قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
ما زلنا أمام العزوف عن الزواج
عقبات وتصورات خاطئة ضحيتها الشباب
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *محمود حسين عبد عون
اكدت الكتب السماوية على ان الزواج وسيلة لرفع المستوى الأيماني لدى الانسان المسلم، وحذرت من بقاء الانسان عازباً مع تمكنه من الزواج، وعدت العزوبية من العوامل المساعدة على ايجاد النقص في دين الانسان والضعف في ايمانه، لما يترتب عليها من مخاطر وآثار سلبية على جميع الاصعدة، فالشاب بحكم الغريزة الجنسية التي أودعها الله تعالى فيه، يشعر باستمرار بوجود اندفاع لا شعوري نحو الجنس الآخر، وهنا تتبلور المسؤولية، وهي التعامل مع هذه الغريزة بالشكل المهذب والبناء، وفي غير هذه الحالة فان هذه الغريزة من شأنها أن تلعب دوراً مخرباً في حياة الانسان، فبدلاً من أن تبني الحياة الأسرية والاجتماعية، تكون عامل استنزاف قدرات الانسان ومواهبه وتجره الى الفساد والى عقد نفسية مدمرة.
وقبل الدخول في الموضوع لابد من الاشارة من أن قضية (الزواج) وكبح جماح الشهوة الجنسية، ليست مهمة الشاب وحده، وإن كان هو المعني الأول، لكن بما انه يعيش في كنف الاسرة ويحيط به افراد المجتمع، وفوق ذلك مؤسسات الدولة والحكم، فان الجميع معنيين بشكل أو بآخر في مساعدة هذا الشاب على تجاوز هذه المرحلة نحو البناء والتطور والتقدم.
الايمان .. الخطوة الأولى
يكثر الحديث اليوم عن انتشار ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج بحجج متعددة، في مقدمتها المسألة المادية، إذ يعرب الكثير عن عجزه تحمل أعباء الحياة الزوجية بسبب الاوضاع المعيشية القاسية والنظام الاقتصادي الذي لا يرحم، لذا سادت مقولة (الزواج للغني) وليس للفقير، هذا المبرر و التصور يمكن للشاب ان يجد مصاديق خطئه الكبير في كثير من الازواج الذين بنوا حياتهم على المال واشتراط اقتناء السيارة الحديثة والدار الوسيعة وغيرها من وسائل الراحة، وما آلت اليه أوضاعهم الاجتماعية، فمنهم من يشهد التزلزل في حياته الزوجية في بداياتها، ومنهم من يجد آثار التصدع والتفكك بعد سنين حيث يكوّن أسرة من بنين وبنات لايفهمون منه سوى المال، فلا قيم ولا مبادئ ولا التزامات .
ويمكن في نفس الوقت للشاب ان ينظر الى أمثلة لشباب اقدموا على الزواج وقد حملوا معهم ليس المال والذهب وأمثاله، إنما الايمان الراسخ بالله تعالى وبكتابه المجيد الذي وعدنا بالغنى وليس الفقر والحاجة والتأزّم، يقول تعالى في (سورة النور): ""وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ". ولا يمكن لمتذرع بالمشكلة المادية أن يجد شاباً تزوج دون الاعتماد على المال وقد أصابه الفقر أو أضيفت اليه مشاكل جديدة او قائمة جديدة من النفقات والاحتياجات كما يتصور البعض، بل نجد ان فرص العمل تظهر امامه واسباب الرزق تنزل عليه من حيث لا يحتسب، والله تعالى – حاشاه- لا يخلف وعده أبداً.
المجتمع و تعزيز الثقة
ان مسألة الثقة تُعد من المسائل الشائكة والمهمة جداً في حياتنا اليومية، حيث باتت مختلف الاعمال والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية ترتكز على هذه المسألة الحيوية، فان فقدت فقد كل شيء، بل يشعر كل انسان اليوم إن اهتزاز جدار الثقة بمنزلة جرس انذار بانهيار صفقة تجارية مصيرية أو تصدع العلاقات بين زوجين وقسّ على ذلك.
