قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لا نجعل الأرق مرضاً مزمناً
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *عبد الكريم العامري*
رغم التغيرات التي يمر بها المجتمع العراقي التي بدورها غيرت المواطن، وجعلته في دوامة لا تنتهي بسهولة، ظهرت مشكلات كثيرة ولدت منها معاناة أكثر، منها ظاهرة الأرق، رغم حالة الكسل والركون الى الراحة السائد في أوساطنا، إلا اننا نواجه مشكلة النوم بشكل طبيعي ومريح.
لابد أن كلا منا مر بتجربة القلق المقيتة مرةً أو عدة مرات. الا أن هناك الكثيرين ممن يعانون من عوارضه معظم لياليهم. الكثيرون من هؤلاء يتعاطون العقاقير المنوّمة بحيث أصبحت هذه جزءاً من نظام غذائهم اليومي. هؤلاء الناس مصابون بالأرق المزمن الذي أصبح اليوم موضوعاً لدراسات وبحوث عديدة.
ماهو الأرق ؟
من الخطأ الشائع أن نقول ان القلق هو عدم التمكن من النوم كليا، فلا تجوز الحياة من دون نوم. اذا قال أحد أصحابنا انه لم ينم لحظة واحدة، فما يعنيه بالأصح هو أنه يشعر وكأنه لم ينم أطلاقاً. الذين يشكون الأرق يزعجهم بالأحرى البقاء مدة طويلة في الفراش قبل أن يتمكنوا من النوم، أو الاستيقاظ في منتصف الليل دونما سبب، ومن دون أن يستطيعوا العودة للإغفاء، أو عدم القدرة على النوم العميق بحيث يهبون من سباتهم لأقل حدث أو صوت، وهم بذلك يعانون الأمرين قبل أن يعودوا لنومهم مرة ثانية.
آلية القلق:
قبل هذا يجب أن نتفهم عملية النوم الطبيعية. فالنوم هو عملية ضرورية يقوم بها الدماغ بقطع معظم اتصالاته العصبية مؤقتا لإعطاء خلايا الجسم فرصة للاستجمام من عناء العمل اليومي المتواصل مثل شبكة اتصالات أجهزة الموبايل عندما تعطّل أجهزة البثّ فيفقد الجميع التغطية! إلا أن تفسير آلية النوم ما تزال تعجز الباحثين، كل ما نستطيع تسجيله عنها هو بعض الظواهر الخارجية كفعالية الدماغ الكهربائية أثناء النوم، وتغيرها بواسطة المؤثرات الخارجية.
يدلنا الأطباء على مخططات الدماغ الكهربائية أن هناك أنواعا أو درجات من النوم يمر فيها كل شخص عادي أثناء سباته. فالنوم العميق يتمثل على هيئة موجات بطيئة هي التي تظهر في الشخص المتعب بعد نومة مباشرة.
الا أن هذه سرعان ما تتغير أثناء النوم في ظرف ساعة ونصف او لساعتين لنوع آخر من الموجات تترافق مع حركة لا شعورية في العينين تمثل مرحلة أخرى من السبات، و تتميز بظهور الأحلام فيها احياناً.. ثم تتغير هذه (المرحلة الكهربائية) لمرحلة انتقالية، من ثم لمرحلة (الدلتا) مرة أخرى.
مع أن أهمية هذه المراحل أو الدرجات لم تصل الى نهاية المعرفة، الا أنه أصبح من الواضح لكي يكون النوم طبيعيا مجلبا للراحة الجسمية والنفسية، يجب أن يحوي على سائر هذه الدرجات بترتيب ونسب معينة.
أسباب الأرق
من البحوث الطبية تبين أن الذين يشكون الأرق المزمن ينامون عادة فترات طبيعية في طولها، أو أطول من المعدل، الا أنها تخلو من النظام والتتابع الطبيعي لهذه المراحل في الموجات الكهربائية الدماغية أثناء النوم، لذلك يتصف نومهم بالسطحية، الاستيقاظ بين الفينة والأخرى، انعدام الراحة الجسمية والنفسية التي تتبع النوم الطبيعي. بما أنهم لا يذكرون أجمالا ساعات نومهم، فهم يعتقدون أن أوقات الاستيقاظ تشكل سلسلة متصلة من المحاولات الفاشلة للسبات.
