تصحيح العلاقة بين الدين والعلم
|
*يونس الموسوي
هناك علاقة غير متكاملة بين الإنسان والعلم الحديث! فمرة نجد هذا الشخص يتنازل عن كيانه وهويته و دينه من أجل العلم، حتى يحصل على الشهادة العلمية، وكأن العلم يفرض عليه الإنسلاخ من عقيدته و دينه، ومرة أخرى نجد هذا الشخص بشكل مغاير حيث إنه ملتزم بعقيدته و إيمانه أشد الإلتزام، لكنه يخشى التعامل مع وسائل العلم الحديث، وقد يصل الأمر في أحيان إلى تحريم وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات والهاتف النقّال وأجهزة الحاسوب وغيرها. فالمشكلة لا تُحل بمقاطعة هذه الوسائل، وإنما في مناقشة ومحاججة العلوم الحديثة كعلم النفس وعلم الإجتماع وعلم السياسة وعلم الإقتصاد وغيرها من العلوم الصادرة عن مفكرين غربيين وجدوا أنفسهم بدلاء عن مرجعية الدين.
إن اختراق علم النفس بافكار وتوجهات إلحادية ومادية لا يعني أن جميع قواعد هذه العلم وما توصل اليه العلماء غير مفيدة، طبعاً هذا الأمر يصدق على بقية العلوم الأخرى التي هي نتاج الفكر البشري. فالمسعى الإنساني في طريق العلم والوصول إلى الحقائق العلمية، هو مما يحترمه الاسلام ويحثّ عليه، وإن لم يكن كذلك لما كان نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله أوصانا بأن نطلب العلم وإن كان في الصين.
كان الله سبحانه وتعالى في العهود السابقة ينزل موائد الجنة إلى المؤمنين برسالة السماء و يرسل إليهم (المنّ والسلوى)، وهو خيرة أنواع الطعام وهو ما حظي به بنو اسرائيل كما جاء في الكتاب المجيد، أما في هذا الزمان فإن الناس عليهم أن يعملوا ويكدوا من أجل لقمة العيش، وعليهم أن يتعلموا ويطوروا أنفسهم ومعداتهم ليحققوا الازدهار والرفاهية في حياتهم.
من هنا فان العلم من أهم عوامل تقدم الأمم، بمعنى أن أية أمة تريد تحقيق تقدمها فإنه ينبغي أن تحقق ذلك عبر العلم، والدين هو خير من يُهيء النفوس والأرواح لتقبل العلم، وبخلاف ما هو متصور فإن الدين الاسلامي يسير بشكل متوازٍ مع حقائق العلم، وكلما مضينا قُدماً في العلم حصلنا على شواهد تؤكد حقائق الدين والإيمان في مجالات العلم والابداع الانساني، وهناك الملايين من هذه الشواهد لكننا نذكر منها إكتشافين مهمين خلال الأيام القليلة الماضية أحدهما يتعلق بالخمر حيث أن تناوله يؤدي إلى تقلص المخ والأكتشاف الثاني هو أن الموسيقى الصاخبة تؤدي إلى فقد السمع.
وما من محرمٍ منع الإسلام معتنقيه من فعله إلا وكان فيه ضرراً نفسياً أو جسدياً على الإنسان، وهذا بحد ذاته يكشف جانباً إعجازياً في هذا الدين الحنيف، فبعد آلاف السنين يكتشف الناس صحة وفائدة الأحكام الإسلامية بشكل علمي وعيني.
إذن، الإشكالية الموجودة هي عدم وجود علاقات مثالية وسليمة بين الفرد المسلم وبين العلم الحديث، وهذه العلاقة دائماً ما تتسم بالتطرف والمغالاة، ويمكن تصنيف المسلمين وفق هذه العلاقة إلى صنفين:
1- من يتخذه صنماً يعبده ويعتقد بكل ما يصدر عنه حسناً كان أو سيئاً، وينبذ الدين وكل تعاليمه على إنه شيء من التاريخ ولايصلح إلا أن يوضع في المتحف، فهذا الرجل لايستطيع أن يقدم شيئاً لأمته لأنه ببساطة منفصل ومنعزل عن الأمة التي تعتقد بالدين ولاتريد الأنفصال عن قيمها.