لكن هذا أيضاً لم يبق دون حلٍ في الاسلام، فهذا نبي الاسلام رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو المسلمين جميعاً بكل صراحة: (اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وألا تفعلوا تكن فتنة في الارض وفساد كبير)، بمعنى ان الدين والاخلاق يجب ان يكون معيار الشاب المقدم على الزواج وليس أمر آخر مهما كانت الظروف، فقد يجد الشاب أنه مرفوض في مجلس الخطبة لأنه ليس من الاقارب أو انه من مدينة أو من أقدم على خطبتها لديها ابن عم او ابن خال وهي (محجوزة) لأولئك! وما أشبه ذلك من حالات نرجو ان تكون على نطاق ضيق وتنطوي في ذاكرة المجتمع، لأن الاسلام وفي حياة النبي الأكرم دحض هذه السنن والاعراف الجاهلية، ولنا في السنة الشريفة أمثلةعديدة لا يسعنا ذكرها عن تزويج النبي بنات من أشراف قريش لشباب فقراء أو ليسوا بأحرار بمعنى عبيد، والمثال البارز هو تزويجه صلى الله عليه وآله زينب بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة، وقال صلى الله عليه وآله: (أشرف الشرف هو الاسلام)، وهي الحادثة المشهورة التي ذكرها القرآن الكريم ليرفع الاسلام الحرج في هذه المسألة النفسية الحساسة لدى الانسان، علماً ان النبي تزوج زينب فيما بعد كما قرر ذلك الوحي، وقد اراد زيد الانفصال وانهاء زواجه: "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" (الأحزاب /37).
وإذن، هكذا يتعامل الاسلام مع مسألة اختيار الزوج، فالمسألة الانسانية والاخلاقية الى جانب الدين، لها الاولوية والاهمية القصوى وليست الامور الاخرى الشكلية مثل القرابة والامكانات المادية والشهرة وغير ذلك. واذا يحذرنا الاسلام من هذا التوجه لأن المجتمع المبتعد عن هذه المبادئ يقع في منزلقات خطيرة وأزمات اجتماعية وأسرية لا نهاية لها، ليس أقلها اقتران الكثير من الفتيات بعديمي الاخلاق والالتزامات الدينية، فكانت النتيجة الاولى هي انعدام الثقة التي طالما جعلها أهل البنت عقبة أمام تزويجهم اياها للشاب الخاطب الذي يحمل الدين والاخلاق. ولن نتحدث كثيراً عن مظاهر انعدام الثقة في الحياة الزوجية بانعدام الركيزتين، مع انتشار القنوات الفضائية ومواقع الانترنت ورخص الهاتف الجوال وما يمكن ان يحمله كل ذلك من اسباب تزلزل بناء الحياة الزوجية.
ومن كل ما مرّ يتبين ان حل المشكلة الجنسية، - إن صحّت هذه التسمية- ليس بالامر الصعب والمعقد، بل بقاء هذه المشكلة والحاجة المكبوتة في نفس الشاب، هي التي من شأنها ان تولد العقد النفسية والازمات الاجتماعية ذات الابعاد الواسعة وفي حال تراكمها وتفاقمها يكون حلها صعباً ويستغرق زمناً طويلاً كما هو ملاحظ في كثير من بلادنا الاسلامية، فمن خلال الزواج يضمن الشاب دينه واستقراره النفسي بالمقابل تكون الفتاة عامل أساس في توفير العاطفة المقدسة التي لا تترك نقطة فراغ صغيرة في نفس الشاب بحيث تكون نفسيته بالجدار المرصوص لا ثغرة فيه، ولا مجال لتسلل عوامل الانحراف والهدم، فتكون خير مشاركة في بناء أسرة سعيدة قادرة على خدمة المجتمع بل والأمة بأسرها. ولعل هذا يكون مصداق الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (ركعتان يصليهما متزوج افضل من اعزب يقوم ليلة ويصوم نهاره).
لكن نعيد ونذكر إن التقاء (الكفوء بالكفوء) كما هو الحديث الشريف (المؤمن كفوء المؤمنة)، بحاجة الى سلسلة من المراحل والمتطلبات الواجب تحقيقها من قبل الوالدين والأسرة والمجتمع والعشيرة والدولة والمؤسسات المعنية، لأن جميع هؤلاء مسؤولون أمام الله في هذه القضية، واذا حصل – لا سمح الله- انحراف معين او سلوك شائن من شاب أعزب أو مجموعة من الشباب ليعرف الجميع أنهم يتحملون المسؤولية في ذلك الى جانب الشاب نفسه.