الأسباب الظاهرة كثيرة، منها جسمية مرضية، كما يحدث للمرضى بعد العمليات الجراحية الكبيرة، أو في الآفات المترافقة بارتفاع درجات الحرارة، أو هي نتيجة اضطراب في هرمونات الجسم واستقلاباته كما يحدث في سني المراهقة واليأس.. لكن معظم الأسباب نفسية، تتعلق بمشكلة إنسانية، وهو ما يجب حلّها بوسائلها الصحيحة، أما الاعتماد على العقاقير مثل الحبوب المنومة التي نتناولها لعلاج هذه الحالة فهي تكون بحد ذاتها أحد الأسباب الشائعة لحالات الأرق المزمن!
وهناك خطوات أولية وبسيطة لمعاجلة الأرق نذكر منها:
1 - قد يكون السبب الأساس عند المرأة الغيرة الزوجية على زوجها، أو تخوّف الأب من سلوك ابنته، أو شك الشاب على قدرته في منافسة زميله بالعمل. أكثرنا يعاني من مثل هذه الأمور، من السهل أن نبقيها في اللاشعور وأن لا نصارح أنفسنا بها، وننهي الموضوع.
2 - أبسط وسيلة لمجابهة مشكلة الأرق، أعمها فائدة، وهو اخراج الجسم من حالة الكسل والخمول طوال اليوم، واستبداله بنشاطات مختلفة، حتى فترة النوم، فقليل من الرياضة اليومية ضروري لكل امرئ لا تتيح له مهنته تمرين جسمه وعضلاته. فاذا كنت من غير محبي الرياضة، فعليه الجري نصف ساعة بعد موعد العشاء مثلا.
3 - لكل أمرئ تواتر فيزيولوجي يومي داخلي يختلف قليلا عن غيره، ويمكن كشفه بقياس تغيرات درجة حرارة الجسم خلال اليوم. هذا (التوتر) الشخصي يجعلك مستعدا للنوم في وقت معين من الليل أو النهار يختلف عن غيرك كما يجعلك بحاجة لعدد معين من ساعات النوم. اتبع هذا (النظام الداخلي) الخاص بك، ولا تنم الا عندما تشعر بحاجة للنوم.
ان كثيرا من المصابين بالأرق يحاولون النوم أبكر من اللزوم متبعين بذلك ساعة الحائط أو اليد بدل (ساعاتهم الداخلية) الطبيعية.
4 - من الناس من يستفيد من حمام دافىء أو بارد قبل الذهاب للسرير، ومنهم من تعود قراءة الكتب والمجلات، ومنهم من يأكل وجبة خفيفة اضافية.. فاذا أحببت أنت أن تجرب أحدى هذه الطرق، ليكن حمامك فاترا غير حار ولا بارد، ولتكن قراءتك غير مثيرة للأعصاب، لتكن وجبتك الطعامية خالية من السكريات والدهون عالية النسبة، ابتعد عن المأكولات المسببة للغازات وسوء الهضم.
5 - اذا اضطجعت في السرير بعد كل ذلك، تطلب النوم فلا تجده، لا تبق هكذا بلا حراك تتطلع في الظلام. أشغل وقتك بأمور نافعة وهادئة..كقراءة أحد الكتب التي كنت تود قراءتها، أو ترتيب مكتب، كتابة رسائل، متابعة الفضائيات والأنترنت. اذا شعرت أن تفكيرك مضطرب نتيجة مشاكل كثيرة تعانيها، فلا بأس أن تختار احداها، تفكر مليا فيما يمكن عمله تجاهها. اذا كان يومك التالي مليئا بالواجبات التي لا تجد الوقت الكافي لانجازها، فلا بأس أن تصنفها على وريقة، ترتب برنامجا للغد، أو الأسبوع أو الشهر القادم..المهم أن تقوم بعمل نافع وغير مثير.
وإذن، فان مشكلة الأرق بالحقيقة ليست مرضاً مفروضاً ولازماً لبدن الانسان وهو يقف عاجزاً أمامه، إنما يمكن معالجته والتعامل معه بكل هدوء وبساطة، وهذا يتطلب الارادة القوية والثقة بالنفس في حل جميع المشاكل والازمات التي تقتحم ذهنه ودماغه وهو يأوي الى سريره، وهنا سيقتحم هو تلكم الازمات قبل ان تقتحمه.
*باحث اجتماعي