فقال لي: سيدنا انصحني نصيحة واحدة! فقلت له، بعد أن رأيته شاباً بريئاً محباً للنصيحة: فلتكن كلمتك مع الله هي نفسها مع الناس، فقال: إن شاء الله، ثم انطلق، وبعد حوالي عشرة سنوات التقيته في روضة من رياض الأئمة (عليهم السلام) وقال لي: أنا ذلك الشخص الذي رأيته في المطار الفلاني... وفي كذا يوم فتذكرته فقال: لكن سيدنا وصيتك هذه صعبة جداً ولا استطيع أن اطبقها، فالكلام الذي اقوله في الليل لله ولنفسي ولضميري اقوله للناس، فلا بد أن يكون هناك فرق ، فلنصفي قلوبنا ونتراحم بيننا ونتعاون معاً، هذه الصفات إذا إلتزم المجمتع كله بها فسيصعد المجتمع وإذا التزمنا، أنا وأنت بها كأفراد فسنصعد نحن، وليس بالضرورة كل المجتمع، حتى الفرد الواحد اذا التزم بينه وبين نفسه فسيوفقه الله في حياته.
والآيات التي توجنا الحديث بها من سورة الاحقاف تحكي عن نمطين من الناس:
النمط الأول: هو النمط الاخلاقي الطيب، فمن هو هذا الانسان ؟ أن يكون أول شيء عنده الاهتمام بالوالدين، وليست هذه القضية بالسهلة واليسيرة، لأن الوالدين هما اللذان يعبران لي عن كل الخلق الفاضل وعن كل التجارب الحضارية والاخلاقية والأب والأم عندما يعلمونني على اللغة ففي الحقيقة هم يعلمونني على وعاء، وهذا الوعاء هو ظرف وبداخله تجارب التاريخ والقيم والعاطفة والاخلاق كلها في هذا الظرف الذي يعطني اسم اللغة العربية - مثلاً- وهذه بداخلها ستكون كل الركائز الداخلية والدليل على ذلك هذا الانسان؛ فإذا وضعته في جزيرة لوحده ولم يتعلم سيكون لا يعلم شيئاً، ولكن أنا وأنت بتوفيق الله سبحانه وتعالى، وتجارب أبينا آدم (ع) صفي الله الى نوح الى لوط الى الأنبياء الى الأئمة (ع) كل التجارب الموجودة التي حفظتها عندك من أبيك وأمك فعندما يذكرون لك قصة آدم (ع) كيف ذهب وكيف أتى للشجرة وهل يأكل أم لا وفي النهاية قالت له زوجته: بأن يأكل ما نهاهما الله عنه، وأكل وأُخرج من الجنة، فهذه القصة عندما اخبرونا إياها في الحقيقة اعطونا تقوى داخلية في داخلنا، هي قصة عادية لكنها قصة معبرة تتضمن فكرة وبصيرة واخلاق وكذلك القصص الاخرى، فأول شيء نحن نحتاجه أن تكون العلاقة بين الوالدين وبين الاولاد علاقة ايجابية وهذه مسؤولية مشتركة بين الوالدين والذرية والاولاد، فالوالدان عليهما أن يعتبرا هذا الولد مسؤولية الله وهذه أمانة وعندهم هذه المدرسة –مدرسة الاسرة أو البيت- فيجب أن يعطوه الرحيق الذي عندهم وكل ما عندهم من افكار وتجارب وتاريخ لكن بماذا؟ بالتي هي احسن، وإذا قام الوالدان بفرض على الأولاد فرضاً فلربما يسببون رد فعل للطفل وهذا الرد فعل يسبب أمر عكسي، أما الولد فيجب أن ينظر الى الوالدين وسيلة النعمة، فالله انعم عليه كل النعم بواسطة الوالدين وهم اصل وجوده وانظر الآية القرآنية في سورة الاحقاف ماذا تقول: "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً" يجب أن تهتم بالوالدين ولكن اهتمامك الاكبر يكون بمن؟ "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً" أولاً يوصي بالوالدين ومن ثم يتخصص بالأم، أنظروا تقدير الاسلام للأم والمرأة "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً" ثلاثون شهر بالنسبة لهذه الأم الضعيفة فإنه دهراً، لأن في كل ساعة من ساعة حياتها عينها على هذا الطفل سواء أكانت قد حملته في بطنها أم على يدها أو في أيام الرضاع مما يعني وجودها من وجود هذا الطفل "حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً"، الآن هذا الطفل كبر وأصبح عمره 12-13 سنة وهو يوم بلوغ الكمال الجسمي والروحي ونسميه البلوغ الشرعي "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ" وعندما صار شاباًَ أو اصبحت البنت فتاةً فهذه لحظة من لحظات التجلل الإلهي، الله سبحانه يتجلل بقلبه، أول تكليف يعطي الله روحية ايمانية في قلب الولد والفتاة