قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الجزاء في الدنيا والآخرة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
لنفكر ونتساءل لماذا أعطى الله سبحانه وتعالى هذه المكانة العظيمة للإمام الحسين عليه السلام؟ وكيف حصل الأنبياء (ع) على تلكم المنازل العالية؟ وماذا فعل الرسل حتى ينالوا هذه الحظوة؟ وكيف رفع الله عزوجل إبراهيم عليه السلام إلى هذا المقام الرفيع؟
يبدو أن قانون الحياة قائم على أساس الجزاء، بمعنى أنه لايحصل المرء على مقام أو على
درجة دون أن يعمل شيئاً يستحق على أثره ذلك الجزاء، فالله سبحانه وتعالى يعطي جزاء كل إنسان حسب مستوى العمل الذي يقوم به، وقد نجح ابراهيم عليه السلام في اختبارات وإبتلاءات كثيرة فحظي بهذه المنزلة الرفيعة عند الله، وقد نجح رسول الله صلى الله عليه وآله في الكثير من المواطن وهو ما أدى به لأن يصل إلى هذا المستوى من الرفعة والكمال.
ولو أردنا أن نقرب الصورة إلى الأذهان أكثر فأكثر نطرح سؤالاً ونقول: لو طلبت منك أن تختار رجلاً ليكون نبي آخر الزمان فمن تختار من البشر الموجودين؟ وهل ستضمن بأن هذا الذي ستختاره سيؤدي المهمة الموكلة به من دون تردد أو فشل؟
من الصعب الاطمئنان الى شخص يؤدي هذا الدور العظيم، لسبب بسيط وواضح هو أن الموجودين بإمكانهم أن يرتكبوا الأخطاء لأنهم غير معصومين وغير محصنين بالكامل عن ارتكاب الخطأ. فالنبي الأعظم صلوات الله عليه هو الوحيد المناسب للمقام الذي وضعه فيه رب العزة بسبب المواصفات والكمالات التي توفرت فيه، لذا يكون الجزاء هو القانون الذي يشمل أجزاء ونواحي الحياة البشرية كافة للدنيا والآخرة ولذا فإن مقامات الناس في الدنيا أيضاً تخضع لقانون الجزاء.
ولكل إنسان من أفراد البشر منزلة في الدنيا والآخرة تكبر أو تصغر، وتتعارض أو تتضارب من ناحية الخير والشر، فهناك من له موقعية من مواقع الشر، إذ تقابلها منزلة من منازل الخير، فالحسين الشهيد عليه السلام لايمكن أن يكون قاتله إلا شمر بن ذي الجوشن أو عبيدالله بن زياد أو حتى يزيد بن معاوية عليهم اللعنة وسوء العذاب، فالامام الحسين عليه السلام له درجة كبيرة من الخير يجب أن يقابله ويعارضه من له منزلة معكوسة في الشر.
وهناك أدلة كثيرة على أن نوعاً من أنواع الجزاء يحدث في عالم الدنيا قبل الآخرة، لنراجع القرآن الكريم ونستلهم منه الأدلة، يقول: "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (يوسف /22) وكذلك "سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات /79-80) وكذلك "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (الصافات /105) وكذلك "فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ" (الأحقاف /25) وآيات آخر لايسع المجال لذكرها.
ولابد أن نفهم العلاقة بين الجزاء وبين العمل حتى نعرف النتائج والقيم المطلوبة لتحقيقها، لأن القيم التي يطلبها الله عزوجل لتحقيق تلك النتائج هي مختلفة عما في أذهاننا، فنحن البشر نتصور بأن القيمة الأساسية لتحقيق الفوز والنجاح هو توفير المسلتزمات المادية لكن الله سبحانه وتعالى يبين قيمة أخرى غير التي في أذهاننا ويعدّها عزوجل أساسية لذلك الفوز والنجاح، ألا وهي قيمة (الصبر) فالقرآن العظيم يقول: "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ" (المؤمنون /111) فالله سبحانه وتعالى لم يتحدث عنهم انهم كانوا يملكون الأموال والمعدات وماشابه لكنه عزوجل وصفهم بالصبر، فالعدة اللازمة حتى يحققوا الفوز هو الصبر وليس شيء آخر، وربما يأتي توفير المستلزمات المادية بالدرجة الثانية من الأهمية بعد الصبر.
وعلى المستوى الفردي يستطيع أي إنسان أن يحقق امتيازات كبيرة في عالم الدنيا يحصل عليها من الله عزوجل إذا تسامى وارتفع في مستوى العمل، ففي الآية التي ذكرناها آنفاً "وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" (يوسف /22) فالله سبحانه وتعالى جازاه في الدنيا بعد أن بلغ مرحلة من النضج العقلي والمستوى العملي، فهو إذا لم يكن قد وصل إلى تلك المرحلة من الإحسان ما كان الله ليعطيه الحكم والعلم.
وهكذا كل إنسان بإمكانه أن يحصل على امتيازات ربانية إذا رفع نفسه إلى تلك المستويات والدرجات من عمل الإحسان، ومن هنا نصل إلى جواب السؤال الذي أتى في مقدمة الموضوع والذي يتعلق باستحقاق الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم لدرجاتهم ومراتبهم الدنيوية والأخروية، فهم استحقوها كنتيجة طبيعية لمستويات من الأعمال التي أدوها، صحيح أن الاختيار حصل قبل الولوج في عالم الدنيا، لكنه لايكون من دون العمل، وأن الله عزوجل عارف بهم وبحالهم وبما سيعملون في الدنيا لذا كان اختيارهم صائباً كونهم الافضل في العمل من بين أبناء البشرية جمعاء.
والظاهر أن لكل إنسان وما يعمله جزاء من الله في الدنيا والآخرة، فالصابرون يحصلون على نوع من الجزاء والشاكرون يحصلون على آخر والمحسنون كذلك وفي المقابل فإن المجرمين لهم ايضاً جزاءاً آخراً في الدنيا والآخرة، وأما الذي يريد أن يعرف أنه ماذا سيكون جزاءه في الآخرة أهو من أهل النار أم من أهل الجنة، عليه أن ينظر إلى مسعاه في الدنيا أنه يسعى للخير أم إلى الشر بمعنى أن مسيرته الحالية مسيرة خير أم شر؟ فإذا كانت مسيرته نحو الخير والإحسان فهو من أهل الجنة أما إذا كانت مسيرته مسيرة شر فلابد أن جزاءه الشر ايضاً فالقرآن الحكيم يقول "إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى" (طه /15).
وكل إنسان يطلب جزاء عمله ما عدى آل البيت صلوات الله عليهم فهم لم يطلبوا ولم ينتظروا الجزاء من الناس لأن عملهم كان خالصاً تماماً لوجه الله، وبخلاف ما كان يدعيه بعض الصحابة بأن لنا سابقية الجهاد والاسلام ونستحق عطاءً أكبر، كان أهل البيت عليهم السلام يقولون: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا" (الإنسان /9).