2- من يؤمن بدينه ويلتزم بإيمانه غير انه لايعرف كيف يتصرف مع العلم الحديث، هل يرفضه؟ هل يوافق على جزء منه؟ كيف يستفيد منه؟ كيف يوظفه لخدمة الأمة؟
ومن ثم لدينا هنا رجلان أحدهما: عاجز عن التواصل مع الأمة نتيجة انسلاخه من عقائد الأمة، والآخر صاحب عقيدة وإيمان لكنه عاجز عن الاستفادة من العلوم الحديثة، والنتيجة تكون أمة ذات إيمان شكلي وبعيد عن مسيرة التطور العلمي.
نحن هنا نريد الإجابة عن سؤال : ما هو دور الإنسان في تخلف الأمة؟
إن لكل إنسان دوراً إيجابياً وسلبياً في قضية كبرى هي (تطور الأمة) ويجب أن ندخل إلى العمق ونتساءل هل هناك فئة تعمل من أجل تطور الأمة؟ وهل من الممكن ملاحظة هذا التطور في الواقع؟
لنراقب الأحداث التي تقع يومياً في بلداننا، هل يجري الحديث في الأخبار عن اكتشافات واختراعات علمية ؟ أهم الأخبار التي يستمع إليها المواطنون في البلدان العربية والإسلامية هي أخبار أعمال القتل والحرب والدمار والعمليات الانتحارية، أي أن هذه الشعوب تدمر بلدانها بأيديها، تدمر حضارتها بالمعول الذي بيدها، تدمر الإعمار بالقنابل التي تتفنن في صنعها، تدمر كيانها بالأعمال الطائفية التي تقوم بها.
كل هذه الأمور تحدث، إذ كيف ستتقدم الأمة؟ وكيف تبني مجدها وعزها؟
باسم الدين يسفكون الدماء، وباسم الجهاد يستبيحون الأعراض، هل هذا هو الدين الذي أتى به نبي الإسلام الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم؟
لابد الاستفادة من العلم لتصحيح نظرتنا الخاطئة عن الدين، ولابد أن نستعمل العقل في إدراك مغازي وأهداف الرسالة المحمدية، حتى لانقع في المطبات التي سقطوا بها، ولابد أن ينتبه المسلمون إلى خطورة الفكر الوهابي التكفيري المنحرف الذي لايزيد الأمة إلا خسارة وانحطاطاً على ما فيها من التخلف والأمية.
وبلا شك أن مثل هذا الفكر الذي لايمت للفكر الديني ولا للفكر الإنساني بأية صلة سينتشر في بؤر التخلف والجهل والأمية، ومن هذا الباب يجب أن نعمل سوية شيعة وسنة في نشر الوعي والثقافة الإسلامية الأصيلة حتى لانسمح لدعاة الجهل والهمجية، أن يستغلوا سذاجة وبساطة بعض الناس ويخدعوهم بغداء في الجنة او بعشاء مع رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى يجعلوا منهم مطايا لمآربهم الدنيئة.
إذن، لابد من تصحيح العلاقة بين الدين والعلم، ويجب أن يقول العلماء كلمتهم الفاصلة تجاه هذه القضية ولايجوز الإكتفاء بالشعارات والكلمات الجميلة (الدين يدعو إلى العلم) ونلاحظ في الواقع مقاطعة تامة بينهما!
تصحيح العلاقة بين الدين والعلم هو تصحيح لمسار الأمة، لأن هناك حقيقة ثابتة غير قابلة للرد، (إذا لم نكن نعيش في عصر الإيمان، إذن فنحن نعيش في عصر الفسق والفجور، وإذا ما كنا نعيش في عصر العلم والتقدم فنحن نعيش في عصر الجهل والتخلف)، ويستحيل أن يجتمع المتناقضان، من هنا يجب أن نعمل على تحديد معالم مسيرة الأمة إيمانياً وعلمياً، ونضع الإشارات والعلامات ونقول هذا طريق الإيمان وهذا طريق العلم، حتى تكون البوصلة بأيدينا ونقيّم خطواتنا باتجاه العلم والإيمان، هل سرنا خطوة أو خطوتان باتجاه ذلك.. أم تراجعنا إلى الوراء؟!
|
|