وتصبح عنده انفتاح على الطبيعة ويقول إن ابي قد تعب علي بهذا الشكل وأمي كذلك فيكون عنده تجلي، "وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً" وبعدها هذا النداء الإلهي يخفت ويبقى يمشي من 13 سنة الى أن يصل عمره الى 40 سنة وعندما صار عمره 40 سنة فإن عقله يكتمل وخصوصاً اذا صار عنده اولاد وعرف كيف يتعب على اولاده فيقيس الأمر فيقول كم تعب علي أبي وأمي وانا لا أدري، "حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيّ " إلهي أنا ضعيف عن شكرك لم استطع شكرك فكم ياربي اشكرك وعلى أي شيء من النعم اشكرك فلم تدع شيء من النعم لم ترزقني اياها، صحة الجسم والعافية والأمن والجوارح والجوامح... الخ، ربي اعطني القوة فقط لأشكرك، "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيّ" ماذا يعني (على والدي) يا أخي أن اباك قد تعب عليك وتوفاه الله وذهب الى سبيل ربه، فمثلاً في ليلة الجمعة تذهب للزيارة في الحرم الحسيني وتصلي وتدعو لأبيك، هذه عادات حسنة، وقد يكون أبوك عندما مات قد ترك خلفة بعض الحقوق الشرعية وغير الشرعية للناس على نفسه ويمكن أن يكون لم يؤدِ واجباته بصورة كاملة فمن المفروض عليك وشكراً لأبيك أن تؤدي الحقوق التي عليه إما من قبل الناس وإما من قبل الله، قد يكون لم يؤدِ الزكاة أو الخمس أو بعض النذور لم يوفِها، أو يطلبه بعض الناس ولم يوفِهم ديونهم، أو إغتاب شخصاً ولم يأخذ براءة الذمة منه، فأنت تقوم بدور الأب لأداء حقوق الناس، "أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ" وأن أكون رجلاً صالحاً ومؤدباً يعني كيف تريد الناس أن يكونوا فكن أنت كما تريد الناس، ولا يحتاج اكثر من هذا، فالصدق والوفاء من الصفات الجميلة للانسان فهي زينة الانسان وجماله (والآداب حلل الحسان) كما يقول الإمام علي (ع) وهذه مثلما تلبس ثوبا جميلاً ونظيفاً فالأدب كذلك، وكن مؤدباً مع الآخرين، "وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي" وكذلك يارب اصلح لي في اولادي يعني هذه السلسلة من أبي ولي ومن ثم لأولادي، "إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" هؤلاء هم نمط الذين يقول الله عنهم "أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ" فهؤلاء مكتوب اسماءهم في اهل الجنة.
والنمط الآخر: وهذا النمط - والعياذ بالله- مع الأسف هو سبب مشاكلنا هذا اليوم، "وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي" يتمرد، هذا جيل المتمردين الذين نتكلم عنهم فيتمرد على أبيه فيقول ماهذا الكلام والخرافات، أعوذ بالله، يعني أنا اموت وبعدها الله سبحانه يخرجني مرة ثانية ويحاسبني ما هذا الكلام، "وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ" فأمه وأبوه يقومون بكل ما أستطاعوا في سبيل بيان نورالإيمان، "إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ* أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ"، فنحن ينبغي علينا جميعاً العمل من أجل اصلاح مجتمعنا واصلاح ما بيننا والتحول الى ذلك الأنموذج الطيب، وإذا تحولنا الى الأنموذج الاسلامي فإن الله سبحانه سيرحمنا وسيذهب عنا هذا العذاب، فهذا العذاب إنما جاء بسبب هذه الامراض والفيروسات التي بداخلنا وهذه الاخلاقيات غير الحسنة التي انتشرت في مجتمعنا وربنا قادر على كل شيء بين المغرب والعشاء يفعل الله ما يشاء، في لحظة واحدة ترى أن الدنيا قد انقلبت الى الصلاح وإذا لم يوجد الماء فسينزل المطر، وإذا لم يوجد الأمن فإن الله سوف يأخذ الارهابيين ويرسلهم الى بلد آخر، وإن كانت هناك مشكلة الإمكانات فإن الله سوف ينزل عليك الامكانات، وهذا على الله يسير، ولكن اصلح بينك وبين الله.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح بحق محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
|
|